حذاء الزمن

حذاء الزمن


قال لي أبي الذّي رحل قبل أن ابتسم للحياة بشكلٍ خَجول : لقد وضعت مساميرَ حذائك في مياه سفّان ليُسهِّل على صانع الأحذية التوائها في زيارتي التالية ، وهكذا المرة تلو الأخرى كان يلهيني عن طلبي المُلحّ، في الحصول على حذاءٍ جديد .
أصبح موضوع حذائي شبيهاً بموضوع حذاء أبي القاسم الطنبوري، ولكن بينما كنت أصرُّ الحصول عليه أينما حليت ، فأبي القاسم الطنبوري كان يتهرب من حذائه ، بل يرميه في بيوت الجيران والشوارع، حتى حفر له قبراً ليتخلص منه ..
في إحدى زياراته المكوكية ،وكان بصحبته أخي الذي كان يكبرني ربيعان،أو ثلاثة ، وأنا وبعيد عن مقامكم حمارنا المدلّل الذي يرافق أبي في حلّه وترحاله ، يحمل أحمالاً متنوعة من التبن أو الشعير أو الذرة ... ليقايض بها المونة والغذاء والثياب .. وأحياناً يجلب إحدى النسوة، وقد تزوجها على سنة الله ورسوله . ولدن اقترابنا من رابية نهر سفّان التي تقع خلف قرية (شكر خاج) طلبت من أبي وأنا وأخي راكبان على ظهر البهيم ، والرسن في يد أبي يسحبه مع سحبات لفائف الدخان من نوع القاجاغ دون أن يبالي بطول الطريق أو وعورته ، فهو متعود على هذا الطريق، حتى أصبح يحفظه عن ظهر عين ، أنني أحتاج إلى قضاء حاجتي الصغيرة يا أبي وقبل أن ينزلني لم أمسك مثانتي فبللت بذلك السائل الأصفر على سرواله، الشيء الذي قهقه أخي كثيراً. ولا أدري ما تفوه أبي لحظتئذٍ من ألفاظ سوقية .
قطعنا النهر الذي يكون من المفروض مسامير حذائي في قاعه تترطب حيث أشار لي أبي أن انتعالك للحذاء الجديد مرهون بهذا النهر الذي يشق طريقه بلا ملل، قد بات قاب قوسين أو أدنى ، وفي الطرف الأخر من النهر ، سبقنا في الطريق جرّار زراعي يحمل أغصان الأشجار بأوراقها الغضة الطرية ، لفعتنا برائحة الخضر والغبار، توقفنا مدة قصيرة لنتابع سيرنا إلى (ديرك) المدينة التي كنت أحببت زيارتها كل يوم لولا بعد المدينة عن القرية (ملامرس) الوادعة خلف جبل كراتشوغ في الجهة الشمالية الشرقية ..
وفي طريق عودتنا من ديرك وبعد قضاء حوائجنا ، الشمس قد شارفت على الزوال وصار ت تسبح كبطة مزركشة في الغسق ونسمات عليلة تضرب أوصالنا نحن الأربعة، نقترب من مياه السّفان وأنا أكثرهم شوقاً لرؤية النهر ،حتى أصبحت أعشق ذلك النهر الذي سيكون سبباً لحصولي على الحذاء الجديد ..
ولأنني كنت صغيراً و لا أدري كم من الأزرار في باقة عمري ، فلم أكن داخل المدرسة بعد .فقد دغدغتني أحلام جميلة سيما و أننا اقتربنا من قريتنا، كنت مشتاقاً جداً لشقيقتاي الصغيرتان وكثيراً جداً لأمي التي لا تملك من الحياة ألوانها القزحية ، سأتحدث لهم عن زيارتي فور وصولنا . عن النهر الذي يحتضن مسامير حذائي المستقبل وعن ديرك المدينة التي تحتوي على كل شيء جميل، عن شوارعها النظيفة والواسعة على امتداد الصدى ، وأطفالها وهم يلعبون ألعاب غير التي نلعبها في القرية وحتى مأكولاتها فهي توقظ عصافير المعدة مهما كانت متخمة، ونسائها سافرات الرأس، والأطراف توقظ لديك ديوك اللذة والشهوة ، وتصيح في عيونك كل لحظة ،حقاً لهن ناطحات في الجمال، عكس نساء القرية الملفوفات بقطع من الأقمشة تتراءى لك وكأنهن يستعدن لإحدى حروب الردة. وهكذا فقد يتلعثم اللسان عن وصف المدينة ، والتي تنام بدورها على أكتاف الحياة بصعوبة بالغة دون أدراك مني ، أنا الصغير التائه على أرصفة الضياع ، وهكذا سبّحت بحذائي الجديد أزقة القرية وسواقيها ، وفي الليل حتماً سأضعه خلف رأسي لاحتفظ به جديداً أتباهى أمام أترابي بجودته ، حيث لا يضاهيه في القرية كلها مثيل، وأنا على ظهر الحمار دون أن أدري بأن هذه زيارته الأخيرة معي أي أبي .
وفي الصباح وبينما استيقظنا باكراً جداً على غير عادة . فقد امتلىء بيتنا بحشد من الناس ، ورأيت الدموع تدلف في كل زاوية في قيظ ظهيرة صيف . امتطى صهرنا صهوة جوادٍ ليجلب ملاءةً بيضاء من ديرك ، وقد تحسرت على زيارته المفاجئة : لماذا لم يأخذني معه لأطمئن على مسامير حذائي ،واستمتع بجو المدينة، سيما وأن السفر بالجواد أسرع وأمتع . وهكذا انتظرناه حتى سرّحت الشمس كبد السماء . و فور عودته، سُجّي والدي وأودعوه المقبرة . قالوا لي : أن أباك قد رحل إلى أبعد من نهر السفّان ولا يعود من هذه الزيارة ،وهكذا نسي مسامير حذائي في النهر، ولم يتحقق حلمي . ولم ألبس ذلك الحذاء ، و لازلت أبحث عن مساميره حتى الآن ...
******
إسماعيل رسول\سورية

