تعلمت من جبران
جبران خليل جبران هو الشاعر والكاتب والأديب اللبنانى الكبير , الذى قد لايغفل عنه الكثيرون , اشتهر برؤيته الفلسفية وعقائده الخاصة , أقام جبران علاقة وطيدة بينه وبين قرائه واصطحب بفكره الكثيرين ممن آثروا قلمه , وطاف بخيالهم إلى اللامحدودية , فخرج بهم إلى عالم الروح منتزعا كل قوائم المادة بطغيانها ورواجها السلبى , فما الجسد بالنسبة إليه إلا كساء لما هو أعمق وأدق من ذلك . والقارىء المحب لفكر جبران يستطيع اجتياز البوابة الخلفية لعالمه بما تحويه أعماله من أفكار وجمل رمزية ذات مدلول بعيد . فلقد داعب الوجود بخياله وخرجت عبارته الساحرة منفثة عن علاقة كونية حالمة ما بين جبران والعالم الروحى , فلم يقف عند حد الكلمة وحطم جدرانها . وبرزت شخصيته فى العديد من أعماله , ومن أهمها والتى اشتهر بها فى العالم الغربى (النبى) . وقدم جبران العديد من الأشعار والتى تغنى بها الكثيرون أبرزهم الصوت الملائكى (فيروز) فى قصيدة (أعطنى الناى وغنى) . ولم يستطع التخلى عن نزعته الفلسفية حتى فى أبسط أعماله (الأجنحة المتكسرة) وهى رواية رومانسية , أو كما يزعم البعض أنها أول قصة حب لجبران . وفيها يجسد جبران شخصية البطل الذى يربط بينه وبين فتاة أخرى علاقة حب تنتهى بوفاة البطلة ومأساة البطل بفراقه لها , وبرغم رومانسية الرواية إلا أنها حملت فى طياتها جملا توارت بين السطور أهمها كلآتى :
"أنا من القائلين أن الإرتقاء الروحى سنة فى البشر والتقرب من الكمال شريعة بطيئة لكنها فعالة"
أو فى :
"النفس إذا تطهرت بالنار واغتسلت بالدموع تترفع عما يدعوه الناس عيبا وعارا وتتحرر من عبودية الشرائع والنواميس التى سنتها التقاليد لعواطف القلب البشرى وتقف برأس مرفوع أمام عروس الآلهة"
فهو يكره ما يسميه البعض بالتقاليد تحت مسمى الشرائع والنواميس , يميل إلى التحرر والخروج من عنق الزجاجة , يحث إلى الكمال بإعتباره شريعة ويهاجم العالم بقوله فعالة . وفى قطعة ذهبية يقول :
"إن أوقفنا الخوف فى منتصف الطريق أسمعتنا أشباح الليل صراخ الإستهزاء والسخرية , وإن بلغنا قمة الجبل بشجاعة فترنم معنا أرواح الفضاء بأنشودة النصر والإستظهار"
ويدعو فيها إلى الثبات والقوة ومواجهة الخوف الذى قد يكون عدو الإنسان الأول , ودعوة أخرى لعدم الإنقياد أو التتبع ويصور النتيجة الحتمية لكل قرارتتخذه النفس , وهنا كان التصوير البلاغى أعمق ما يكون من خلال التضاد الذى قدمه والذى أضفى على المعنى جمالا وخاصة ما بين :
أشباح الليل أرواح الفضاء , صراخ أنشودة , الإستهزاء والسخرية النصر والإستظهار . وفى عبارة أخرى يقول :
"هل وهبنا الله نسمة الحياة لنضعها تحت أقدام الموت؟ وأعطانا الحرية لنجعلها ظلا للإستعباد؟ "
وجاءت هذه العبارة مباشرة فهو لا يؤمن بالعجز الإنسانى , أو ما يسميه البعض القهر على الذات وأن الحرية سمة من سمات النفس البشرية والتى منحها الله للإنسان لا لدفنها أو التخلى عنها مقابل مسميات لا تمجد إلاذويها فقط .
واختزل جبران كل ما أراد توضيحه فى جملة :
"إن من يخمد نار نفسه بيده يكون كافرا بالسماء التى أوقدتها "
ولقدم دعم فكر جبران كتبا أخرى ككتاب (المجنون) والذى غلب عليه الغموض , وبالرغم من خروجه عن المألوف إلا أن هذا لا ينفى موهبته الفطرية وقلمه الساحر إذ كان صاحب فكر خاص ورؤى مختلفة .
تعلمت من جبران :"الفراشة التى تظل مرقرقة حول السراج حتى تحترق هى أسمى من الخلق الذى يعيش براحة وسلامة فى نفقة المظلم"
هكذا أبدع جبران .