لأول مرة ذاق طعم الخطوات الواثقة فى صعوده درجات السلم الذى شهد لحظات حبه الملتهبه معها ,كل ذرة هواء تشهد على وعودها و كلماتها و التى كانت تكفى لدفعه ليتربع على القمة.
=أتجدين العمر بنا ينتهى ؟
-ليس قبلما يشهد تتويج حبنا.
=لكم أحلم بهذا اليوم.
-لنستعد له أذن.
لكنه لم يكن يستعد ... بل لم يكن يشغله أن يفعل ... جل أهتمامه أنصرف الى تحضير أرق العبارات الرومانسية التى سيلقيهاعلى مسامعها عند اللقاء اليومى المعتاد ...لكم سألته عن دراسته ...و لكم أجاب بأنها دوما ما تطل صورتها من صفحات أي كتاب يمسك به ...و على الرغم من أن مستقبل كليتها -كما يقول مكتب التنسيق - ليس أعلى من مستقبل كليته ذات المستوى الاول ...الا أن هاجسا ظل يداهم مضجعها و يقلق نومها جعلها تهتم بالدراسة و التحصيل محاوله أن توفق بين حبها و رغبتها فى رؤية حبيبها دوما فى أعلى مرتبة , وبين دراستها و رغبتها فى أن تنجح هى كى تستطيع الوصول لمستوى حبيبها ... و لو بعضا منه.
أحكمت أصابعه الضعيفه امساك امله الوحيد ... و نظر اليه و هو يخاطبه بلا صوت:
=ستكون انت اليوم منقذى و ملاذى ... ستكون بداية قصتى الجديدة ...لن أستسلم كعادتى ...بل سأتمسك بحبى للنهاية...
و تحين منه التفاتة لقطعه من الزجاج كانت تمثل مرآة يوما ما ... مد يده و رفعها من الارض ... انعكست صورته على ما تبقى منها .. بود أبتسم لنفسه ...و أكمل خواطره...
=إنه يومك يا فتى... اليوم الوحيد الذى ستجعل مستقبلك بيدك انت ...لا بيد الاخرين...الأخرين الذين طالما حقدوا على نجاحك و على شهرتك و على تفوقك... من ذا كان الأعلى منك تقديرا... من ذا كان الأكثر كرما منك ... دوما كنت الأكثر تفوقا ... الأكثر كرما ... الأكثر وسامة ... و نجاحا...
ذكر الكلمه جعله ينكس راسه أرضا و تتوقف قدماه لتفقد كل ثقتها ...
- أرأيت ؟! لقد فعلتها اخيرا ... عوضت ضعف درجاتى المعتادة فى الثانوية و اصبحت الأولى على دفعتى كلها.
= تستحقين ما دمت حبيبتى كل خير ...يجب أن أحتفل بك كما يليق.
- دعك منى الأن و أخبرنى ... ماذا فعلت أنت؟!
سؤالها حينذاك كان صاعقة كبرى أصابته ...أشاح بوجهه بسرعه مداريا دمعه أستماتت حتى نجحت فى النزول ... أزاحها بعصبيه و هو يقول محاولا بث أكبر قدر من الضحكات:
=لا أعلم لماذا تأخر ظهور النتيجة حتى الأن ...يبدو أنهم يرغبون فى اظهارها مع نتيجة العام القادم.
لم تبتسم لدعابته ...تجمدت ملامحها و انمحت فرحتها تماما و هى تقول و عيناها تصنع دمعة تلطف قليلا من نيران الغضب التى بدات فى الأزدياد داخلها ...
-كنت تريد أخفاء أمر النتيجة عنى؟!
أدرك أنه لا مفر من الصدق , أي كذبه سيتفوه بها سيتم أكتشافها على الفور,حاول أن يدفعها لألتماس أي عذر ... لكن دموعهاالتى لم تقاومها قط جعلت من الأعذار سخافة لا يتحملها الموقف... لم يجد بدا من الصمت تاركا الكلمة لدموعها التى ذابت فيها مشاعر شتى , تركها و قلبه يسبح فى بحر دموعها حتى كاد أن يغرق ..
.كفكفت دموعها أخيرا,بأبتسامه أغتصبتها من وسط حسرتها و مرارتها قالت:
- هون عليك ... تستطيع التعويض فى السنة القادمة ... لكن لا تفعلها بعد اليوم و الا سيكون انتظارى لك طويلا بعد ان تنتهى سنوات دراستى....
زمت شفتاها قبل ان تنطق بكلمه "قبلك" وهى تدرك تلك الحقيقة المرة ...سنوات دراستها بالكلية أقل من سنوات دراسته بكليته بسنة كاملة ... الأن صارتا سنتان عليها أن تنتظرهما حتى ينتهى من دراسته ... وليس العكس...
جلس قليلا وهو يعيد التفكير فى خطته مرة أخرى ... و مرة أخرى تذكر وعودها بأنها ستظل بجواره حتى النهاية ...رغما عن أي شئ ...أو كل شئ ... ابتسامة على شفتيه ترتسم كلما تذكرها و هى تأتى منزله تداعب والدته و تسالها عن احوال مذاكرته... نجاحه كان كل ما ينال أهتمامها ...لم يكن لديه شكا فى ذلك ... و رغم هذا لم يدع لها الفرصة لتفرح و لو مرة واحدة ... تكرر الامر مرة ثانية ...و ثالثة ... و أجبرته لوائح الكلية على سحب أوراقه منها ... و البدء من جديد فى كلية أخرى ... فأختار كليتها ...كانت محاولة منه لأثبات حبه أمامها ...و قابلت هى الأمر فى البداية بالترحاب و الفرحة الغامرة ... سيكون قريبا منها و ستساعده بكل قوتها ... الا أنها لم تحتمل ... لم تحتمل كونها فى السنة النهائية و هو فى السنة الأولى ... لم تحتمل هرعه لمدرجها كل يوم و نظراته المكشوفة امام زملائها و مضايقته اياها بغيرته الشديدة و عصبيته الغير مبرره...مما جعلهما مثارا لسخرية و حديث كل زملائها ... و صارحته ... و ياليتها لم تفعل ... ثار اكثر و أتهمها بأنها صارت ضعيفه أن حبها صابه الوهن و أنها تنظر اليه بوصفه وصمة حياتها...
