الشيخ محمد البسطامي/شاعر من نابلس

الشيخ محمد البسطامي/ شاعر من نابلس
د.عبدالرحمن أقرع

تمهيد:

بعدَ أن نشرت دراستي السابقة حول حياة وشعر المرحوم عبداللطيف زغلول ، أحد شعراء الظل في نابلس على أساس ديوانه (نفح الذكرى) الذي جمعه وعلَّق عليه نجله ، وأستاذنا الكبير (لطفي زغلول )، سرت إلى نفسي مشاعر فياضة من الإرتياح والرضى عندما لمست استحسان وإعجاب ثلة من الشعراء والأدباء العرب بشعره رحمه الله ،وثناءهم عليه. الأمر الذي شحنني بمزيد من الهمة للمضي قدما لإلقاء المزيد من الضوء على الشعراء الأفذاذ من أبناء مدينتي الحبيبة (نابلس) الذين آثروا في حياتهم البعد عن الأضواء والبقاء في الظل كشعراء ، ربما لورعٍ فيهم وتقوى وإيثارا للسلامة من تبعات المديح المهلك للعمل الصالح.لا سيما وأنا ألمس المزيد المزيد من النفائس اللغوية والشعرية في تراثهم كلما تعمقتُ في دراسته.
ولكوني في عالم الأدب ما زلتُ فتىً غرّاً- رغم تجاوزي الثلاثين - فقد آثرتُ الإستعانة بجهود الأساتذة الأفذاذ ممن يفوقونني سنا وقدرا ، فتوجهت للأستاذ لطفي زغلول ، الذي تفضل مشكوراً بتزويدي بعددٍ من اسماء هؤلاء الشعراء ، ثم توجهت إلى الأستاذ ضياء البسطامي -نجل الشاعر المرحوم الشيخ محمد البسطامي-و الذي زودني -مشكوراً-بدراسة مكتوبة بخط اليد عن حياة الفقيد ، وبطبعة محلية من ديوانه امطبوع عام 1984، ونسخة مطبوعة عن قصيدة مطولة له بعنوان (المنشرحة) في مكارم الأخلاق مع شرحٍ لها ، متلوة بقصيدة (المنبهجة) للشاعِر الشيخ مصطفى البكري.
وما أن رأيت الكتابين حتى ابتسمت ، وقد تفجرت في داخلي ذكريات جميلة ، لنشرات دورية كان يصدرها الفقيد في أواخر الثمانينيات بعنوان (دعوة الحق) تتضمن الكثير من الفرائد اللغوية ، والقبسات البلاغية التي كان لها بعض فضل في تطوري اللغي والأدبي عند بداياتي الأولى قبل بلوغ العشرين من العمر وقتذاك.

والآن نبدأ بالتعرف على حياة الشاعر الفقيد حسب ما زودنا به نجله الأستاذ ضياء البسطامي ، ثم نتلوه بمقتطفات من شعره ، وبعد القراءات النقدية بإذن الله.
حياته وتعليمه:-

هو محمد بن أحمد بن محمد حامد البسطامي النابلسي بلداً ، العباسي نسبا ، البسطامي طريقةً ، ولد سنة 1324 ه. الموافق سنة 1906 م.
تخرج من المدرسة الصلاحية بنابلس سنة 1340 ه. المقاربة سنة 1922م. ثم التحق بالأزهر الشريف وتخرج منه سنة 1346ه. المقاربة سنة 1928 م. بعد أن حصل على الشهادة العالمية الأزهرية للغرباء.
وقد اشتغل في سلك التعليم مدة سنتين ، ثم اختير سنة 1348 ه. المقاربة سنة 1930م. ليقوم بمهمة الوعظ والإرشاد في نابلس وقضائها وبقي في هذه الوظيفة حتى سنة 1949 م. ثم عاد إلى سلك التعليم وبقي فيه حتى أحيل إلى التقاعد سنة 1966م. ومنذ تخرجه من الأزهر الشريف إلى وفاته لم ينقطع عن الخطابة والتدريس في مساجد نابلس .
وفي سنة 1969 اختير ليكون عضوا في لجنة توجيه الجهات في دائرة الأوقاف الموكول اليها أمر فحص المتقدمين لشغل الوظائف الشرعية بنابلس .
وفي سنة 1976 اختير رئيسا لهذه اللجنة .

