أحيانا اشعر عندما اكتب قصة , انى اكتبها للذكريات , او لابنائى او حتى لاحفادى.
اكون انسانا من القمر عندما اكتب بقلمى قصة , قلبى حر , نبضاته حرة , و عقلى حر , اشعر بنسيم غريب يرفرف بين جنبات قلمى ويرسم صورا اعشقها.
فى لحظة لن انساها , عندما ذهبت لأول مرة فى حياتى الى صندوق اقتراع شعرت حينها بشعور جامح يأخنى الى عالم من الحرية الغير معهودة كتب على إثرها هذه القصة , التى تعد ثانى قصة اكتبها فى حياتى ,,,,,,,
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ"من الذكريات السعيدة"ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هناك لحظات تمر علينا لتبقى فى الذاكرة إلى أن تموت معنا, منها السعيدة ومنها البائسة.
نتذكر اللحظات السعيدة ,فيرسم العقل-على غير عادته-ابتسابة هادئة مصحوبة بنظرة من الماضى, ربما تكون مصحوبة بعبرة حبيسة الجفون المترددة
تضفى على العينين الطابع الطفولى.
سأذكر حين يمر الدهر مددا, احدى تلك الذكريات السعيدة.
قطعت يومها طريقا طويلا, مستعينا ببعض المارة فى الاهتداء الى مسعاى, فكان اول من قابلت شابا جامعيا -على مايبدو- بدا عليه وكأنه يبحث عن مفقود
او انه تائه يتردد فى السؤال عن مكان ما, فاستوقفته وأنا لست على يقين انه الشخص المناسب لطلبى , على كل حال سألته :"إذا سمحت, أين لجنة الاستفتاء؟"
فبدا عليه انه وجد مايبحث عنه (ليس تماما) فبادرنى بابتسامه عريضة ممزوجة ببعض الحياء, وقال:"نفس السؤال الذى يدور فى بالى!".
فكان هو الآخر يبحث عن إحدى تلك اللجان, فبادلته الابتسامة وشكرته على كل حال , ومضيت...
بعد ذلك بقليل قابلت شابا آخر فى نفس سنى تقريبا أو يزيد بعامين أو ثلاث, فوصف لى الطريق , لكن يبدو انى سأقطع مسافة طويلة جدا لدرجة انه نصحنى
بألا أقطع الطريق سيرا على الأقدام , ونصحنى ب"توكتوك" , لكنى استشفيت من إجابته ان الطريق يمكن قطعه باقدام شاب مثلى, فأنا لست عجوزا هرما كى اهبط
من مركبة أمام الناس وانا لم اتجاوز العشرين من عمرى.
وبعد طريق طويل وشاق وصلت إلى اللجنة , وقبل أن أصل ببعد لابأس به علمت انه اقترب الوصول, فالناس قادمون يمسحون أصابعم من أثر الحبر الفسفورى,
يتبادلون الحديث وقد استحال كل واحد منهم إلى مفكر سياسى جامح لايضاهيه فى علمه احد , يفتخر باختياره سواء إن كان من اصحاب نعم أو من اصحاب لا ,لارجوع عن
اختياره مهما حاولو اقناعه ,مبديا اسبابه .
وعندما وصلت إلى المدرسة التى بها اللجنة وجدت عدد لابأس به من السيارات الخاصة والاجرة والتكاتك والدراجات الناريه , وقد تراصت بشكل عشوائى مزرى ,تمر عبر
الفجوات التى تتخلل هذه المركبات كالراقص على الحبال , على كل حال فقد دخلت المدرسة, ووجدت ذلك المنظر المألوف الذى اعتدت عليه فى
جميع المصالح الحكومية أو أغلبها, وفى افران الرغيف, انه الطابور ,ذلك الشبح الطويل الذى لايسر الناظرين, وعندما اقتربت منه سمعت صوتا.
التفت حولى فوجدته ذلك المكوجى الذى اتردد عليه كثيرا لأمور كى ملابسى , فتوجهت نحوه, فبادرنى مازحا:"لم أتيت إلى هنا, ألست من الاسكندريه؟!"
-على الرغم انى من الشرقية-صافحته هو ومن معه, فبادر احدهم مازحا أيضا:"شيبة واسكندريه يد واحدة", كانت مزحة طريفة على مايبدو , فأخرجت من فاهى
ابتسامة عريضة بكماء, وقال آخر:"اصطف فى الطابور الآن قبل ان يزدحم", يبدو ان ليست لديه مزحة ليلقيها علينا, فانسحبت متوجها الى الطابور لاصطف,
كان ذلك الطابو طويلا ملتويا غير متزاحم, لكن الشئ العجيب فى هذا الطابور الذى لم آلفه فى أى طابور من قبل
هو انه يتحرك بالفعل حركات ملموسه,فأنا اتقدم رويدا رويدا, فكان مبعثا للتفاؤل بأنه ستأتى لحظة الوصول الى صندوق الدنيا.
وبعد بضع دقائق وجدت نفسى داخل اللجنة وكانت مزدحمة, فأشار على احد المعنيين بالتوجه نحو صندوق معين واسحب الاستمارة لابدأ.
سلمت بطاقتى وتسلمت الاستمارة ووضعت العلامة, ثم أودعتهما داخل الصندوق ووضعت احد اناملى داخل علبة الحبر الفسفورى, واستعدت البطاقة وخرجت.
لااعرف لماذا لم يتفحصوا اصابعى قبل التصويت ؟! , اذا فلماذا الحبر الفسفورى من الاساس؟.
ووصلت المنزل بعد رحلت شاقة لكنها تستحق, وانهالت علينا التقارير من كل الدنيا ,اتفقت على ان الاقبال تاريخى لم يحدث من قبل
لاول مرة يحدث استفتاء لاتعلم نتائجة على الرغم من ان صوت "نعم" اعلى من صوت"لا".
لكنها فى النهايه تجربة فريده من نوعها.
سأذكر انها ستكون احدى تلك الذكريات السعيدة.
وعندما ابلغ من العمر ارذله -ان امد الله فى عمرى-سأذكر لأحفادى هذا اليوم, فهو من الذكريات السعـــــيدة.