هل الفن للفن مدعاة للشك والإلحاد ؟
الشعر فنٌّ من فنون الكتابة يسجل حياة الشعوب بكل ما فيها من أفراح وأتراح وكان الشاعر بشعره يشعل الحرب وينشر السلم وكان كثير من الشعراء قبل الإسلام لا ضابط لهم فجاء الإسلام فهذب الشعر ووشاه بالحلية الإسلامية فقد مدح النبي صلى الله عليه وسلم شعراء جاهليين لروعة شعرهم فقد روي بأن النبي – عليه السلام – قال على المنبر: «أشعر كلمة قالتها العرب، قول لبيد: «ألا كل شيء ما خلا الله باطل».
وذم آخرين لفجورهم وكذبهم وحث شعراء إسلاميين على الذب عنه وعن دينه.
[فحينما حاربت قريش الرسول –صلي الله عليه وسلم – ودعوته بشعرها وألسنتها وسلاحها , لم يكن هناك بد من أن يحاربها بمثل وسائلها , فحض المسلمين علي قول الشعر المنافح عن الحق ,المكافح ضد الضلال والشرك , المدافع عن الدين والخلق والعرض . فندب – صلي الله عليه وسلم – شعراء الإسلام لذلك وحثهم عليه بأساليب متعددة , فقد كان يقول لحسان بن ثابت : " يا حسان اهجهم وروح القدس يؤيدك .{1}
فالشعر قبيحه قبيح وحسنه حسن لذلك أهدر النبي صلى الله عليه وسلم دماء شعراء نالوا منه ومن دعوته وكانوا كفارا ولكننا اليوم نفاجأ بشعراء تفوح أشعارهم بالإلحاد والطعن والهمز واللمز في نبينا محمد صلى الله عليه وسلم جهارا ويدافع عنهم النقاد بحجة جودة شعرهم عملا بقاعدة { الفن للفن } وتعنى الإجادة مهما بلغت الكلمة مبلغها في الفجور والإلحاد والأدهى والأمرّ أن وزارة الثقافة تطبع لهم على نفقتها ومن أموال الشعب لتساعد في تشويش عقائد المسلمين
وهذه نماذج لبعض تلك الأشعار
هَبْنِي نبياً فمَنْ أنباكَ عن شاني ** وعن صَلاتي ورَبِّي كيف أنشاني؟
لا كنتُ في الناسِ أُميَّاً فعلَّمَني ** ولا الفقيرَ الذي باليُتْمِ وَشَّاني
أقمتُ بالغارِ ما حَدَّثتُ عن مَلَكٍ ** ولا زعمتُ بأن الوحيَ يَغشَاني
ولا استعنتُ على ضِيقي بأرمَلةٍ ** ولا الحُمَيْرَاءَ قد قَلَّدتُ نيشاني
ولا خرجتُ على قومي أُذّبِّحُهم ** ذبحَ الشياهِ وحَدُّ السيفِ أعشاني
سِرٌّ مَصونٌ أنا لا الليلُ يعرفُني ** ولا النهارُ فَمَن يا صَاحِ أفشاني؟
لستُ النبيَّ وحاشا أن ألوذَ بها ** تلك النبوَّةُ أخشاها ... وتَخشاني
ونص آخر كتب فيه صاحبه
أكتبُ كي أتحرَّرَ من عُقَدي
كي أترُكَ فوقَ شِفاهِ النهرِ سُؤالاً إشكاليًّا
لنبيٍّ يأتي من بعدي
يجلسُ فى مقهى البحرِ
ويُوَقِّعُ بِاسْمي
فوقَ شِفاهِ حبيبتِهِ الريفية
فهل هذه الأشعار هي نتاج الالتزام بقاعدة الفنّ للفنّ أم أنها تقليد لمن سبقوهم من الأدباء الغربيين والشرقيين من صوفيين وملحدين ومتأسلمين ممن نالوا شهرة عالمية ومحلية بسبب إنكارهم وتشكيكهم في ثوابت الدين والنيل من رموزه حتى يلوذوا ببعض المجد العفن [ فقد ذهب هؤلاء واللعنات تترى عليهم صباح مساء ] أم أنها جهل بأمور العقيدة وبسيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم أم هي اعتقاد وتمذهب بمذهب الفرق الباطنية الباطلة التي تدعي الإسلام زورا وبهتانا وهي في الحقيقة شر من اليهود والنصارى ، الإجابة يعلمها الله ويعلمها أصحاب هذا الكلام فالأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى ، فتلك الأشعار مذمومة ومرفوضة ومصادمة للدين وللمجتمع المسلم كما بين البلغاء [ فقد وضع الشيخ عبد القاهر في "دلائل الإعجاز" ثلاثة أوجه لذم الشعر وهي :
الأول: أن يُذَم الشعر من حيث المضمون. أي: من حيث ما يتضمنه من فُحش ونُبوءٍ عما تقتضيه الأخلاق.
