ماجدة قناوي في قصصها القصيرة ..الهدف من الادب
تقول ماجدة قناوي في ومضة قصصية بعنوان " شعرة فارقة " :
في كل صباح كان يلهو بين أصدقائه في فناء المدرسة يداعب الرمل بقدميه و يشاغب الهواء بنظراته الثاقبة في عنان السماء يضحك و يلهو بالحياة فجأة بكى بكاء شديدا حين نظر في مرآة مشاعره و وجد شعرة بيضاء على جبين الأمنية .. هي شعرة فارقة بين براءة الحياة و موت البراءة في ساحات القتال .
و تقول في ومضة أخرى بعنوان " مسبحة " :
تمسك بمسبحة بين يديها و تتمتم بذكر الله منتظرة اقتراب محطة النهاية لقطار العمر و عند وصول القطار لأبعد نقطة في مجرة قلبها ختمت تسبيحها بالشهادة .
في القصة الأولى :
نحن بإزاء حالة الطفل الذي كان يلهو كأترابه في فناء مدرسته و الألفاظ في بداية القصة مشرقة و تناسب حالة الطفولة ( صباح – يلهو – يداعب – يشاغب – يضحك – الحياة ) كما ان الجمل قصيرة و سريعة بما يناسب حالة الطفل كذلك ..
و فجأة ..
يحدث التحول / الدهشة .. بحيث يرى الطفل شعرة بيضاء على جبين الأمنية فكان حلمه قد شاخ قبل أن يتحقق و براءته ضاعت في ساحات القتال ... وضعتنا الاديبة أمام حالة من التحول بين البراءة و الموت في لحظة واحدة و بسرعة خاطفة ( عبرت عنها بكلمة ..فجأة ) و هذا فيه من التشويق و من الجودة الفنية ما فيه و ما لا ينكره أحد ..
و انظروا إلى المضاف و المضاف إليه في قولها :
براءة الحياة / موت البراءة ...
هذا لب الموضوع و جوهر القصة الذي أجادت الأديبة بتصويره لنا من خلال عرضها المثير للحظة التحول المباغتة من اللعب الطفولي إلى البكاء و الشعرة البيضاء على جبين الأمنية ...
نعم الجمل تقريرية خبرية و لكنها "شعرية التقرير" كما يقول عبد العزيز موافي في أحد كتبه النقدية .
و قد تحققت عناصر القصة القصيرة بشكل مميز حيث القصة القصيرة و القصيرة جدا – و هذا موضع اتفاق بين أهل هذا الفن - يميزها مبدأ الوحدة و التكثيف و أن تصور جزئية محددة من حياة شخصية ما او موقفا واحدا كما ان الحوار يجب أن يكون قليلا أو لا تشتمل القصة على حوار مطلقا ( و قد رأينا الحوار الداخلي في حركة شفتي المرأة و هي تتمتم بالتسبيح و تنطق بالشهادتين كما رأيناها في مشاغبة الطفل و نظراته التي تكلم السماء ) و أهم عنصر في بناء القصة و الرواية هو الصراع و الصراع قد يكون صراعا داخليا " في أعماق الإنسان " أو صراعا خارجيا ( الصراع بين البراءة و القتال / الحياة و الموت ) ثم أخيرا يجب ان تكون اللغة فيها من التشويق و الدهشة و الصدق ( شاعرية اللغة ) ما يجعلنا نستمتع بالقصة و نصل إلى مغزاها فالهدف من الفنون جميعا هو الاستمتاع و تحقيق الفائدة " حالة التطهير و التغيير في ذات الفرد و المجتمع " .
فهل تحققت هذه العناصر في قصص ماجدة قناوي ؟
أقول : نعم تحققت و هذا يعطي قصصها طابعا فنيا متميزا فهي قصص متقنة بدرجة كبيرة و لغتها قريبة من لغة الشعر و هذا جميل جدا و إن كانت وقعت منها أخطاء فإنها أخطاء بسيطة يمكن تداركها فمثلا في قصة " مسبحة " أرى ان الأديبة لو حذفت هذا المقطع ( محطة النهاية لقطار العمر ) لكان أكثر إدهاشا و قوة فنية و انفتاحا دلاليا في ذهن المتلقي .
و قد دار بيني و بين الأديبة المغربية مريم بن بخثة ( صاحبة المجموعة القصصية " بأمر مولانا السلطان " ) و بين الشاعر محمد عثمان حوار عن بعض نصوص ماجدة قناوي و كان هذا جزء من الحوار :
مريم بن بخثة
نصان جميلان
بس يلزم بعض الحذف
في النص الثاني
كلمة القطار
و الفعل ختمت تحوله إلى تختم
محمد عثمان
لفت نظرى لكلمة القطار ورغم إنى مش قاص زيك ولا ناقد زى عاطف لكن حسيت إن بالفعل حذف كلمة القطار تعطى للنص جمال آخر عشان تحول نظر القارىء عن الأشياء المادية وتجعله يعيش فى الخيال وتعطيه الحرية فى إختيار الطريقة التى تسرى عليها الكلمات .
كما أن تحويل الفعل إلى مضارع سيفيد استمرارية الحالة
هذا والله أعلم.
----
و أحب ان أختم حديثي القصير عن نصوص ماجدة قناوي القصصية بقولي : تحققت عناصر الجودة الفنية و امتزاج الأسلوب الشعري بالأسلوب القصصي كما يتضح الهدف الاخلاقي في كثير من قصصها مثل " عرش الزيف " و غيرها من القصص القصيرة جدا " الومضات " و بهذا يتضح أن الفن من أجل الفن لا يكفي بمفرده لإنتاج نصوص جيدة و لكن قد يمتزج الفن الخالص بالهدف الأخلاقي و بذلك يكون للفن دوره المرجو في قيادة قاطرة المجتمعات نحو الرقي و الإنسانية الحقة ... و أعتقد أن أديبتنا تدرك هذا الشئ و تقوم به واعية و مبدعة جيدة ... و إلى مزيد من التألق و الإبداع بإذن الله .