الحصانات على حساب الوطن ومواطنيه

القواعد الأساسية المتفق عليها في جميع القواعد الشرعية والقانونية وحتى قواعد الطبيعة ومتطلبات الاستمرارية لحياة البشر .. هي المساواة بين الناس وعدم التمييز و التفرقة والحرية وذلك حتى تتحصل المصالح لجميع الناس وتدرأ المفسدة عن الجميع.
و لا تتأتى مصالح العباد إلا بمراعاة الجميع وأن يشمل تشريع الواقع اضعف الناس فلا تتم المصالح إلا بمراعاة الأضعف ، فالنبي صلى الله عليه وسلم لما قال له عثمان ابن أبى العاص رضي الله عنه : " يا رسول الله إجعلنى إمام قومي " قال : إذهب فأنت إمامهم و إقتدي بأضعفهم . " وذلك لأن مراعاة الأضعف لا يضر القوي إذ يستطيع تحصيل ما يحصله الضعيف ، إنما لو كان الشرع على قدر القوي لراح الضعيف .
وأنا إذ أقول متا سبق لا أزكي كل أعمال المسلمين، فالمسلمون مخلوقات مثل غيرهم فيهم المؤمن وغير المؤمن، وفيهم الفاجر، وفيهم الحكيم والأهوج والسفيه وذا الغفلة ، وفيهم العاقل وناقص العقل ، وفيهم القوي والضعيف، وفيهم المتدين وضعيف الدين، وفيهم من يريد الدنيا وفيهم من يريد الآخرة ، إذن فلا يمكن أن تزكي أعمال أمة من الأمم كلها أبدا.
والحقيقة أن معظم القواعد تم كسرها والخروج عليها فما حث عليه التشريع الإسلامي أو المسيحي وحتى ما حثت عليه القوانين الوضعية وما حست عليه حتى قواعد الوجود واستمرار الحياة يخالفه الواقع في وطننا وذلك نظرا لظهور فئات معينة من بين طوائف الشعب وفي كافة المجالات الدينية والاجتماعية والاقتصادية بمسمى جديد تم إلقاء صبغة التحصين على أقوالهم وأفعالهم بمقتض الحصانة الشخصية أو الرمزية .. كأن يكون رمزا دينياً لجمع أو لحزب أو لاقتصاد أو لسياسة .
والحقيقة أن هولاء يتمتعون بالفعل بحصانة شخصية باعتبارهم رموزاً فعلى سبيل المثال في النطاق والحيز الديني .. الكل لاحظ في الآونة الأخيرة مدى تعصب وتعنت بعض الرموز الدينية من الطرفين المسلم والمسيحي وما نتج عن ذلك التعصب من إحداث التوترات وعدم الاستقرار النفسية في بعض النفوس من الجانبين وافتآت كل طرف على الآخر بفتوى من هنا ورمية غير موفقة من هناك لفظاً أو حقيقة والضحية نهاية هو الفكر الأخضر الذي تحويه العقول الشابة وتنشأ عليه وتتشبع منه بصفوه وعكره، وكذلك أيضا مثل الرموز الاقتصادية وما يتمتعون به من حصانة تمكنهم من ارتكاب الخطأ الاقتصادي في حق الوطن دون عقاب والأمثلة في هذا المجال كثيرة ولكني لست بحاجة إلى ذكرها هنا منعا للتجريح والتأويلات .
والحقيقة ما أشد على الأوطان من غلو رموزها وثبات الضباب في عقول مفكريها وعلماءها وما افتك بالأوطان من أن تشيع فيها آفات الغلو وأن ينظر شخصاً طبيعيا أو اعتباريا إلى الناس من مكان عالٍ مرتفع ، يراهم أقل منه ، يحتقرهم ، بقول أو بفعل حتى يخرج من الهدى الصالح ويخرج غيره وتعم السيئة على الجميع في آخر الأمر .
و ما هي إلا آفة عندما يظن الإنسان أنه على صواب في كل شيء وأن رمزاً في مجاله محصناً يصعب محاسبته ولا تطوله يد العقاب من المجتمع في أخطاءه وحماقاته سوى اللوم والغضبة الوقتية التي تبدأ بكلمة وتنتهي بسكون ولا أظن انه توجد تزكية للنفوس وعدم المساواة أكثر من هذا ؟ .
والحقيقة أنني أرى في هولاء مذنبون في حق الوطن .. اللذين يظنون أنهم رموزا في مجالاتهم وفي حيزهم الذي يشغلونه يجب أن يحاسبوا على أخطاءهم وان تقف منهم سيادة الدولة موقف العقاب لكل من يخطيء على نحو يضر باستقرارها وأمانها في أي نطاق يخص الصالح العام سواء كان اجتماعيا أو دينياً أو ثقافياً أو سياسياً وأن ينأى المجتمع المصري عن فكرة التحصين للبعض على حساب الوطن ومواطنيه ..
وأتسـاءل نهايـة .. لماذا لا يحاسب هولاء الأشخاص وأن ينسب إلى كل من قصر في حق الوطن تقصيره ويؤاخذون بما أحدثوه وما اقترفته أيديهم التي أرادوا لها التحصين وساعدهم على حظر المساءلة في مواجهتهم ضعف القائمين على مشروعية العقوبة ضد الجناة .. فالأصل هو المساواة بين الجميع بل إن الأساس في كل القواعد التي أتت عليها الشرائع السماوية وكل القواعد التي أتت عليها القواعد البشرية هو أن يكون وطأة العقاب على العالم والقدوة بصورة أشد من عقاب المقتادين بـه إذا أخطأ خلافاً لغيره من العامة فما أشد خطاً وتدميراً من الفكرة الشاذة في أجيال خضراء .
بقلم/ محمد جلال عبدالرحمن

مشكور