قراءة في بوح الهوى للبتول العلوي

قراءة في ( من بوح الهوى )
للشاعرة البتول العلوي
بقلم / عاطف الجندي
***
لا شك أن العامية المصرية تنتشر انتشارا كبيرا في الوطن العربي من خلال الأفلام و الأغاني المصرية ، مما جعلها مفهومة و مستصاغة من المحيط إلى الخليج و من هنا لا غرابة في أن تنتشر هذه اللهجة المحكية بين الشعراء المصريين و تستطيع أن تنتشر و يعرف شعراؤها بالاسم كجيل الرواد مثلا كبيرم التونسي و صلاح جاهين و فؤاد حداد ثم الجيل التالي من الشعراء كعبد الرحمن الأبنودي و سيد حجاب و أحمد فؤاد نجم و غيرهم حتى جيل الشباب و من هنا كانت العامية المصرية خير موصل لنبض الشارع المصري للعرب بجميع طوائفهم بجانب اللغة العربية الفصحى و الجميل أن نجد أن بعض الشعراء العرب يكتبون هذا اللون من الشعر و حقيقة بعض التجارب التى قرأتها لشعراء عرب لم تصل إلى مرحلة متقدمة و جيدة في شعر العامية المصرية و ربما جاءت هذه المحاولات كنتيجة لوجودهم في مصر أو ولادتهم بها و لكن جاءت التجارب أقل بريقا من غيرها من شعراء العامية المصرية الذين يكتبون من واقع معاش مائة بالمائة و من الداخل و ليس من الخارج و لكن الجميل أن نجد شاعرة عربية لم تولد في مصر و لم تأت لزيارتها من قبل و لكنها أحبت المحكية المصرية و كتبت بها و أجادت و عندما قرأت لها من قبل كتبت دراسة عنها كانت بعنوان ( بوح البتول بين الرفض و القبول ) من حيث رفض البعض من أبناء وطنها أن تكتب باللهجة المصرية أو قبول البعض من مصر أو من بلدها لخوض هذه التجربة هذا الشاعرة و التى يطلق عليها اسم " الشاعرة العصامية " أي التي علمت نفسها بنفسها في مجال الشعر و هي الشاعر المغربية ( البتول العلوي ) و التي تعرفت من خلال الإنترنت ، هذا الوسط الافتراضي العجيب و الذي جعل العالم قرية صغيرة فمن خلال مشاركتها كعضوة و مشرفة في منتدى ( عاطف الجندي الأدبي ) على الإنترنت أو من خلال بعض المواقع الأدبية الأخرى أو الفيس بوك بعد ذلك تعرفت على تجربتها في الكتابة و احترمتها و أنا الآن أكتب عن عملها الجديد و هو بعنوان ( من بوح الهوى ) و الذي يحتوي على أربعين قصيدة بالعامية المصرية غنائية ، و حقيقة هذه الأربعون قصيدة تشكل ديوانا غنائيا كوحدة واحدة و ليس مجموعة شعرية فالمجموعة هي عدة أشعار و مواضيع مختلفة في الحب مثلا و السياسة و الوطن و المجتمع أما الديوان فهو وحدة واحدة متكاملة تأخذ جانبا معينا من مناحي الإبداع و لذلك كان هذا العمل ( من بوح الهوى ) ديوانا زجليًا غنائيا فهو يتخذ من الحب و مواضيعه للطرف الآخر سواء كان للرجل أو الأنثى كل قصائد الديوان بلا استثناء و ليس هناك شبهة قصائد في أي مجال آخر كالسياسة أو الوطن أو المجتمع أو غيرهم من المواضيع التي تكتب فيها الشاعر و جاءت القصائد في كثير من الأحيان بلسان الرجل و فى هذه القصائد الغنائية تخاطب الأنثى و هذا شيء ملفت للنظر 0
و ربما كان أسلوب الشاعرة البسيط و القريب للغناء سببًا في تفكيرها في أن تصبح شاعرة غنائية في المستقبل و أن تغنى لها بعض هذه القصائد على أقل تقدير فتجميع هذه الأغاني في ديوان يسهل انتقال هذه الأشعار للمطربين أو الملحنين 0
و إذا تصفحنا أوراق هذا الديوان ستطالعنا في البداية قصيدة ( موش بإيديَّ ) و كأنها تصدر لنا أن كتابة العامية الغنائية المصرية ليس بيدها كما هو الحب أيضا و التي تتكلم عنه في قصائد الديوان فتقول :
" أيوه بحبُه و ليه تلوموني
موش بإديّا
لو أيام العمر خدوني
لطريق أخره الليل حواليّا
يبقى سيبوني يومين على قدّي
آخد و يّا الدنيا وأدّي
قبل ما شمس العمر تعدّي
دي الأيام الباقية شوية
هو الحب دا شيء باديّا "
و كأنها هنا تطلب السماح بتركها للكتابة بالعامية المصرية و تركها أيضا للحب فأيام العمر تسرع إلى الزوال و على هذه الحياة ما يستحق الحياة و هو الحب و لذلك نجدها فى المقطع التالي تقول :
