خالد نور ..
بين نقطة التقاطع وبؤرة التفجير
[justify]حسنا .. تعالوا نـتأمل ملياً عنوان " خالد نور " في نصه الجديد الموسوم بـ " من دفتر وقائع الغربة " ، إذ ماذا ستستدعي " من دفتر " !؟ ألن تحيلنا إلى سجل طازج لليومي ، ونقصد به الذاكرة !؟ فيما ستذهب مفردة " وقائع " جهات أحداث بعينها ، ثمّ تأتي مُفردة " الغربة " لتقفل الدارة ، وسنتساءل إن كانت الشخصية المحورية ستنقل إلينا ذكرياتها عن الغربة كتجربة لا تتكرّر ؟!
ولأنّنا في حضرة القصّ ، وعملاً بما يقوله الروس ، أن ليس ثمة مشكلة في ما إذا أحب ساشا ماشا وتزوجها ، المشكلة - إذن - تكمن في زواج ساشا من ماشا وهو لا يُحبّها ، فالمُؤكّد أنّ تلك الذكريات لتن تكون بالأخيلة السارة !
على هذا سيكون خالد نور قد نجح في تخيّر عنوان مثير للتساؤل تحقيقاً للعبة التشويق ، التي يقوم أي عنوان عليها ، فكيف اشتغل نور على المتن !؟
وفي الأطروحي سيضع خالد نور يده على موضوع مُؤلم ، نحن عند القاع الاجتماعي في وجهه المُبتذل ، وحينما لا يقدّم لنا الوطن ما يقيم أودنا ، ويلجئنا إلى الرذيلة ، تكون غربتنا فيه مفهومة ، أن يعرف الزوج أو حتى الحبيب ، أن يعرف وفي حضرة منظومة ذهنية ذكوريّة مُهيمنة ، أنّ المرأة المناط به حمايتها تعيش الرذيلة بسبب الحاجة لا الرغبة ، يُلخص لنا غربة داخلية قاسية ، ويحيلنا إلى ذكاء في التناول ، ذلك أنّنا على نحو ما جنحنا إلى السفر خارج البلاد ، وقد تكون غربتنا داخل أوطاننا أقسى وأدهى وأمرّ !
صحيح أنّنا في مقام السرد المتكىء إلى الفعل الماضي ، وذلك في إحالاته جهات ضمير الغائب الشهير " هو " ، غير أنّ الكشف التدريجيّ - المحسوب بدقة - الذي اعتمده نور في بناء نصّه ، لم يتغلب على رتابة السرد المُفترضة فحسب ، بل بثّ توتراً درامياً في المتن ، وعلى الرغم من أنّ السرد يُحيل إلى التوصيف الخارجي ، إلاّ أنّ نور قدّمَ متنه بتوشيحاته النفسية المختلفة باقتدار !
التكثيف - الذي يتاخم مفهوم التبئير في الشعر - هو الآخر عنوان رئيس في نصّ نور , والموضوع يتجاوز مفهوم الضبط أو الاقتصاد اللغوي بهدف إبعاد شبح الترهل عن المتن ، هو يدخل في باب البيان بأبهى تجلياته ، فنور يريد أن يقول أكثر المعاني بأقل ما يُمكن من المُفردات !
ثمّ تهل الخواتيم ، نحن ما نزال أسرى لدهشتنا وقرفنا ربّما ، فلقد خاتلنا الرجل ، وقادنا ببراعة إلى موضوع مجتمعيّ في تبدّيه الاقتصادي وإحالاته السياسية من غير ضجيج أو شعارات ، تهل الخواتيم مع الإدهاش إذن ، إدهاش يقوم على الصادم والمُفارق ، ولولا هنات لغوية تناثرت هنا وهناك ، لتأتي لنور أن ينجز نصاً يتحقق له الانضواء على نقطة تقاطع وبؤرة تفجير بآن ، ما اقتضى التنويه !
_____________
* محمد باقي محمد : كاتب وأديب من سورية ، يسهم في الإشراف على قسم القصة في الموقع ..