داخل عقلى أتفلسف عن: الإيمــــان
لكل متدين اعتقاده الرصين الذى لاتخلخل فى فقراته, فالمسلم له اعتقاده والنصرانى له اعتقاده وكذلك اليهودى ,حتى الوثنى, وهنا نستبدل الاعتقاد بالإيمان إذا كانت فقراته صحيحة الهوى.
والإيمان نوعان: إيمان قلب وإيمان عقل؛ إيمان القلب أو الهوى أو الخشوع: قوى مؤثر, وإيمان العقل: صحيح رصين الثوابت؛ وحيث أن لكل إنسان هواه فإن إيمان القلب قد يكتمل لأى متدين أيا كانت ديانته. أما إيمان العقل فهو فقط نتيجة منطقية للتفكير العقلانى؛ ونجد هنا مناجاة الخليل إبراهيم ربه -الذى لم يكن يعرفه بعد- مثالا على ذلك؛ فعندما خلص أن عبادة الأوثان أمر غير منطقى نتيجة للتفكير المنطقى؛ ذهب يبحث عن الذى خلق الأرض والسماوات والحجر الذى يصنعون منه أصنامهم الصماء, وجد أن الكون حرى بالعبادة من تلك الأوثان؛(فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ (76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ)* وعبر هذا التسلسل المنطقى؛ خلص إلى النتيجة التى تقول إن ربه هو واحد أحد لاشريك له فى الملك خالق الشمس والقمر والأرض والسماوات وما بينهما؛ فتحقق إيمان العقل الذى يستسيغه القلب فيتحقق الخشوع لله: أى أن إيمان القلب يأتى بعد إيمان العقل وليس العكس... وعندما يجتمع إيمان العقل مع إيمان القلب, فإن الإيمان يصل إلى ذروته ويكون فى أنقى صوره وأصدقها....
أما عن إيمان القلب فكما قلنا مسبقا أنه مؤثر... وكما يكذب المنجمون ولو صدقوا ,فقد يُستجاب لتضرع وثنى, ويتعمق إيمانه القلبى بربه, وقد يهئ له هواه معجزات تعمق هذا الإيمان القلبى أكثر, فيُغيب العقل عن مساره المنطقى. أما عن تلك المعجزات-الوهمية- فهى ناتجة عن تغييب العقل وغلبة هوى القلب .....
وفى القرآن الكريم نجد دائما العبارة:" أفلا تعقلون" ,"أفلا تتفكرون" أو "أفلا يبصرون"... وفى سورة الزمر مثلا نجد ثلاث آيات تنتهى ب"أولو الأباب"** ذلك غير ضرب الأمثلة وعرض الأسئلة وكلها أساليب تخاطب العقل.ثم بعد عرض الأساليب المنطقية العقلية يأتى دور القلب, فيخاطب القرآن الكريم الكافرين الذين "فى قلوبهم مرض", ومن بعد ذلك يجمع بين الأسلوبين فى آية واحدة: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا)*** وقد يسأل سائل: كيف يكون التدبر محله القلب, أما فرقت بينهما بفوارق لاصلة بينها؟؟
الجواب: أن معنى هذه الآية الكريمة أنه لااستجابة لتدبر العقل إذا غلب هوى القلب على مساره المنطقى, فأهواء القلب هى أقفال العقل والتدبر, وإذا استجاب القلب, مهد الطريق للعقل... وهذا يعود بنا إلى سطور سابقة... .لذلك أوجب إعمال العقل أولا وجعل التأمل مسارا للحقيقة, فالتأمل عبادة؛ فهى ذكر لله.
وعلى الجانب الآخر, قد نجد إيمان عقل بلا قلب, ومثال ذلك إيمان عقل, جد الرسول (صلى الله عليه وسلم)
فعبد المطلب كان على يقين بصدق النبوة, كما ذهب للدفاع عن النبىَ - فى أحلك ظروف الرسالة- فى وجه سادة قريش, غير أنه لم يسلم!
هذه المفارقة الغريبة مفادها؛ أن عقله يعلم أما قلبه فيجهل! ولكن الإيمان الحق لايكتمل إلا بهما معا.
لهذا وضع الإسلام الإيمان فى منزلة رفيعة لما تتميز به من نقاء ووعى معا.
ولو سيرَنا هذا المبدأ(مبدأ الإيمان) على شؤون حياتنا لوجدنا الكثير من التوافه(حتى ما نراها غير تافهة) التى تسيطر على هوانا؛ هى أصلا ضد العقل والمنطق.
ميز الله الإنسان عن سائر خلقه بالعقل فقط, فلو توقفنا عن إعماله -مادامت فينا اليقظة- فسوف يتبع الإنسان شهواته كما الحيوانات.
فالإيمان لايأتى بتصديق رسالة وكفى, بل بالتأمل والتفكر أيضا, وهذا مانزل لأجله القرآن.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*الأنعام: 77,78
**الزمر:9,18,21
***محمد: 24