علامة في الرأس

موضوع: علامة في الرأس السبت أكتوبر 08, 2011 7:24 am

يسير معتدلا ومعتدا بنفسه يضرب برجله جلابيته البلدي المصنوعة من الصوف السيلكا المستورد بلونها الزيتي الذي يتخلله أقلام رفيعة من اللون البترولي ويهز ذراعيه في اعتدال للأمام فاردا إياهم حتى لا تتكسر مكواة الجلابية ولكي يكون الهندام كاملا ومتساويا هو الاستاذ محمود الذي تخرج من الجامعة وانتقل إلى القاهرة للعمل بإحدى شركات الاستثمار الكبرى ليترقى في خلال أربعة سنوات إلى رئيس القسم بالشركة وقد تزوج وأنجب طفلين وله شقة بالقاهرة في حي الزيتون وكل فترة من الزمن أو في المناسبات يأتي سريعا إلى قريته لزيارة الأهل والأقارب وبعض الأصدقاء لاسترجاع أجمل أيام عمره وذكرياته ومن بينها كانت العلامة المستديرة في رأسه والتي تختبيء تحت الشعر ليراها في كل مرة وهو يقص شعره ليتذكر بمجرد رؤيتها بلونها الأبيض يوم من أجمل أيام طفولته ولكنه اليوم متجه إلى حضور جلسة عرفية لمصالحة عائلتين بعد أن نشبت بينهم معركة دامية وقد دعي لحضور الجلسة بصفته رجل متعلم وله هيبة جيدة وصوت مسموع داخل نفوس الناس بالقرية وها هو يري أمامه السيدة أسماء زوجة الحاج الطيب وفي كل مرة عندما يكون في القرية ويقابلها لابد وأن يقف تماما ويسلم عليها ويطمئن على حالها

فبمجرد أن تقع عينه عليها يدور شريط الذكريات المؤثرة في نفس أي إنسان ليري أمامه طفلا لا يتعدى الثامنة من العمر مرتديا بيجامة بها أقلام رمادية ويلعب مع ثلاثة من أصدقائه على جسر المصرف الكبير وبالقرب من بيتها وفي يدهم كيس به طعم من ديدان الأرض لزوم الصيد لأنهم اليوم قرروا أن يصطادوا بعد خروجهم من المدرسة وهروبهم من أوامر والديهم بالذهاب للحقل وفي عز انشغالهم بالصيد وجدوا أربعة أولاد تقريبا في مثل سنهم من قرية مجاورة يجلسون بالقرب منهم وبعد لحظات وعندما كان هو يجذب صنارته من الماء رافعا إياها لأعلي لأن بها سمكة

تشابكت مع صنارة احد الأولاد الجالسين بالقرب منهم فسقطت السمكة في الماء قام مهللا يسب هذا الولد لتنشب معركة صغيرة بينهم ويكون الفوز له ولأصدقائه ليفر الأربعة أولاد الأخريين جريا وعندما اتجهوا للجلوس لاستكمال الصيد وجدوا قذائف من الحجارة البيضاء والحمراء تنهال عليهم لتصطدم واحدة منها في رأسه مسببة له جرح كبير ودمائه تسيل ليهرب الأولاد الأخريين مسرعين ومرعوبين بينما وقف صديقيه لا يعرفون كيف يتصرفون سوي وضع أيديهم على الجرح لتتلون بالدماء ويضع هو يده ليجدها أصبحت حمراء ليبكي ذعرا وهم متجهون به إلي القرية مرورا بدار السيدة أسماء التي ذعرت من شكل الدماء المنسابة على يده وذراعه ورقبته ودموعه فائرة كالفيض لتستوقفهم وهي تنظر إلي الجرح مع ترديد عدة كلمات وجمل بها كل الحنان كما لو كانت أمه فأمسكت به جيد وغسلت رأسه في ماء الترعة ووضعت له حفنه من البن الخاص بزوجها لتتوقف الدماء ويجف الجرح وهي تؤكد عليه وتلزمه بالعودة إلى أمه بعد أن عرفت من هو ! وابن من !

فلم ينسي أبدا هذا الموقف وظل زاهيا في مخيلته حتى كبر وأصبح رجلا لتنمو بداخله غريزة حب نحوها

وعندما وقعت عيناه عليها وكانت امامه

نادي عليها ليستوقفها مسلما ومطمئنا علي أحوالها ضاربا بحضور المجلس العرفي عرض الدنيا كلها وهي تدعوا له بالخير والمزيد من التقدم ليقدم لها ردا لجميلها عندما طلب منها أن ترسل احد أبنائها الذكور والذي يصغره بتسعة سنوات ليوظفه تحت قيادته في الشركة التي يعمل بها لتفرح السيدة كثيرا بهذا العرض مع فرطها لسيل من الدعوات الكريمة له إلا انه استوقفها وذكرها جيدا بموقفها معه عندما كان صغيرا ولا يملك من أمره شيئا وهو في قمة الخوف من جرحه ودمائه التي سالت وخوفه الأكبر من أبيه الذي في الغالب سيضربه لأنه جرح

ضاعت بعض التفاصيل من السيدة في غياهب الأيام وانشغالها بتربية أبنائها إلا أنها تذكرت الموقف في عمومه ووجدت الإجابة على السؤال الذي كان دائما يدور في بعض الأحيان بداخلها عن سبب اهتمامه بالسؤال عليها

سمير حمدي

قصة جميلة اعادت البطل الى ذكرياته التي تركها في القرية ,,

دائما ما تعود بنا الأماكن والشخوص إلى الوراء , وبعد سنين نكتشف انهم قد تغيروا

شكرا لك اخي سمير حمدي

شكرا جزيلا استاذ حمد المخينى على تعليقك وتحليك الممتاز فهو شرف لي ان اضع قصتي في وسط هذا المنتدي الملئ بالشعراء والادباء

أخي سمير
مرحبا بك فى بيتك و منتداك و أهلا بقاص جميل
لديه أسلوب راقي عدا بعض الهنات النحوية البسيطة في قولك
( رأسه مسببة له جرح كبير ) و هنا لابد أن تكون جرحا كبيرا
و في قولك
( فلم ينسي أبدا هذا الموقف )
لم تجزم الفعل المضارع و عليه تكون الجملة
( فلم ينس أبدا هذا الموقف ) بحذف ياء ينسى
ماعدا ذلك فالقصة جيدة
دمت بخير

شكرا جزيلا استاذنا الكبير وفى انتظار التقييم الغالي دائما لكل محاولاتي

استاذ سمير

اعجبتنى القصه

اتمنى لك التوفيق

» الرأس الكبيرة
» أحبكِ ...رغم خط الشيب فى الرأس
» علامة تعجب
» غانا علامة
» ترتيلنا الذكر علامة الشكر