قرأتها بسرعة ...لأني عدت للبيت منذ دقائق و سأقرؤها بعناية غدا صباحا بإذن الله

تحياتي لك يا أستاذ اسماعيل

قصة جميلة حقا أخي اسماعيل....فكرة رائعة عن الحلم الطفولي بعالم أفضل ....لكن هل تراه يأتي ذات يوم ؟!

ربما....................... !!



ما عدا بعض الأخطاء اللغوية ( و لا شك أنك قادر علي معالجتها ) فالقصة جميلة جميلة ....يا صاحبي الفيلسوف الجميل

تحية من القلب لك و لكل أهل سوريا الحبيبة أعانها الله علي ما بها من أسي

اسمح لي بنقل القصة إلي مكانها بمنتدي القصة بدلا من منتدي المقالات

تحيتي

الأستاذ المبدع إسماعيل رسول مرحبا بك و بإبداعك الراقي في منتداك و قسم القصة ما رأيته بين السطور يقول أن بيننا فنان عن حق .
بالنسبة للنص فالفكرة و طريقة المعالجة جميلة للغاية كما أن الأسلوب الذي إتبعته في المناقشة - و إن بات صعبا على القارىء العادي - لكن هي تلك اللغة العربية التي نتمنى أن تعود بكل مفرداتها في كل الإبداعات كما ان النهاية رائعة و إن كانت عادية بعض الشىء ما يؤخذ على النص هو إضاعة النهاية قبل بدايتها و هو ما يضيع شوق القارىء و للدلال على ذلك " قال لي أبي الذّي رحل قبل أن ابتسم للحياة بشكلٍ خَجول " و " قالوا لي : أن أباك قد رحل إلى أبعد من نهر السفّان ولا يعود من هذه الزيارة "
أيضا إستخدام أسماء المدن التي إستخدمتها ف النص مما يضفي عليها خصوصية عليه فيجعله ملكا للكاتب و المعروف ان الإبداع ملكا عاما ،و أخيرا النص يحتاج إلى تكثيف شديد حتى لا يتيه القارىء بين سطورك .
إنما أحيك على هذا العمل الرائع و يثبت بواستطي .

قصة مبدعة حقا
أشكرك أخى المبدع

تحياتى أيها الرائع
قصة جميلة أحييك
و كل عام و أنت و سوريا بخير
خالص ودي