نحن نوفر كل الظروف

نحن نوفر كل الظروف

ربما لم تشي بضع شعيرات بيضاء تميزت وسط شعره الأسود بعمره الحقيقي ...
لكن هويته تعلن بإصرار أنه قد تجاوز الأربعين من عمره ...
تهاوت مقاومته أخيراَ لكل من دعاه ليكمل نصف دينه و تعطلت قليلا تروس عناده ...
يتجه صوب مكتب زواج قريب من شركته التي يمتلكها ...
تثيره فتاة تصادف دخولها نفس البناية التي يقصدها ...
يتأمل مكياجها الصاعقة ألوانه و المتنافر تماماَ مع ألوان ملابسها الصارخة و التي بدا ضيقها مع لحم جسدها المترهل قليلا كصورة متكاملة أبدعها فنان عبقري كمثال علي إنعدام الذوق ...
صرف نظره عنها ... و كذلك هي ...
مع زفرات متتالية تعبر عن حنقها من عدم إهتمامه بها كما توقعت... أو كما يفعل غيره ...
في البدء كانت زفراتها تنطلق كما تعودت ... بعدها صارت طبيعية تماماَ ...
دلفت الي المكتب قبله ... و أختفت في غرفة جانبية فلم تلحظ دخوله إلي نفس المكتب ...
إتجه مباشرة نحو فتاة ترتدي إسدالاَ أسوداَ جالسة أمام جهاز كمبيوتر تملأ شاشته لعبة شهيرة من ألعاب الورق ...
و كمن فوجئت به ... تمتد يدها مغلقة اللعبة قبل أن ترسم علي وجهها تلك الإبتسامة التي يفضح زيفها التصنع ...
يعرب لها عن طلبه مساعدتهم له في البحث عن زوجة ...
تمتد يدها في لهفة إلي إحدي الإدراج لتخرج منها إستمارة رديئة الطباعة يتناولها منها و هي تنطلق في الكلام ليجاهد قليلاَ في فهم ما تقول ...
يعجز فيطلب منها الإعادة ...
لا تجد في ما قالته مهماَ عدا سعر الإستمارة و سعر كل مقابلة و كيف يمكن أن يضمن عدداَ لا نهائياَ من المقابلات إذا دفع مبلغاَ معيناَ ...
يترك لنفسه قليلاَ من الوقت قبل أن يهضم عقله الفكرة كلها ... ونظرة عينه تشي بعدم الإقتناع ... يدور بعينيه في المكان فتصافحه عبارة مكتوبة :
" نجد لك ما تريد أياَ كانت ظروفك "...
يشعر بتناقض و لا معقولية ما ... ينحي الإستمارة جانباَ و هو يسألها عن خطوات عملهم ...
تندفع ببضعة كلمات لا يستطيع تمييز أياَ منها غير كلمة " كمبيوتر " بلكنة لم يستطع تحديد مصدرها رغم إنه تقريباَ زار كل دول أوروبا و القارة الامريكية ...
إبتسم قبل أن يقاطعها بهدوء طالباَ مقابلة مدير المكان ... أشارت له الي حجرة جانبية كان بابها موارباَ فدفعه في هدوء ليدخل ليري رجلاَ يماثله عمراَ و إن كانت رأسه الصلعاء تظهر بوضوح أثر ندبة تمتد من راسه إلي صفحة وجهه ...
رمي إنفعالاته جانباَ و هو يعيد أسئلته ربما وجد رداَ مختلفا ... لكن رغبته تهاوت أرضاَ و هو يتلقي كلمات الرجل ...
كان نفس الرد بنفس الجمل بنفس الكلمات ...
و إن كانت سرعته أقل مما جعله يفهمها هذه المرة .
و في هذه المرة ترددت كلمة كمبيوتر بأسوأ نطق يمكن أن تسمعه ...
و الغريب أن الرجل أخذ يرددها لتوضيح كيف أن الكمبيوتر يقوم بعملية الأختيار و التوفيق و أنهم يقومون بإدخال البيانات التي تحتويها الإستمارات .
لم يشأ أن يعبر عن رأيه ...
يحاول تجميع كافة الأجزاء قبل أن تتشكل الصورة في ذهنه .
أستنشق الهواء مساعداَ نفسه علي إتخاذ القرار ... و أشباح ذكرياته تتراقص أمام عينيه تحمل صورة أصدقاءه و هم ينتقدون كونه أعزباَ حتي الأن ...
تتغير الصورة لتنقسم لعدة صور لفتيات قابلهن في حياته و كانت كل منهن تصلح للزواج ..
يخترق صوته بالونة تفكيره و هو يسأله عن المواصفات التي يرغبها ...
أنه يضع الكرة في ملعبه ...
نعم هو يعرف أن هذه المكاتب قد أنشئت خصيصاَ لمساعدة هؤلاء الذين تصعّب ظروفهم الأرتباط بصورة طبيعية ...
لكن ثمة شيئاَ ما يجعله يتردد ... ربما صارت عادة لديه ...
أو ربما لأن التجارة جعلته يشرب المغامرة في لحظة و يتذوق حلوها و مرها في سنوات ...
المهم إنه أخبره بحاجته لبعض الوقت لكي يكتب علي الورق مواصفاتها ...
أخرج المدير كارت شخصي و أعطاه إياه تمهيداَ لتبادل كروت التعارف ...
إعتذر له لعدم وجود أيها في جيبه ... ربما في المرة القادمة ... إتجه ناحية الباب ...
لا يعلم سر رغبته في إلقاء التحية علي السكرتيرة قبل ذهابه ... لم يهتم بمعرفة السر ...
فقط إنصاع وراء رغبته ... لكنه إندهش من عدم وجودها مع رؤيته لأخري تحتل مكانها ...
هم بالسؤال عنها فوجدها تبتسم و هي تهمهم ببضع كلمات خجلي ... كانت هي نفسها ...
أين ذهب الإسدال ...
جاءته الإجابة من خلفه ...
صوتاَ يعرب عن حنقه من تلك المواعيد التي تحتاج مواصفات معينة و كيف يجب عليهم أن يعلموها بذلك مسبقاَ حتي تستعد ...
أغمض عينه و هو واثق مما سيراه ...
فتاة المصعد و قد حاولت إزالة كل مكياجها و إن كانت بقاياه تترك أثراَ ما ...
وإسدال السكرتيرة علي جسدها يشكو من إختلاف مقاسات جسديهما فيبدو قصيرا للغاية ...
لحظة صمت كانت كافية لتتأمله و سؤال أين رأيتك من قبل يتقافز من عينيها ...
و السكرتيرة مازالت ترسم علي شفتيها تلك الإبتسامة الخجلي ...
أما هو ...
فلقد أتخذ طريقه للخروج من المكان و عينه تبحث عن عبارة :
" نجد لك ما تريد أيَا كانت ظروفك "...
قبل أن تتعالي ضحكاته لتحتضن السحاب.