ذاتَ رفضٍ صَحى مُؤخرًا
قصة قصيرة
أمامَ مرآة ناعمة , لَعنَت العبثْ, حين أبصَرَتْ يأساً خلقَهُ الحزنَ ,في ما تبقى من وجهها !
أزاحتْ ثوبُ الزِّفافِ , أبيضٌ هو كبياضِ القطنَ.. تمنَّت أن يُحسِنَ ذويها –هذه المره- إختيارَ المُسنَّ الثريّ, من عليها أن تعيدَ له شبابهُ بما يدفعُ من مهرٍ ومالٍ !. تمنَّت أن يكون لدى الداخلُ بعد قليلٍ قلبٌ أبيض.
على طرف السرير جَلستْ , استنشَقتْ رائحةُ الزهورِ بين يَديها. تشمُّ رائحةَ الرِّضا , أباها راضٍ وأخاها و زوجَتهُ وأبناءهُ راضون. هي بذلك , كأنها في جنةٍ عَرضُها مصالحُ أبا وأخا وجذورهما ! , تنَهدتْ حُزناً...
وَضَعتْ باقةُ الزهرِ جانباً. أرختْ رأسَها فوق الوِسادةُ , تَسقطُ بعضَ الدموعِ نحو حُمرةِ شفاهٍ جافةْ.
مالحةُ تلكَ الدموعِ كـ البحرِ حينَ يموت. ساخنة كصفعةِ والدٍ متزمت , حارقةٌ كـ سخريةِ الماضي حينَ ينشُرُ غسيل التضحِياتْ.
أحدهم يدقُّ البابَ , تنهضُ من على السريرِ , تمسحُ دموعَها سريعاً , تعيدُ رسْمَ الإبتسَامةْ ,موهوبةً في رسم الإبتساماتِ . كأن التكرَارَ علّمها. تفتحُ البابَ , تَدخلُ زوجةَ أخيها على عجالةٍ:
- لفت إنتباهي طقمُ الألماس , أعجبني . هيا أديري ظهرك نحوي , سآخذه قبل أن يدخل زوجك ,, أبا الخير وعمه وشيخ كل قبائله!
لم تنبسْ ببنت شفه , لا تتشبثُ بالشكلِياتِ كما تتشبثُ بـ رِضاهُم . ابتسمتْ وأدارتْ ظهرها.
- شكرا لكِ يا عروسة, أقسمُ أنني أغبطكِ على هذه النعمة .مع السلامة , احرصي على رضى زوجكِ .
في سهوٍ باسِمٌ , حرَّكت راحةَ يدها مُوِّدعةًّ .. تركتْ البابَ مفتوحاً للقادِم بعدَ قليل.
عادتْ إلى حيث يجبُ أن تنتظرْ . جَلسَتْ وأقدَامِ الإنتظارِ تعزِفُ لحناً مُعقّدا , كـ أنغامٍ من عصرِ البارُوك. كَـ لوحةٍ سيرياليةٍ لا تعكسُ حقيقةَ ما يُرى.
طالَ الإنتظاْر , بَرُدَ الشَّاي, أنهتْ قراءَة ثمانينَ صفحةٍ من روايةٍ عربيةٍ , تعيشُ لحظاتِها بهدوءٍ, لا تشعُر بالخوف من ليالٍ اعتادت عليها ,, كهذه.
أدركتْ أنهُ آتٍ حينَ, سَمِعَت همس ٍ قادمٍ نحوَها . لم يَكُن الزوجُ وَحيداً حين دَخلَ عليها, كانت تُمسِكُ بساعدهِ إمرأتَهُ الستينية. اقتربا من تلكَ القابِعة على السرَّير.افتتَحتْ العجوزُ حديثَ الأمنياتِ ببعضِ الدموعَ , ثم حرَّرتْ صوتَها المخنوق:
- أربعينَ عاماُ و شغفُ الأمومة يقُتلني , أحترقُ غيضا كُلما رأيتُ أماً تحضِنُ طِفلا , أريدُه حتى وإن كان ناقصُ الخِلقة. طفلا يُجمِّل الحياةَ في عيني !
