كان يوما جميلا و مفيدا, في ندوة منتدي عاطف الجندي, في اتحاد كتاب مصر, يوم الأول من أكتوبر 2011.
و كان الحضور صحبة من الشعراء, و الأدباء المتميزين .. وقد قال الأستاذ جابر بسيوني, كلمة عن قصيدة له, يقول فيها: الناس تسير و الطير تطير , و ذكر بأن النقاد عابوا عليه هذه القصيدة, لأنه يقول كلاما عاديا ! و لقد علقت علي قوله هذا, بأن الصورة الشعرية, يمكن أن تكون بهذا الشكل, الذي في قصيدته, و أن هؤلاء النقاد كانوا مخطئين ! و لذلك أجدني في هذه المقالة القصيرة, شارحا و موضحا, لهذا الأمر ..و الله المستعان.
بالنظر في الشعر العربي- لا سيما الجاهلي- فسوف نجد أنه هناك نوعان من الصور :
1- نوع غايته تصوير المرئيات و المسموعات, و لا يتجاوز هذه الغاية, و في هذا النوع براعة و مهارة و صدق, لأنه يعتمد على الصور الحسية, التي هي أساس التصوير في الشعر.
2- نوع يعتمد على الصور البرهانية العقلية, التي تهدف إلى الإقناع.
و لا شك - علي الأقل من وجهة نظري - في أن الصور الحسية أقوى في الدلالة على المعني, والإحساس به من الصور البرهانية العقلية.
المهم أن الصور- بنوعيها المذكورين- يجب أن تشكلها عاطفة عامة سائدة في العمل الفني ..أعني أن يكون هناك ترابطا, بين كل صورة, و التي بعدها( كما يقول الدكتور محمد زكي العشماوى : تتحول فيها الكثرة إلى الوحدة و التتالي إلى لحظة واحدة ).
أعود إلى قول الأستاذ جابر بسيوني : الناس تسير و الطير تطير و الشمس تنير ...هذا القول علي رغم أنه قول عادي ,إلا أنه شعري و جميل, حيث يوحي برتابة الحياة, و استمراريتها, رغم المعاناة, و قد تكاتفت هذه الجمل البسيطة, مع ما غيرها من الصور في القصيدة, فكان عمله الشعري جميلا في مجموعه.
و لنضرب مثلا آخر :
يقول الشاعر محمود ضيف الفحام, في جزء من قصيدة ( قابيل عاد ) :
و المسك فاض
من الجباه..إلى الأكف ..إلى الثرى
ضحك الثري إذ عطروه
و انظر إلى الشهداء
حين تعانقت فوق الرمال دماؤهم
و المستباح من الحقوق
استرجعوه
( من ديوان الفصل الثاني لم يبدأ )
أسائلكم الآن من أي نوع من الصور جاءت هاتان الصورتان ؟
ما مدى الإحساس و الإنفعال الذي تركته هذه الكلمات العظيمة على قلوبنا قبل عقولنا ؟
إنها الصورة الحسية البسيطة التي تخلوا من التعقيد و الغموض ( و قد ابتلينا بغموض الشعر و الأدب منذ سنوات و أرجو أن تنكشف هذه الغمة )
ثم انظر إلي صور الأستاذ عادل عوض سند.. فكلها صور حسية .. لا أملك نفسي من اللذة و الانبهار حين أسمعها أو أقرؤهاو أظنكم مثلي ,أليس كذلك!
خاتمة القول .. أقول لكم بأن الشعر حياة,
و الحياة فيها الحس و العقل, فلابد أن يجتمع كلاهما في الشعر و الأدب, في غير غموض و لا تعقيد.
و حسبك أن ترجع إلي قصائدالشعراء العظماء, علي مر تاريخنا الأدبي المجيد, لتدرك هذه الحقيقة, بلا جدال ( خذ مثلا أمل دنقل و لبيد العامري و أبو نواس .. أو من شئت من الشعراء )
و قد قرأت تعليقا، للأستاذ عادل سند يقول فيه : بأنك إذا قلت قصيدة, في وجود عدد كبير من الحضور, و لم يفهمك ثلاثة منهم- بسبب غموضك طبعا - فاعلم أن العيب فيك أنت و في قصيدتك ..
إلى لقاء قريب بإذن الله
عاطف عبد العزيز الحناوى
الإسكندرية 23-10-2011
25 ذو القعدة 1432