" كنت الشمعة ف ليل أيامكم
كنت الحضن اللي يدفّيكم
أحرق نفسي سنين علشانكم
و أنّور سكة خطاويكم
و امّا خلاص الشمعة انهارت
أدّت دور لحياتكوا و دابت
استخسرتوا الضي الشارد
يحضن خطوتها و لو ثانية
هو الحب دا شيء باديا "
فهي تقرر أنها الشمعة التي احترقت من أجل الآخرين في تصوير جميل و عندما انتهت و فنيت من وفائها استخسر المجتمع أن يضيء لها و لو ثانية و هنا قمة المأساة و المفارقة في العطاء ثم توجه نداءها لقلبها و تسمح له بالحب فهو الأمل لها للخروج من خريف العمر أو خريف الدنيا في نظرها فنجدها تقول :
" حب يا قلبي و سيبك منهم
دانت ف عز خريفي ربيع
أوعى تفكر يوم في كلامهم
أوعى الحب ف لحظة يضيع
وردك لسّه بيرمي عبيره
حلمك نور محتاج تفسيره
و اللي يغيروا يا قلبي يغيروا
انساهم و أحلم بالدنيا
أيوة بحبه وزيدوا ملامكم
برضه حعيش أيامي الجاية "
فالحب هنا لدى الشاعرة هو المقابل الموضوعي للحياة و تمسكها بالحب هو تمسك بالوجود و حق الحياة فوجدنا نهاية القصيدة هو الاعتراف بالحب و عدم الاعتناء بملام الآخرين مهما تحدثوا أو قالوا عن حبها بطريقة سلبية كعادة الناقمين عن الحب أو من يسعون بالوقيعة بين الحبيبين و في قصيدة أخرى باسم ( زي ما كنت ) تقول :
" زي ما كنت حبيبي تملي
خليك دايما كده ويايا
نشرب م الأشواق و نحلي
نعمل من قصتنا حكاية
مد ايدك طبطب على قلبي
خبي غرامنا ف قلبك خبي
خلي الدنيا بحالها تعبّي
من شوقنا وتعمل غنواية "
بأسلوب بسيط استطاعت الشاعرة التى تدهشنا بصور جميلة مثل تطبطب على قلبي فهي صورة جديدة تماما و تكمل بأن الدنيا ستأخذ من حب هذين الحبيبين و ستصنع لنفسها أغنية فقصة حبهما قد صارت معروفة كقصص الحب الشهيرة مثل قيس و ليلى و عنترة و عبلة و غيرهما من القصص الشهيرة و تكمل بالدعاء للحبيب فتقول :
" يا حبيبي يا رب يخليك
تسعدني و أسعد أيامك
دي الأشواق حسدوني عليك
و انا بحسد روحي على غرامك
يا ملاكي و جنة أيامي
يا طيور الأحلام في منامي
الجنة ف إيدك قدامي
تفـردها لقلبك و هنايا
نشرب م الأشواق و نحلي
نعمل من قصتنا حكاية "
و هنا يأتي الحسد الجميل و ليس بمعناه القبيح الذي يتمنى زوال النعمة من عند الآخرين و لكنه بمثابة عدم التصديق بأن يحتوي كل منهما على قلب صاحبة و الذي هو بمثابة حلم لأناس آخرين و من هنا كانت الجنة في يد الحبيب و كان هو الملاك و الجنة و طيور الأحلام أيضا 0
و في قصيدة أخرى بعنوان ( ياه يا قلبي ) تقيم حوارية جميلة مع قلبها و تتساءل ، فتقول :
" النهارده إيه يا قلبى
دقتك ليها شكل تانى؟
دقة بتقول عايزة أغنّي
والساعات بتفوت ثوانى
ليه دا كله ايه جرالك؟
شوفت ايه غيّر فى حالك؟
رد قاللى حبيبى عاد لى
صوته أجمل صوت ندانى "
إذن هنا عرفنا سبب تغيير صوت دقات القلب فهنا دقة من دقات القلب تريد الغناء و تقول أن الساعات تمر كالثواني في حضور الحبيب فهو أجمل صوت نادى على قلب الحبيبة فتأمر عيونها فى المقطع التالي و تبحث عن مراياتها و كحلها و برفاناتها و تبحث عن شكل جديد لشعرها استعدادا لمقدم الحبيب في أسلوب بارع لم يكتب بهذه الطريقة من قبل و لا تكتبه سوى امرأة عاشت هذه اللحظات بالطبع من قبل فتقول :
" إمسحى يا عيون دموعك
فين مكانك يا مراياتى
آدى كحل وروج و بودرة
آادى أجمل برفاناتى
وادى شكل جديد لشعرى
خايفة ييجى حبيبى بدرى
حسّة قلبى خلاص بيجرى
يحضن الشباك عشانى "
و لكن تأتي المفاجأة غير السعيدة في المقطع القادم و نهاية القصيدة في أسلوب سينمائي جميل و كأن هذه القصيدة فيلم نشاهده بكاميرا مصورة محترفة كما في الأبيات التالية :
" وف ميعاده روحت أقابله
عدّى و ما بصش عليا
قولت يبقى قلبه قال له
هاتلها ف ايديك هدية
دق قلبى م السعاده
الف دقة كمان زيادة
و اتصدم ساعة ما شافه
جى ماسك واحدة تانية "
و هنا تكون الصدمة الكبرى و تعود لمناجاة قلبها في صورة جديدة أيضا عندما تقول :
" ياااه ياقلبى.....