و كان هذا أكبر من احتمالها تماما ... أنهارت ... بكت كما لم تبكى من قبل فى حياتها كلها...الا أنه لم يرحمها ... أتهمها بأبشع تهمة ... الخيانة... و الا لماذا لم تنتظره فعليا ... لماذا لم تثبت له حبها...بأن ترسب مثله؟!...
تركت دموعها تنهمر قليلا ... ثم كفكفتها تماما و هى تنهض و تمضى مبتعدةدون ان تتبادل معه كلمة أضافية ...و لم يتقابلا بعدها أبدا ... هى بغضبها الذى أعماها عن رؤية أي شئ الا مستقبلها ...وهو بغضبه الذى جعله عنيدا واثقا أنها ستعود اليه كالمعتاد....
و مضت الأحداث سريعه ... تخرجت بتفوق من كليتها ...وهو كالمتوقع له تماما ...صاحبه الفشل ...تقديرها العالى فتح لها ابواب العمل سريعا و جعلها مع جمالها الهادئ مثار الأعجاب من قبل رئيسها فى العمل ...فأرتبطا ...و قد تحدد ميعاد الأرتباط...أنه اليوم....
لأخر مرة يراجع خطته التى رسمها غضبه و أكد عناده نجاحها ... نظر اليها و هى تجاور عريسها بالزى المعتاد لهذه المناسبات ...أخرج من طيات ملابسه مسدسه ...مرت لحظة قبل أن ينتبه الجميع لتلك المفاجاة ...سادت حالة من الذعر لم يلق لها بالا ...بصوت نال من قوته و ثباته اهتزازات جسده المنفعل صاح:
= لن تكونى لغيرى ... أنا.
جاوبته بدموعها التى أعماه الغضب عن رؤيتها تنساب مبلله فستانها الابيض و عقلها يجبر صراخ قلبهاعلىالتماسك...عريسها زاغت عيناه متنقله بين عروسه و بين ذلك الشاب الممسك باالمسدس محاولا ان يفهم ما يحدث أمامه حتى يستطيع التعامل معه جيدا...
بهدوء قامت من مكانها ...بثقة اقتربت منه ... بحزن يكفى لأغراق الارض كلها قالت:
- لم تفعل ذلك؟
أرتجفت شفتاه و هو يجيب:
= لأنى احبك...و أنت تعلمين ذلك ...و على الرغم من الحب الكبير و المشاعر الصادقة ...خنت .!
رفعت رأسها قائله:
- لم يحدث ... و أنت تعلم ذلك جيدا ... تعلم كم تحملت و كم عانيت منك و من حبك هذا الذى لم تقدره أبدا ..._
= و لكنك وعدت بأنك ستنتظرينى!
- و هل حافظت أنت على و عودك ؟! ... هل مازلت تتذكرها ؟!....
- نكس رأسه و هو يدرك لحظتها فقط كم هى محقه ... الا أنه حاول ألا يستسلم, قال بصوت عجز حتي عن اقناعه:
= الظروف ... الأسباب.... ال.....
منعته يدها التى أمتدت تختطف سلاحه ...للحظات لم يستوعب ما فعلته...شعر بانه تجرد من كل شئ ... فقد كل شئ ... تهاوت قدماه ... ركبتاه المرتجفتان جعلتا الناظر اليهما يتوقع أنهياره فى أي لحظه ...بحنو قالت له :
السلاح ليس لك ... السلاح للقتل ... و القاتل يعاقب ...و لا يحصل على شئ
أدرك أخيرا تلك الحقيقة ... بخنوع همس:
= لكنى أريدك ... أريدك بأى ثمن ... لا أحتمل ان أفقد شيئا أمتلكته خاصة و هذا الشئ هو انت... انت ملكى ... و لن تكونى لسواى ...انت ملكى و لن تكونى لسواى....
أخيرا أفاق الجميع ...تكاتفوا للأمساك به ... نظرت اليهم بأستخفاف ...لم يعد يملك شيئا يخافونه ...لقد صار أعزلا ...مجردا من كل شئ ... حتى العقل...عبارته الاخيرة التى أخذ يرددها تثبت أنها محقة دوما ... كالمعتاد...أشاحت بوجهها حتى لا ترى حلمها القديم و كيف أنتهى ... لترى أملا جديدا يجلس بجوارها ...
أما هو ... فلقد أدرك أخيرا خطآه ... غيوم عناده أنقشعت أخيرا ...
حتى و لو قتل زوجها ... سوف يسجن و لن يحصل عليها ....
و أستدار خلفه من مؤخرة السيارة التى ستحمله الى المجهول ...و عيناه تلتصقان بالاضواء التى تخفت تدريجيا و شفتاه تردد بمرارة:
=لقد ضاع كل شئ...ضاع كل شئ....
و ما أن أختفت الاضواء تماما ...حتى دفن وجهه بين دموعه ...كالمعتاد .