مذكرات طفلة مقهورة

هاى، إزيكم ، طبعاً مستغربين من الدخله دى مش كدا؟، بتسألو نفسكم مين دى وعايزه إيه؟

أنا أقولكم:

أنا إسمى منه ، عمرى خمسين سنه، كبيرة حبتين مش كدا؟ هو كدا أكيد . ح تسألو أنا عايزه منكم إيه؟ وإيه سبب وجودى هنا؟

أقولكم:

أنا حاسة إنى كبرت ، مش ضامنة بكره يحصلى إيه، وبصراحة أكتر ، صحتى بقت فى النازل، كل يوم شكوى من مشكلة صحية مختلفة عن اللى قبلها، قدرتى على بذل أى مجهود ولو بسيط بقت محدودة، يبقى أستنى إيه؟ فاضل إيه عشان أكتب مذكراتى؟ دانا لازم ألحق وأكتبها قبل ماالزمن يطوينى ويطويها وخصوصاً إن المذكرات دى شاهد على عصر وعلى أحداث مهمه مرت بحياتنا.

ح أبتدى مذكراتى من بداية صحوة الذاكرة عندى

أوضح حاجه فاكراها ظروف وفاة أخويا الصغير، كان أول عهد ليا بمعنى الموت ، الظاهر إنها كانت القلم اللى فوقنى على الدنيا، صحانى من توهان الطفولة البريئة، تاريخ المرض لأخويا ماأخدش أكتر من تلات أيام.

قصة المرض بدأت بقرار لبابا فى يوم من أيام الصيف الحارة جداً إننا ننزل البحر معاه ، أنا وأختى وأخويا الصغير ، كان عمره حوالى سنة ونص ، فاكراه كأنه واقف قصادى ببشرته البيضا وعينيه الزرقا المليانه بالذكاء والتحدى ، انا حتى فاكره إنه كان لابس مايوه لونه أزرق غامق، كنا فى منتهى السعادة ، ماما إستنت فى الكبينة تحضرلنا الغدا وإحنا رحنا البحر مع بابا، كنا بنجرى حواليه فرحانين ، بابا نادر ما بياخدنا البحر لأنه بيخاف علينا جداً ، مش عارفه إيه اللى خلاه يقرر إننا ننزل البحر فى اليوم دا بالذات ، يمكن القدر حب يدينا ذكرى حلوة نفتكر شريف بيها، المهم .. فى اليوم دا بالليل صحينا على حركة ماما وبابا فى البيت ماما كانت بتعيط وتكلم شريف : مالك يا شريف؟ مالك ياماما؟ إيه اللى سخنك كدا ياحبيبى ؟ وبابا بيحاول يهديها وهو بيعمل كمدات لشريف ، وأول ما الشمس طلعت بابا جرى على دكتور جارنا، ساكن فى الكابينة اللى ورانا، يستشيره فى الحاله ، الدكتور ، دكتور عدنان كشف على شريف وقال لبابا بمنتهى الثقة ، لا لا مالكش حق ،إيه القلق دا كله ياراجل ، الولد بيسنن ودا سبب إرتفاع درجة حرارته .

ماما إستمرت فى عمل الكمادات لشريف لكن الحرارة مش راضيه تنزل ، مفيش أدوية جايبه نتيجة وحالة شريف بتتدهور، مابقاش بيتحرك ، ولابيتكلم مش بنسمع غير تأوهاته وصوت ماما وهى بتعيط وبتناديه : رد عليا ياشريف، رد على ماما ياحبيبى.

تالت يوم صحينا على ماما وبابا لابسين وخارجين بشريف وبابا سابنا مع عمى الصغير فى الكابينه وقاللنا إحنا رايحين المستشفى ، مش عايز شقاوة ، وطبعاً كان بيوجه كلامه لنهال أختى الأصغر لأنها كانت شقية جداً ، وتعرضت قبل كدا لإرتجاج فى المخ ، وكسر فى الدراع نتيجة شقاوتها .

بعد خروج بابا وماما ، نهال صممت إنها تلعب على السلم ،السلم مش عالى دا يادوب أربع سلمات ، نهال كانت بتطلع على سور السلم وتنط على الرمل من إرتفاع نص متر تقريباً وهى بتنط وقعت على الرمل وزلطة صغيرة خبطت فى عضمة الساق اليمين ،عيطت شوية وسكتت وقامت تنط من تانى ، أما أنا فكنت بأتفرج عليها وأضحك على شقاوتها وهى بتغنى الموجه بتجرى ورا الموجه عايزة تطولها.

فجأه وإحنا بنلعب بابا دخل علينا وكان وشه متغير ، أول مرة أشوف باباوكأنه بيعيط ، طلب منى أنا ونهال إننا نغير بسرعة لأننا ح نروح لبيت تيته مامة ماما ،لبسنا بسرعة وكانت نهال فرحانة جداً إنها رايحه لتيته إنما أنا كنت حاسةبحاجه مش طبيعيه وإحساسى ماكدبش عليا، طول السكة بابا مش بيتكلم ، عينيه فيها دموع لكنها مش بتنزل، ماشلتش عينى من عليه وأنا بأفكر ياترى ماله ، إيه اللى ممكن يخلى بابا يعيط؟ ماكنتش لسه عرفت إن فيه شبح إسمه شبح الموت ممكن يخطف مننا أعز الناس علينا فى ساعات قليلة . وصلنا بيت تيتة ،أول ماإتفتح الباب إتفاجئت بلون السواد ، ستات كتير كلهم لابسين إسود، خالى الصغير أخدنا من إيدينا ودخلنا عند ماما فى الأوضه، الأوضه مليانه ستات لابسين إسود وعلى روسهم طرح سودا، ماما فى أخر الأوضه هى كمان لابسة إسود زيهم ، بتعيط بحرقةوبصوت مكتوم، وبتبوس فى شريف وهو نايم جنبها، لكن شكله متغير، وشه أبيض بزياده وكأن الدم هرب منه ، ملفوف فى قماش أبيض وكأنه طفل لسه مولود، إيه اللى حصل له؟ ليه مش بيتحرك ولا يتنفس؟ ليه ماما بتعيط وتنده عليه؟ وإيه السواد دا كله؟ ليه فيه قارىء بيقرا قرآن ؟ كل الأسئله دى وأكتر منها دار فى ذهنى لكنى ماسألتهاش، كنت واثقة إن الأجابة ح تجينى من غير ماأسأل ، أما نهال فكانت بتلعب فى الجنينة ، مش حاسة بالمصيبة اللى مستنياها…

أكملكم الحلقه الجايه