رسالة من شهيد

في اليوم السابع من بداية المعركة يأتي الأمر للمجموعة التي أنتمي اليها وهي مجموعة الاستطلاع ،،،الاستطلاع خلف خطوط العدو ،،، الأوامر تفيد أن العدو يبعد مسافة لا تقل عن عشرين كيلومترا ... نبدأ التحرك صبحية اليوم الخامس من بداية المعركة صوب عمق سيناء لنأخذ موقعنا الذي يؤهلنا من كشف إحداثيات العدو وإعطائها باللاسلكي إلي المدافع والدبابات في الخلف ،،، تأتي إلينا الأوامر أن العدو يبعد عشرون كيلومترات ذلك مما كشف عنه استطلاعات الفرقة ... كنا عيون المدافع التي لن تعمل بدوننا ... كان لنا أن نقطع هذه المسافة سريعا لنبدأ يوماً قتالياً آخر ...
وما هي إلا ما يقرب من عشرة كيلو مترات لنجد ما لم يكن بالحسبان .... نجد مجموعة من دبابات العدو تحيط بمجموعتنا من كل جانب ... اثبت محلك يا مصري اثبت محلك يا مصري ،،، كنا بصحبة قائد الكتيبة ،،، مقدم إبراهيم أديب ،، ذلك الوطنى المخلص ،، مسيحى الديانة ،، نقول له أعطنا الأمر بالانسحاب ،، يرفض تماماً ،، ياليته قََبِلَ هذا الرجاء ،،، يقول لن نتراجع شبراً واحداً ،،، ما كان علينا إلا إطاعة الأوامر إذن ،،، ينهض الجندى أنور - سائق،- يقف مواجهاً العدو رافعاً يديه إلى أعلى ،،، يقول له الإسرائيلي أعطنى ظهرك ،،، يمطره بوابل من نيران دبابته ،،، يرديه أرضاً ،،، رحمة الله عليه ذلك الجندى ،،، أدعو له من قلبى أن يغفر له الله ،،، كنت أعرف مسبقاٌ أن له حكاية أخرى تدمي القلوب ،،، تم استدعاؤه قبيل الحرب مباشرة ،،، حكى قال : أحببت بنت الجيران ،،، والدها جزار ،،، له شأن كبيرفي المنطقة التى يسكنها ،،، دخلت عليها وأصبحت زوجتي أمام الله فقط دون الناس،،، أصبحت زوجتي وأم لأولادى لو شاء القدر وعدت مرة أخرى ،،، سأتحدى الجميع ،،، حقاً كانت هذه هى كلماته قبيل اندلاع المعارك مباشرة ،،، وكأنه كان يشعر بدنو أجله ،،، كان يحبها حباً جماً ،،، ولهذا السبب كان يمنى نفسه لو عاد إلى أهله وذويه ،،، كانت نيته صادقة عندما حكى ذلك وكأنه يشعر من داخله أنه سوف يكون الشهيد الأول في هذه المجموعة ،،، مجموعة الاستطلاع خلف خطوط العدو،،، هكذا كانت تدور رحايا الحرب وتخلف من ورائها المآسى ،،، لكل فرد حكاية تختلف عن الأخرى ،،، إنها الحرب التي يمتد آثارها إلى حين من الزمن في حياة الأمة ،،، يقف القائد رافعاً يديه هو الآخر ،،، سمعته يقول في أخر كلماته ،،، سمعته بأذن رأسي وهو يقول للإسرائيلى أنا مقدم ،،، قائد كتيبة مدرعات ،،، مسيحى،،، لعله يقوم بأسرة بدلاً من موته ،،، يرد عليه من لا يعرف الرحمة ،،، اعطنى ظهرك ،،، اعطنى ظهرك ،،، ثم يمطره بوابلاً من نيران فكرز دبابته،،، يا لقذارة الجندى الأسرائيلى ،،، ذلك بدلاً من أخذه أسيراً لرتبته وموقعه ولكن ،،، لم يفعل وأرداه قتيلاً ،،، شهيداً ،،، أنظر إلى ذلك من خلال موقعى الذي اختبأت داخله ،،، أنها إحدى الدبابات الإسرائيلية التي تم تدميرها في الأيام السابقة ،،،
أرى تلك الأحداث الدرامية تدور من حولى ،،، أرى أحمد على مقربة منى ،،، ليسانس آداب ،،، من حى الحسين ،،، أراه وقد اشتعلت النيران من أسفله وقد وصلت إلى منتصف جسده الطاهر،،، منظر مأساوي يفوق الخيال ،،، النيران تزحف بسرعة نحو صدره ،،، يا للهول ،،، أرتمى عليه بعد فوات الأوان بعد أن أهيل الرمال عليه لأطفي ما تبقى من هذه النيران ،،، أقول له انطق بالشهادة ،،، يقول الحمد لله نطقتها ثم يرددها ثانية ،،، يقول آخر كلماته ،،، خذ هذه الدبلةوالرسالة واعطها لزوجتى وأبلغ والدتي أننى مت شهيداً فلا تحزن ،،، ينطق بالشهادة مرة أخري وتصعد روحه الطاهرة إلى بارئها ،،، يا إلهى ،،، إلى هذا الحد يذهب الأصدقاء في ثوان معدودة شهيد تلو الآخر !!!،،، في لحظات أجد البطل تلو الآخر وهم يفارقوننا ،،، هذا هو شرف الجندية ؟ ! نعرف مسبقاً نحن الجنود أن شرف الجندية يمنع العدو من قتل من استسلم ويمكن لك أن تأخذه أسيراً ما دام قد سلم نفسه إليك ،،، لا تقتله ،،، هكذا يقول العلم العسكرى النظيف ولكن ،،، هذا هو الجندى الإسرائيلى الذي لا يعرف سوى الدم ،،، لا يعنيه أسر عدوه في شئ ،،، إنه لا يعرف المبادئ والمثل ،،، فقط يعرف الدم ،،، سحقاً لهم ،،، تباً لهذا الجيش اليهودى الذي لا يعرف أية مواثيق دولية تجسدت أمامي وعلى أرض الواقع ،،، لقد أتو على الجميع عدا ثلاثتنا ،،، كان ثالثنا الضابط سامي ،،،لا يقوى علي الحركة ،،، كان مسيحياً أصيب إصابة كبيرة ولم يستشهد بعد ،،، قمنا بتضميد جراحة جيداً ،،، أبينا ألا نتركه لمصيره ،،، قمنا بسحبه معنا سيراً علي الأقدام لنحو سبعة كيلومترات ،،، ونحن نتجه صوب قواتنا نرى النيران تسقط فوق رؤسنا من فوات صديقة أي المصرية ،،، نرفع منديلاً أبيضاً للتتعرف علينا هذه القوات الضاربة ،،، تأتى سيارة على الفور لنجدتنا ،،، كان الضابط في الرمق الآخير ولا أدري بعد إن كان شهيداً
كان اليوم التالي أكثر أحداثاً من ذى قبل ،،، لقد قررنا الانتقام من العدو لمقتل زملائنا .. وكان يوماً مشهوداً لنا حيث أجهزنا على تلك الكتيبة المعادية عن آخرها وكان من نتيجة ذلك أسر قائد الكتيبة ولم نقتله ونكون مجردي المشاعر كما فعلوا في اليوم السابق ... وفي نهاية ذلك اليوم ونحن نسير مستقلين السيارة الجيب تأتى شظية ضالة لتصيب زميل لنا يجلس بجوارى مباشرة ،،، تأخذ هذه الشطية اللعينة باطن ساقه اليسرى ،،، نهدئ السيارة فقط لنلقيه بجانب الطريق الموازى للقنال وهو ينزف نزيفاً حاداً ،،، كان صعيدياً ،،، يستشهد قبل أن يصل إلي الوحدة الطبية ،،، هكذا علمنا بعد بضعة أيام ،،، كان متزوجاً وله من الأولاد الثلاثة ،،، كان دمث الخلق ،،، كان ممن تم استدعاؤهم قبيل اندلاع الحرب مباشرة ،،، محمد عبد القادر ،،، رحمة الله عليه ...
في اليوم التالي نجد الأحداث تصل إلى عنان السماء ،،، رأيت دباباتنا وهي تلتحم بدبابات العدو مباشرة ،،، تلتحم التحاما وتكون الغلبة لنا بإذن الله إنها مواجهة صريحة بين الجندى المصرى والجندى الإسرائيلى ،،، شتان ما بيننا ،،، إننا نحارب دفاعاً عن أرضنا ،،، عن عرضنا وكرامتنا وعقيدتنا ،،،وهم يحاربون جرياً وراء شعارات واهية ،،، شعارات صدقوها هم وحفرت بقلوبهم من حيث أن الجندي الإسرائيلى لا يقهر بعد حرب حزيران ،،، كان انتقامنا في هذا اليوم انتقاما لا حد له آخذين بثأر من رحلوا عنا في اليومين السابقين ،،، لقد استطعنا أسر لواء كامل في هذا اليوم ،،، أذكر أن قائد هذا اللواء كان يسمى عساف ياجورى ،،، ما زالت دبابته شاهداً علي ذلك ،،، تم سحبها ووضعها في النصب التذكاري الذي أقمناه علي الطريق الصحراوي بين مصر والاسماعيلة ،،، ك 84 ،،، أذكر أننا حاولنا إبطال هذه الدبابة بجميع الوسائل ،،، لم نستطع ذلك ،،، تركناها حتى انتهى الوقود ليتم سحبهابعد ذلك إلي حيث تقبع الآن شاهداً شامخاً ليراه كل من يشاء ،،، إنه يقبع هناك على طريق مصر الإسماعيلية الصحراوي او كما يسمى بالنصب التذكاري....

