الساعة (صفر ) الفائزة بجائزة أكتوبر 2011

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تحية عطرة للشاعر الكبير عاطف الجندي والرائع الاستاذ عادل سند



واسمحوا لي أن انشر قصة ليست لي وانما للقاص المبدع / أستاذ محمد يوسف وذلك بناءا على رغبته

https://www.facebook.com/profile.php?id=100000485690788&sk=wall

القصة عنوانها : الساعة (صفر )
==================
وقف أمام مرآته صامتاً ... ممسكاً بفرشاته محاولاً تمشيط ما تبقى من شعيراته ..... مرت في المرآة حياته شريطاً مشوش اللقطات... فقد نشأ يتيماً رغم وجود أبيه على قيد الحياة في بلد بعيد ينعم مع زوجة وأولاد لم يشعر يوماً أنهم إخوة له ..... كان يتنقل مع أخته الكبيرة في أعمال متنوعة ... تحمل عنه عبئها بينما ينعم هو في نهاية اليوم بقروش ... تصب جميعها في بقالة الحي مابين حلوى وألعاب بسيطة .....يملك فقط ساعة رقمية أعطاها له خاله القادم من الخليج ولكنها كانت دائماً تحمل الرقم صفر فقد كانت لا تعمل... يعيش مع أمه وأخته في بيت متواضع .... والذي يستره بعض ( عروق ) الخشب .... يجلس مساء كل يوم بجوار ( السقا) ليقص عليه وعلى أطفال القرية قصص الشاطر حسن وست الحسن ولكن ما كان يتمنى سماعه .... حكاياته عن السندباد ورحلاته لكل بلاد الدنيا وما كان يضيف عليها من تشويق حتى انه في بعض قصصه ، أن السندباد هبط على قريتنا وأخذ منها رفيق له في رحلاته .... وكان يتمنى أن يكون هو ..... اشتد عوده قليلا ومازالت الأوهام تطارده وأمله أن يصبح أغنى أهل القرية وخاصة من ذلك العمدة المتغطرس وأولاده المتكبرين أصحاب الملابس المكوية والكرة الجلد التي يتحكمون بها في الأولاد من يلعب ومن لا يلعب ... كل الأطفال تتودد إليهم عدا هو ... ولذا كان منبوذاً .....ماتت أمه وتزوجت أخته ولم يجد أبوه بُداً من أن يضمه لعائلته حيث يقيم في العاصمة .... التي لم يزرها يوماً ....ارتدى الملابس الجديدة التي أحضرها له أبوه ....ومازال يرتدي نفس الساعة ( صفر ) .... نزع نظارة والده الشمسية ووضعها على وجهه ، ومر أمام بيت العمدة ينظر إليهم بطرف عينه وعلى وجهه ابتسامة تمناها كثيراً ..... طلب منه الأولاد أن يلعب معهم ... لم يعرهم انتباهاً ... عاد للمنزل فوجد عربة خاصة أحضرها والده لتقلهم إلى حيث الإقامة مع أولاد أبيه .

وفي طريق سفره إليها ....انبهر بما رآه من المباني التي ترتفع .. بينما عيناه تزدادا اتساعاً وشوقاً للقادم ..... وصل ... قابله أهل البيت بفتور ..... وبنظرة متفحصة يعرفها جيداً .... لم يرهم أشباهاً له ..... أمهم غير أمه ، حتى أباه تغيرت ملامحه بعد سنوات قضاها في العاصمة ... لكنته تغيرت ....حتى أنه يرتدي ساعة لم يرها في قريته .... البيت نظيف ومرتب ...كل واحد من الأولاد له سريره الخاص .. بينما لم ينعم هو بغير مرتبة في زاوية الغرفة ... لم تتلاقَ اهتماماته مع اهتمامات إخوته .... حتى أنه تخيل أنهم يلعبون كرة غير التي يعرفها .... يرتدون أفخم الملابس ، وتزين أياديهم ساعات تعمل !

خلع ساعته وألقاها تحت مخدته ..... منتظراً أن يشتري له أبوه ساعة مثل إخوته ....وظل هذا حلماً يراوده .... التحق بالمدرسة ...واجه بها مصاعب جمة .... فكيف لذلك القروي أن يصمد أمام أبناء المدينة .... في الإجازة الصيفية طلب من والده أن يعمل في محل الساعات المجاور ... اندهش الأب ولكنه سرعان ما تحدث مع صاحب المحل ووافق الرجل على أن يعمل معه مقابل قروش قليلة .... مرت أيام وشهور والفتى يتعلم الحرفة وسط اندهاش مُعلمه .... حتى انه ترك له بعض الساعات ليصلحها ..... انتهت الإجازة والفتي مازال يعمل في المحل .... فقد ترك الدراسة وتفرغ للعمل .. ومرت السنوات ومات صاحب المحل وترك زوجة وإبنة شابة في نفس عمره وتولى الشاب مسؤولية إدارة المحل والبيت ، بل وتزوج إبنته وانتقل للعيش معها هي وأمها .... اشتهر في عمله وأجاد صنعته وأصبح له محلات أخرى .... أصبح من أغنياء الحي ..... لكنه لم ينعم بأولاد .... عرض زوجته على الأطباء محاولا الظفر بنعمة الأبوة التي لم يعشها .... لكن إرادة الله أقوى .... ماتت زوجته في عمر الخمسين .... اهتم بالبحث بين زبائنه عن زوجة جديدة ..... وبعد محاولات عثر عليها .... أرملة لها ولد صغير ... نسج شباكه ... أغواها .... استسلمت لرغبته في الزواج بها .

انتبه للفرشاة في يده والتي كادت أن تجرح رأسه العارية إلا قليلا ... أكمل ارتداء ملابسه الفخمة .... وضع أثمن العطور .... نظر في المرآة .... وضع يده في صندوق ساعاته ..... أخرجها ... لبسها .... إنتبه ! أنها تكاد تخنق يده ..... حاول استبدالها ... نظر للمرآة مرة وللساعة في يده مرات ..... وجد أن الساعة مازالت ( صفر) .