مرثية في صاحب البهجة

(1)

بعد أن أصبح القطار قطارا، بعد أن فك الشرطي الشرس أغلال المقيدين، لينساب الغناء عذبا وشجيا، بعد أن كادت الظلمة أن تتبدد، تموت يا محمد مستجاب. أية مزحة مبكية ابتكرتها في صباح كئيب؟ صوت "إدريس علي" الآتي من بئر عميق يجيء خافتا: مستجاب مات، الصلاة في جامع صلاح الدين .. مع السلامة.

(2)

إذن مات صاحب البهجة، الساخر الجارح، الكاتب بنصل سكين حاد، نحّات الكلمات المرهف، ومروّض الخرافة الشعبية، مات محمد مستجاب المدرك ــ أكثر من غيره ــ لسر عبقريته وتفرّده، العاصف في وجه الكذبة وأنصاف المبدعين، الكاره للمزيفين المدعين القتلة، المغموس بكليّته في ديروط الشريف، تاركا بعض أطرافه تعابث قاهرة المذلّ .. مات الموسيقي الراقص المتفنن في صك الحكمة، الواخز المدهش الفاجومي الجميل.

في صبيحة كهذه يا عم مستجاب، كنت أدور في وسط المدينة، فالتقينا مصادفة ثلاث مرات، انفجرنا بالضحك، قلت لي: أنت قدري في هذا اليوم. وانزوينا في أحد المقاهي لساعات لم أتكلّم خلالها غير كلمات قليلة، وكنت تحكي يظللنا شجن خفيف. حكيت لي دون أسى عن طفولة بائسة، عن بيت فقير بعيد عن القرية، عن عم ظالم أخرجك من دراستك الابتدائية رغم تفوقك، عن المكتب العربي الذي تجرأ مديره فطلب منك بجلافة أن تستكتب كبار الكتاب، فما أن قال لك: عايزك تشد يوسف إدريس من ياقة قميصه ليكتب لنا، حتى انتصبت واقفا وتركته، فلمّا لحق بك اعتذرت له، اعتذرت له لأنه ليس بوسعك أن تضربه أو أن تسبه، وأن غاية ما تستطيعه أن تتركه وتمضي، وخسرت مئات الدولارات.

حكيت لي عن السد العالي وصفائح المياه الساخنة في شهر أغسطس، عن خطوبتك الأولى، عن رفضك للترقّي في عملك لأنهم اشترطوا حضورك لدورة تدريبية، عن حالة "الكلوبة" التي أكلت الناس وأصابتهم بالسعار، عن الرقباء الأغبياء الذين يفتشون خلف كل جملة نافذة تكتبها، عن بلادنا الطيبة البائسة الرقيقة والقاسية.

نص جميل وثري بكلماته أيها الرائع ..و أظنه يستحق مكانآ أجمل و أروع من واحة النثر ، ليحفظ قيمته الآدبية ..مودتي

» مرثية ( الشمس غابت ) على روح شاعرنا عبد الرسول معلة
» ما زلـتَ حيّا ( مرثية إلى روح الشاعر الكبير محمود درويش )
» صاحب فضل
» إلى صاحب الثلاثيه
» صاحب فشنك !!!!!