ياللى جرحك كان مدينة "
جرحك مدينة ! هذه صورة جديدة و جميلة في نفس الوقت و تكمل كتابة نهاية مأساوية لقصة حبها فتقول :
" ارمى فرحك بره منك
واعزف الدقات حزينة
النهارده شكل تانى
بس شكل غريب علينا
النهارده الشمس ضلمة
والدموع قفلت عينينا "


و ندخل إلى آخر قصائد الديوان و التى تحمل رقم أربعين و هي بعنوان ( شوف لي طريقة ) اختصارا للكتابة فأربعين قصيدة ستشكل عبئا على الناقد و المتلقي لو كتبت عنها جميعا و بما أن المواضيع في اتجاه واحد فيكفي أن ندخل الآن إلي نهاية الديوان و هذه القصيدة و التى تصف قلبها بالطيب و الذي يقع في هوى المحبوب كعادة كل الشعراء الرومانسيين فتقول :
" قلبي الطيب على نيّاته
شايف كل حياته عينيك
بيدق وعاشق دقّاته
والدقات بتنادي عليك
دايبة ف صورتك كل دقيقة
و انت خيال أو و انت حقيقة
شوف لي ياروح القلب طريقة
أرتاح بيها الله يخلّيك
فالمطلوب هنا هو بحث الحبيب عن طريقة لحبيبته و هي الذات الشاعرة هنا عن طريقة لكي يرتاح قلبها و ليس هناك راحة سوى بلقاء الحبيب و القرب منه و تكمل :
" عايزة أكون الملكة ف قلبك
ولا حدش ف هواك يشاركنى
عايزة تكونلي حبيبي واكونلك
تسعد أيامي وتسعدني
أمّا الشوق يغلبني أجيلك
و امّا ازعل منك أشكيلك
تسمعني بقلبك وبعينك
ماهي شكوتي منك وإليك
شوف لي ياروح القلب طريقة
أرتاح بيها الله يخلّيك
تريد أن تكون الملكة في قلبك كما هو الملك في قلبها و أن يكون الملجأ و العش الأخير الذي تأوي إليه عندما يغلبها الشوق إليه و يتواصل النداء كتيمة بالقصيدة و هو البحث عن طريقة و تكمل :

" مش ممكن أبدا أتصوّر
تبعد عنّي ولو لثواني
لو كنت انت ف لحظة هتقدر
يبقى اخترت الموت عنواني
م انا ما اقدرش أعيش وحديا
دانت النور والهوا والميّه
لو حسّيت بغيابك ثانية
روحي تسيبني وتجري عليك
شوف لي ياروح القلب طريقة
أرتاح بيها الله يخلّيك "
و أما ما يوجد على هذا الديوان فهو بعض أخطاء البدايات الشعرية عند معظم الشعراء مثل وجود بعض الهنات العروضية البسيطة أو الفرق بين كتابة الفصحى و العامية مثل قولها فى القصيدة الأخيرة (تكونلي حبيبي واكونلك ) فكان يجب كتابتها بهذه الطريقة ( تكون لي حبيبي و أكون لك ) و هكذا في كلمات كثيرة على هذا المنوال 0 و كتابة بعض المفردات بصيغتها الصوتية و ليس بأشكالها الإملائية و هو خطأ شائع لدى شعراء العامية المصرية و عدم تنوع الديوان و وجود العمل الذي يحمل بين طياته ما يمكن أن يشير للحبيبة الوطن أو الحبيب الرجل أو الأنثى في ذات الوقت و لكن كل القصائد جاءت مباشرة و صريحة فى اتجاه واحد و هو الحبيب فقط لا غير و عندما تمتلك شاعرتنا خبرة الكتابة الكبيرة بالعامية المصرية أكثر و أكثر سنجدها أكثر تميزا مثلما هي متميزة في بلدها المغرب الشقيق بكتابة هذا اللون من العامية المصرية و متميزة هنا في مصر لكتابة هذا النوع من الإبداع الذي يتميز بالحميمية و الصدق الفني و حقيقة الأمر هذا ما لمسته من خلال هذا الديوان الجميل و الذي سيكون إضافة للشاعرة و أيضا لمخزون العامية المصرية المتميز و أخيرا أتمنى للشاعرة ( البتول العلوي ) كل تقدم و زيارة مصر و التى ستشكل مخزونا هائلا لها في الكتابة المستقبلية من خلال لمس الأشياء بالعين في مصر و ليس الكتابة من خلال ما سمعته أو رأته في شاشات السينما أو التليفزيون و هي مهيأة للتقدم في درب العامية المصرية بقوة من خلال إصرارها على التواجد و الجودة و الله الموفق
***
بقلم : الشاعر و الناقد
عاطف الجندي
عضو اتحاد كتاب مصر
القاهرة في 15 / 4 / 2011 م