علمه وشيوخه :-

وقد كان الفضل في تمرسه على فنون الشعر للدروس الأزهرية التي كان يتلقاها عن أكابر العلماء والأدباء والشعراء من أمثال الشيخ مصطفى الغاياتي ، والسيد حسن القاياتي ، والشيخ محمد عبدالمطلب أجزل الله ثوابهم، ورحمهم رحمة واسعة.
والحقيقة ان الفضل الأكبر كان لوالده المرحوم الشيخ أحمد البسطامي ، الذي كان يتأسى به في نظم القصائد ، ويستفيد منه الفائدة الكبرى علماً وثقافةً وأدباً، والذي تخرجعلى يده في المدرسة الصلاحية بنابلس كثيرون من الأساتذة العظام الأجلاء الناهضين الذين ملأوا أرجاء فلسطين بعلومهم وأدابهم.
ولا يفوتنا أن الشيخ محمد البسطامي ، كان وهو في مصر يتردد زائرا للشعراء شوقي وحافظ ومطران والزركلي والقايتي في منازلهم ، ونواديهم ، لا سيما في إدارة جريدة الشورى التي كان يصدرها الكاتب الكبير والمجاهد محمد علي الطاهر ، حيث كانت إدارة جريدته مثابة العظماء من شعراء وكتاب.
وكثيرا ما كان المرحوم الشيخ محمد البسطامي ينشر مقطوعات من قصائده في جريدة الشورى المذكورة أثناء الطلب في الأزهر وبعد تخرجه منه.
لقد كان الفقيد الكبير شاعرا ولغويا وفقيها ، وكان كثير الإنفاق لا من ماله -إذ لم يكن ذا مال- ولكن من علمه حيث كان فيه ذا سعة تمشيا واستجابةً للحديث الشريف : ( لينفِق ذو سعةٍ من سعته).
وكثيرا ما كانت توجه للمرحوم أسئلة في الدين والعلم والأدب واللغة فيجيب عنها إجابات شافية وافية ، وقد أسعفته في ذلك ذاكرة قوية لازمته إلى آخر أيامه دون أن يتطرق اليها الضعف والوهن.
وكان يشعر بالسرور والإرتياح كلما استطاع أن يفيد الناس من علمه .
وكان رحمه الله كثير الحنو والعطف على الفقراء والبائسين ، ويظهر ذلك في هذين البيتين اللذين نظمهما مبينا بعضا من سماته الشخصية:
إذا أنا لم ارحم عليلا ولم أعن=خليلا ولم أقضِ الحقوقَ لمعدمِ
ولم اتخذ لي للفضائلِ سلماً=يحقُّ على روحي عذاب جهنمِ
كتبه ومؤلفاته:-

وللفقيد الكبير ثمانية عشر مؤلفاً في الشعر والأدب واللغة والفقه، منها ما هو مطبوع مثل الشادي في الأناشيد المدرسية ، وقد طبع سنة 1948 م. وشرح منظومة قصيدة المنشرحة ، وقد طبع سنة 1979 م. ومختارات شعرية من ديوان الشيخ محمد البسطامي ، وهو مطبوع سنة 1985م.
أما مؤلفاته غير المطبوعة فهي :
1- من أسباب نزول آيات الذكر الحكيم.
2- من عظاتي للمسلمين
3-ذكرى تنفع المؤمنين
4- التبيان في إعراب ما أشكل من آيات القرآن
5- الرياضة الفكرية في الأحاجي اللغوية
6- مختارات من أحاديث البشير النذير.
7- إقناع الجاحد الكفور بآيات البعثِ والنشور.
8- المطالب السنية في الفرائد الفقهية.
9- موقظ الهمم في الآيات والأحاديث والحكم.
11- تشطير قصيدة النفحات القدسية
12- مقامات البسطامي (واقعية).
13- المولد النبوي الشريف (نثرا)
14-المولد النبوي الشريف (نثرا)
15- المعراج الشريف (نظما).
شعره:-

لقد كتب المرحوم في أغراض شعرية متعددة منها الشعر الديني حيث نظم قصائدا عن ختم القرآن الكريم، والصلاة والصيام والبيت العتيق ، وفريضة الحج ، والزكاة والمولد النبوي ، والإسراء والمعراج، وغزوة بدر الكبرى ، والهجرة النبوية، وعيد الفطر السعيد ، والقرآن الكريم.
قال في قصيدة نظمها سنة 1980 بعنوان (القرآن الكريم) :-

إنَّ أسمى فِكرٍ وأشرفَ غاية
لبلوغِ المنـى تدبـر آيـة
هتف الذِّكرُ للعِبـادِ تعالـوا
فأخو اللب من يشم شذايـه
أنا للمصلحين خيـر دليـلٍ
أنا بين الراياتِ أرفع رايـة
وسيأتي يلوحُ في الكونِ هلّا
يا عِبادَ الرحمن شمتم سنايه
بارِقٌ مـن سنـايَ أزاحَ ال
جهلَ فاسعوا هنا وراءَ هِدايه

والأبيات المذكورة من قصيدة تتكون من ثلاثين بيتا وردت في المختارات الشعرية المطبوعة للفقيد.
كما كتب المرحوم كثيرا من القصائد في الشعر الوطني منها قصائد(مصر) و(الوكن العربي) ، و(بلاد العرب) ، (الشعب العربي) ، (بلادي) ، (ذكرى الأندلس) ، (الحنين إلى الوطن) ،(ذكرى موقعة ميسلون) ، و(يوم الجزائر).
قال في قصيدة بعنوان (بلاد العرب):

