على محطة قطار درويش

عجشْب، هواء يابس، شوك، وصبار
علي سلك الحديد. هناك شكل الشيء
في عبثية اللاشكل يمضغ ظِلٌّهج...
عدم هناك موثق.. ومطوٌّق بنقيضه
ويمامتان تحلقان
علي سقيفة غرفة مهجورة عند المحطةِ
والمحطةج مثل وشم ذاب في جسد المكان
هناك أيضا سروتان نحيلتان كإبرتين طويلتين
تطرٌزان سحابة صفراء ليمونيٌة
وهناك سائحة تصوٌر مشهدين:
الأوٌلّ، الشمسّ التي افترشتْ سرير البحرِ
والثاني، خجلوٌّ المقعدِ الخشبيٌِ من كيس المسافرِ

(يضجر الذهب السماويٌج المنافقج من صلابتهِ)

وقفتج علي المحطة.. لا لأنتظر القطارّ
ولا عواطفيّ الخبيئةّ في جماليات شيء ما بعيدي،
بل لأعرف كيف ججنٌّ البحرج وانكسر المكانج
كحجرة خزفية، ومتي ولدتج وأين عشتج،
وكيف هاجرتِ الطيورج الي الجنوب أو الشمال.
ألا تزال بقيتي تكفي لينتصر الخياليٌج الخفيفج
علي فساد الواقعيٌِ؟ ألا تزال غزالتي حجبلّي؟

(كبرنا. كم كبرنا، والطريق الي السماء طويلة)

كان القطار يسير كالأفعي الوديعة من
بلاد الشام حتي مصر. كان صفيرجهج
يخفي ثجغاءّ الماعزِ المبحوحّ عن نهم الذئاب.
كأنه وقت خرافي لتدريب الذئاب علي صداقتنا.
وكان دخانه يعلو علي نار القري المتفتٌحات
الطالعات من الطبيعة كالشجيراتِ.

(الحياةج بداهة. وبيوتنا كقلوبنا مفتوحةج الأبواب)

كنا طيبين وسجذٌّجا. قلنا: البلادج بلادجنا
قلبج الخريطة لن تصاب بأيٌّ داءي خارجيٌي.
والسماء كريمة معنا، ولا نتكلم الفصحي معا
إلا لماما: في مواعيد الصلاة، وفي ليالي القّدْر.
حاضجرنا يسامرنا: معا نحيا، وماضينا يجسلٌينا:
إذا احتجتم إليٌ رجعتج . كنا طيبين وحالمين
فلم نر الغدّ يسرق الماضي.. طريدّتّهج، ويرحلج

(كان حاضرنا يجرّبٌِي القمح واليقطين قبل هنيهة،
ويجرقٌِصج الوادي)
وقفتج علي المحطة في الغروب: ألا تزال
هنالك امرأتان في امرأة تجلّمٌِعج فّخْذّهّا بالبرق؟
أسطوريتان عدوٌتان صديقتان، وتوأمان
علي سطوح الريح. واحدة تغازلني. وثانية
تقاتلني؟ وهل كّسّرّ الدمج المسفوكج سيفا

واحدا لأقول: إنٌ إلهتي الأولي معي؟

(صدٌّقْتج أغنيتي القديمةّ كي أكذٌبّ واقعي)
كان القطار سفينة برية ترسو.. وتحملنا
الي مدن الخيال الواقعية كلما احتجنا الي
اللعب البريء مع المصائر. للنوافذ في القطار
مكانةج السحريٌِ في العاديٌِ: يركض كل شيء.
تركض الأشجار والأفكار والأمواج والأبراج
تركض خلفنا. وروائح الليمون تركض. والهواء
وسائر الأشياء تركض، والحنين الي بعيد

غامضي، والقلب يركضج.

(كلٌج شيءي كان مختلفا ومؤتلفا)
وقفتج علي المحطة. كنت مهجورا كغرفة حارس
الأوقات في تلك المحطة. كنتج منهوبا يطل
علي خزائنه ويسأل نفسه: هل كان ذاك
العقلج / ذاك الكنزج لي؟ هل كان هذا
اللازورديٌج المبلٌّلج بالرطوبة والندي الليليٌِ لي؟
هل كنتج في يوم من الأيام تلميذّ الفراشة
في الهشاشة والجسارة تارة، وزميلها في
الاستعارة تارة؟ هل كنت في يوم من الأيام

لي؟ هل تمرض الذكري معي وتجصابج بالحمي؟

(أري أثري علي حجر، فأحسب انه قّمّري
وأنشدج واقفا)
طللية أخري وأججهلك ذكرياتي في الوقوف
علي المحطة. لا أحب الآن هذا العشب،
هذا اليابس المنسيٌ، هذا اليائس العبثيٌّ،
يكتب سيرة النسيان في هذا المكان الزئبقيٌِ.
ولا أحب الأقحوان علي قبور الأنبياء.
ولا أحب خلاص ذاتي بالمجاز، ولو أرادتني
الكمنجةج أن أكون صدي لذاتي. لا أحب سوي

الرجوع الي حياتي، كي تكون نهايتي سردية لبدايتي.

(كدويٌ أجراسي، هنا انكسر الزمان)
وقفتج في الستين من جرحي. وقفتج علي
المحطة، لا لأنتظر القطار ولا هتاف العائدين
من الجنوب الي السنابل، بل لأحفظ ساحل
الزيتون والليمون في تاريخ خارطتي. أهذا...
كل هذا للغياب وما تبقي من فجتات الغيب لي؟
هل مرٌّ بي شبحي ولوٌح من بعيد واختفي
وسألتجهج: هل كلما ابتسم الغريبج لنا وّحّيٌّانا