كانت تتأملُ ملامحَ العجوزَ بصمتٍ . طَلبٌ آخر , هي ليست سوى جسدٌ مُتعِدد الأغْراضْ , يستغله الآخرون في تسيير حياتهم . تذَكرتْ أخاها حينَ أجبرَها على بيع إحدى كليتيها لأحدٍ الأثرياء , تذكرتْ كيفَ أنها ضحكت ذات يوم بجنونٍ , عندما طلبَ منها والدُها أن تَهبُه أسْنانِها , بعد أن ضاقَ ذرعا بأطقم الأسنان المملة !, ولوْلا َغباءَ الطَلبْ , لَما رَفَضَت. لم تعتد الرفضَّ أبدا ,مُهمّشةٌ تبقَى, كَما اعتَادَتْ.
قطع سَرحاِنها كلاماً:
- سوفَ نوفرُ لكٍ كلَّ سُبُلَ الراحةِ , كلُّ ما تحلُمِينَ بهِ سيكونُ لكِ , شرطَ أن توافقي على التخلِّي عن حضانة إبنكِ فورَ ولادتِك لهُ ؟
نظرتْ إليهٍم , نهضَتْ , احتضَنتْ العجوزَ بكلتَا يديهَا, ثمَّ ابتسَمتْ , أرادَتْ أن تثَرثِر , لكنَّ .. ما أصعبَ قول لا , و .. ما أقذركِ يا نَعَم:
- سوف ترين يا عمتي , أن الحياةَ مهما قسَتْ , تَلينْ.
- شكرا لك يا ابنتي , أعدتي لنا السعادة من جديد , سنعوضك بكل ما نملك. نعدك
نظرتْ إلى السماءِ خِلسَةً , هُناك من يَبني أحْلامَهُ تحتِها !
غادرَ الزوجينَ المَكانْ , و أحدهم ينظر للآخر نظرةً يحدُوها الأملَ.
ركضتْ نحوَ البابِ باكيةً , أغَلقتهُ مرَّتين , سَقطتْ أسفلهُ , لا تشعرُ بالأمانِ تحتَ هذا البابَ الذي لا يَجلِبُ سوى من يأخُذ ! تركضُ بفزعٍ نحوَ السريرْ...
هواجسٌ تراودُ العقلَ عن نفسهِ حتى تقعُ الخَطيئَة. تحضُن جسدِها, تتكَّوم , تُغطي أذُنيها بأطرافِ الأصابعَ , تشعُر بألمٍ يجتاحُهما, كأنَّ هُناك من يُبحِرُ عبرَ "قناةِ إستاكيوُس" عائِداً إلى أهلِه . رجالٌ سُمُرٌ يمارسونَ طقوساُ روحِية , يعوٍي أحدُهم كالذئْب ويدُّقُ الآخرَ طبلَة الأذُنِ بإحتراف.
تُجاهِدُ بألمٍ كيْ تُطْبقَ الأجفاَن , حتى إذا انتَصرَت , تَهاوَت الأيَادي من كلِّ حدبٍ وَصوْب, خَلف أْجفانٍ متجرِّحَة. الكلُّ يشيرُ بيديهِ {هـاتِ ,, هاتِ}.
ليس بمقدورِها أنْ تضحي بالمزيد , ستموتُ أشدُ يأساً , وأعظمُ وجعاً.
, شيءٌ ما أفزَع الصَّمتَ , صرخةٌ لم تحتّمِل المكوثُ في جسدٍ مُتهاِلك .
في منتصفِ المكانْ, كانَ الجسدُ مُعلقاً , تسيلُ منهُ الدِّماءَ .
لا عَزاءَ لها , كانَ عزاءٌ لأحلاماً رَحَلَتْ حينَ رَحَلَتْ ذاتَ رفضٍ صَحى مُؤخراً ! .
النهاية