يا بلاداً بها اعتزازي وفخري
وحياتي معَ اعتِصامي وأزري
لكِ جهدي وراحتي لـكِ لبِّـي
لكِ روحي مع الهوى لكِ وفري
أنا صَبٌّ بكل بكل قطرٍ تضمِّي
نَ عزيزٌ بكـلِّ مصـرٍ وكفـرِ
كل شيرٍ تحوينَ عنـديَ غـالٍ
لا تـراهُ العينـانُ إلا كتِـبـرِ
لربوعِ الأردنِّ للمغـرِبِ الثـا
ئِرِتهفو نفسي إلى كـلِّ قطـرِ
يا بلادَ العربِ الأساة سلامـا
عَبِقـاً فـي النسيـمِ كعطـرِ
أنـا آليـتُ أن أكـونُ وفيـاً
لكِ دِرعاً حتى أوسـدُّ قبـري

وللفقيد الكثير من القصائد التي كتبها في الشعر الإجتماعي ، وفي شعر المدائح ، وقد رثى الفقيد كثيراً من أعلام الفكر والأدب والعلم ، أمثال الزعيم سعد زغلول ، والمجاهد عمر المختار ، وأمير الشعراء شوقا ، والشيخ عز الدين القسام ، والملك فيصل بن الحسين ، والشاعر إبراهيم طوقان ، وفقيه نابلس الشيخ محمد تفاحة الحسيني ، والمقرئ الشيخ حافظ الطاهِر ، والشيخ أحمد البسطامي في ذكرى الأربعين ، والعالم عادل زعيتر ، والأستاذ محمد دروزة ، والشيخ سعيد صبري ، والشيخ موسى السيد .
نظم في رثاء شاعر فلسطين إبراهيم طوقان قصيدة منهاهذه الأبيات:

يا لبدرٍ عليه في الكونِ حيفـا
فانتحى منـزلاً وذاق الحتوفـا
ومضى ينفض الهمومَ إلـى دا
رِ سرورٍ يرى الهنائ صنوفـا
ألمعيٌ من دأبهِ السبـقُ حتـى
في مجال الردى يشق الصفوفا
يا ابـا جعفـرٍ برمـتَ بدنيـا
كَ وبارحـتَ فافتقدنـا الأليفـا
كنتَ تلقى ىمدى حياتكَ منـي
لكَ فيمـا تقـولُ قـدراً منيفـا
وبِهِ ترتضي فها أنـا بعـدَ ال
موتِ أرضيكَ مطمئنـا أسيفـا
عشقت نفسكَ الخفيف من الشع
رِ فهاكَ الرِّثاءُ بحـراً خفيفـا
يا فلسطين مـاتَ شاعِـركِ ال
فذُّ فجلُّ الأسى بقومي مطيفـا

وفاته-يرحمه الله-

توفي الفقيد بتاريخ 9/4/1996 م. بعد حياةٍ حافلةٍ بالعلمِ والأدب والعطاء المتواصل وإيثار الغير عن عمرٍ يناهِز التسعينَ لاعاماً ، وقد شيع جثمانه الطاهِر ظهرَ يوم الأربعاء بتاريخ 10/4/1996م. في موكِبٍ مهيب لم تشهد له المدينة مثيلا.

شكراً يادكتور على معلوماتك الجديدة بالنسبة لى
وبارك الله فيك
afro

أخى الفاضل د عبد الرحمن
أحسنت بموضوعك هذا وهو انتصار للمظلومين اعلامياً وما أكثرهم من الشعراء
موضوع متكامل ووافى ومعلومات قيمة
مودتى واعتزازى بنبل حرفك
afro

شكرا لك يا اخي
العزيز علي هذا الموضوع القيم
Question

تعريف جميل بالشيخ الشاعر وشكرا على موضوعك
king

موضوع
جميل
و شكر

scratch

الان تعرفنا على مبدع لم نكن نعرفه من قبل
شكرا يا دكتور عبد الرحمن
afro

هذه مقالة جيدة عن شاعر قدير و إن كان غير مشهور

بورك قلم الكاتب و رحمة الله علي شاعرنا البسطامي

» وفاة الشيخ محمد الطوخى
» من وحي الذاكرة-في مدح الشيخ كمال أنيس - شعر محمد خضر الشريف
» من ديوان ( مهرجان القلق !!! ) 1 / زيت المشاعر .. خلص !!!
» قصيدة أنا إنسان....لشاعر كفر الشيخ محمد مصطفى الصعيدي
» فاروق شوشة.. وداعاًبقلم محمد باقر محمد