عودة طائر الفينيق
ماأن بدأ الربيع العربي تتفتح أزهاره وينشر شذاه فوق ربوع الوطن حاملا لشعوبه عبق ونسائم الحرية, حتى سقطت قناعات كانت راسخة وتبددت أوهام ظلت محفورة في ذاكرة المواطن المسحوق, المسلوبة كرامته طوال عقود مضت بأن هذه الأنظمة القمعية يمكنها أن تتهاوى وتسقط كأوراق الخريف الذابلة في مهب رياح الثورة والتغيير, تعبث وتطيح بها في مشهد غير مألوف. منذ أطلت الأزمة برأسها , تساقطت عروش ماكنا نجرؤ , على مجرد الحلم بأنها سوف تهتز, فما بالك أن تسقط وتصبح قاعا صفصفا كأنها لم تكن.
لقد مورس بحق هذه الشعوب أقسى وابشع أنواع القهر والاذلال من سياسة غسل الأدمغة الى امتهان للكرامات وتغييب للعقول وسياسة اعادة تأهيل للمندسين. لقد أنسونا أدميتنا وأقنعونا بأن حب الحاكم من حب الوطن, ان لم يكن أسمى, لنظل عبيدا أوفياء لهؤلاء الطغاة نتجرع الهوان على مضض دون أدنى شكاية. وبجذل بهيمي كانت الشعوب تخرج مثل قطعان الماشية في كل مناسبة لتقدم فروض الولاء والطاعة للزعيم الحاكم بأمر الله, صاحب العصمة والفخامة. كانوا ومازالوا يسوقون الناس الى الساحات والميادين وقد أثقل كاهلهم حمل الأعلام وصور الزعيم ليشبعوا غرورهم وعقد النقص المتأصلة في نفوسهم, متأنقين ببزاتهم العسكرية المثقلة بالاوسمة والنياشين.وماأن يبدأ الزعيم يخطب ويهذي بكلمات غير مفهومة حتى ينهال التهليل والتصفيق.أدخلونا في مرحلة تغييب ومسخ حتى ظننا ان زمن الثورات قد ولى الى غير رجعة, هو ترف فما حاجتنا الى التغيير.صبرت هذه الشعوب واجترت أحزانها ووضعت الملح فوق الجراح واستسلمت لهذا الطاغية كأنه قدرها بسبات عجيب ولم نكن ندري أن الأمة تمر بمخاض عسير وأن طائر الفينيق سينبعث من الرماد لامحالة من جديد. فهاهو طاغية تونس يفتتح مسلسل السقوط المريع بهروبه المخزي الذي فاجأ الجميع بعد أن كان يملك البلاد والعباد.
لم يكد يمضي وقت طويل حتى بدأت الثورة تنتشر مثل النار في الهشيم, واذ بفرعون مصر, صاحب أعتى نظام قمعي يلحق ببن علي ,على مرأى ومسمع الشعوب التي انتفضت من جديد, والعالم الذي بات مذهولا وغير مصدق لما يحدث.لقد حطمت هذه الشعوب جدار الخوف ولم تعد تعبأ بالقمع والقتل اليومي. فجأة أدركت مكمن وسر قوتها وانها أقوى من كل أجهزتهم القمعية. لقد أخرجوا المارد من القمقم.
وهاهو صاحب الكتاب الأخضر والفاتح يهرع ويختبأ مثل جرذ خائف بعد أن روع العباد بمشهد لايقل غرابة عن سابقيه. تسارعت الأحداث حتى بلغت ذروتها ولم نكد نلتقط أنفاسنا من اللهاث, غير مصدقين, واذ بنار الثورة تمتد الى اليمن وسوريا في مشهد سريالي لايمكن وصفه. طار صواب الحكام فأوعزوا لماكنتهم الاعلامية وكتائب حاشيتهم والمطبلين, لتفنيد هذه الأكاذيب والمؤامرة الدولية ليثبتوا أن هذه مجرد اباطيل ولاتعدو كونها زوبعة في فنجان.سفكوا الدماء وقتلوا الأطفال تحت مسميات المقاومة ودحر المؤامرة.حتى أنامل الرسامين لم تنج من بطشهم وبسادية اقتلعوا حناجر الأحرار ,وسلخوا جلود الرجال. ولم يدر بخلدهم أن طائر الفينيق قد انبعث من جديد.
عودة طائر الفينيق - محمد الفاضل