أسلوبك في القص جيد يا أستاذ نور الدين

رحم الله كل الشهداء

بورك قلمك و فكرك الراقي الجميل

لك كل التحية

إنما التحية لك أ عاطف لمرورك الكريم وثناؤك الجميل .. دمت رائعا متألقاً أستاذنا الكبير .. أخوك

الأخوة الأعزاء رواد منتدى عاطف الجندي الأدبي .. تحياتي
تم بحمد الله إصدار الكتاب الثاني بعنوان ( مذكرات جندي مصر )بمناسبة ذكرى السادس من أكتوبر العاشر من رمضان ...وسوف يتم نشر مقتطفات منه من خلال منتدى عاطف الجندي الأدبي هذا الذي يحوي بين جنباته صفوة الكتاب والمثقفين .. كل عام والجميع بخير بمناسبة عيد الفطر المبارك

ألف مبروك يا صديقي العزيز

يا رب الكتاب يلقى صدى عن القراء و يتفاعل معه كل الناس بإذن الله

لك محبتي

أشكرك اخي عاطف على هذه الأمنية في مثل هذه الأيام من شهر رمضان المبارك أعاده الله عليكم بالخير والبركات .. وكل عام وأنتم بخير

أشكرك أخي العزيز محمد الفاضل لثناؤك الجميل الذي أثلج صدري .. دمت رائعاً صديقي ........