الثاني: أن يُذَم من حيث الوزن والقافية. وهذه ناحية صناعية.
الثالث: أن يُذَم لاعتبارات تتصل بالشاعر.{2}
[ فالإسلام يرفض منهج الفن للفن من جميع الوجوه. وقيد الجمال في القول – كما في الفعل – بالأخلاق. وهو يحتضن الشعر فنا جميلا للقول، ولكنه يشترط عليه الصدق في المضمون، وفق المثل الجديدة في الإسلام. وقد خصه الله بآيات، منها في سورة الشعراء بالقرآن الكريم قوله: «والشعراء يتبعهم الغاوون، ألم تر أنهم في كل واد يهيمون، وأنهم يقولون ما لا يفعلون، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا، وانتصروا من بعد ما ظلموا }
فالحكم في الإسلام للشعر أو عليه إنما يهدف للمضمون، وليس ينكر الشكل أبدا. وحجة هذا، قبول الرسول – صلى الله عليه وسلم – الشعر ممن يقوله إسلاميا، حتى وإن كان قبل ذلك فها هو ابن أبي أسيد الشاعر، يوم وفد عليه عند فتح مكة مسلما ومنشدا:
وما حملت من ناقة فوق رحالها
أبر وأوفى ذمة من محمد
بعد أن كان هجّاء للحضرة نفسها. ولكن الرسول عليه السلام قبل شعره الجديد كما كان يتقبله – معجبا به – من بعض الشعراء الجاهليين
والإسلام والرسول لم يمزج قط في التشريع بين المضمون والشكل فيما يصدره من أحكام على الشعر فإنه عليه السلام حينما قال عن أمية بن أبي الصلت: آمن شعره وكفر قلبه، كان دقيقا أيضا في تمييز المنبوذ من المقبول. وقد كان شعر أمية في هذا الحكم النبوي مقبولا شكلا ومضمونا.
ولكن الشكل المرفوض في هذا الحكم هو الشخص الشاعر نفسه، هو القلب من أمية الشاعر، ذلك الذي لم يومن، وكفر، أما الشعر المؤمن فمقبول حتى وإن كان من كافر.{ 3 }
فالإسلام لم يهتم بالمضمون فقط ولكنه اهتم بالشكل فهما كروح وجسد فالشكل هو الجسد والمضمون هو الروح فلو اختل أحدهما لاختل الشعر وأصبح كإنسان مريض هو موجود ولكنه غير مفيد بل هو عبء على أمته يتمنون وفاته سريعا
[والقرآن الكريم والرسول محمدا عليه السلام قد وجها الشعر إلى ما فيه مصلحة الجماعة الإسلامية فبذلك يكمل طابعه الجمالي في الإسلام.
وبذلك يكون الإسلام أول من دعا إلى نبذ منهج الفن من أجل الفن، وحتّم سلوك منهج الالتزام في صياغة الفنون الجميلة.{ 4}
**********
{1} من مقال [ موقف النبي صلى الله عليه وسلم من الشعر والشعراء ] للدكتور عبد الحميد هميسة / منتدى رابطة أدباء الشام
{2} من مقال [ موقف الرسول من الشعر ] أبو زياد الأزهري / منتدى رواء الأدب
{ 3 /4 } من مقال [ موقف القرآن والرسول من الشعر ] مجلة دعوة الحق العددان 133 / 134 بتصرف يسير جدا