[justify][justify]خارج المألوف والمعتاد تعالوا نشتغل على تفكيك مُفردات عنوان ، عبر صورته المُختزنة في ذاكرة رأته صوراً أو حقيقة ، إذ ما الذي سيرتسم في المخيلة وهي تتهجى مُفردة " لبنان " مثلاً !؟ ألن تتداعى صورة جبل وواد وبحر وشجرة أرز ومدينة بعينها في حيّز ضيق من الأرض ، ولكن جميل !؟
إذن تعالوا نتحرّى صورة لبنان كما رسمها الشاعر فاروق طوزو في قصيدة حملت العنوان ذاته ، ولنتفق أنّ العنوان على وضوحه الماتع يُخاتلنا في طرح صوره لا أسئلته ، لنُطابق بينها وبينه ، ونستنتج توفيقاً في تخيّر العنوان ، لا يتأتي عادة مع هذا الوضوح كلّه !
ولأنّ طوزو مُدرك بأنّ الشعر ينهض على الصورة أساساً ، تتابعت تلك دفاقة ، عبر ذاكرة لا ينقصها القدرة على التخيّل أو استعادة ما كانت قد اختزنته ، لتذكّرنا برأي مُثير للجدل ، كان أرنست فيشؤر قد قال به في كتابه الموسوم بـ ؟ ضرورة الفنّ " ، أنّ جوهر الفن يكمن في تحويل التجربة إلى ذكرى , والذكرى إلى تعبير فنيّ ، حسناً أليس هذا ما قام به طوزو ؟! ولكي لا نترك الكلام مُطلقاً على عواهنه ، سنتذكّر وصفه للمكان كـ :
" بين الجبلين وادٍ
به أشجار
مقهى وخمر و كؤوس
وجوه جميلة "
ذلك أنّ مقهى بهذه المُواصفات سيضمّ بين جنباته بشراً ، وسيحيلون إلى ذكر وأنثى ، وبين الذكر والأنثى طفل أو طفلة بالضرورة ، فينقلب المكان إلى حيّز يضجّ بالحياة والحيويّة ، فهل نلاحظ كم الإيحاء الهائل في هذه الصورة ! ألا تقوم على تكثيف كبير ، يذهب إلى أقل ما يُمكن من عبارات في تعبيرها عن أكثر ما يُمكن من معان !؟
ثمّة " قلب " يعمد إلى " النوم ليلاً " والقلب كجزء يُحيل إلى الكلّ أي إلى الإنسان ! ثمة " دنيا تستفيق صباحاً " في إشارة إلى استفاقة الكائنات ، ذلك أنّ الدنيا تذهب إلى التعبير عن الحياة إذ تضجّ صباحاً ، أي إلى البشر والحيوانات والحشرات والطيور .. إلخ ! وبالتأكيد سنمرّ بـ " امرأة تغفو على صدرها أوراق الشجر " تلك التي " خانها الخريف " ، وسنلاحظ ما في الصورتين من أنسنة للجامد عبر إكساب هذا الجانب صفات الكائن الأنسيّ !
ولأنّ الموضوع يقوم على الوصف ، فلن يتنامى توتر متواتر عن قصيدة النثر ، غير أنّ الانكسار الإنسانيّ لن يغيب عن هاجس طوزو ، فقلب الرجل ينام في الليل ، وهو يحلم بامرأة تنام على صدره راسمة على صدرها إشارة الصليب ، إذ ما دلالة الصليب هنا ، إن لم تش بالخوف والبحث عن الأمان ؟! ثمّ لماذا تخبىء المرأة تحت معطفها أزهار البساتين ، ولماذا يخون الخريف أوراق الشجر في مجاز بديع وشديد الدلالة !؟
عبر مُفردات قليلة توخيّاً لتكثيف ، يُتاخم مفهوم التبئير - كمفهوم مركزيّ في القصيدة - يرسم طوزو المكان ، إلاّ أنّه ليس مكاناً مُحايداً ، فهو فضاء شعريّ يندغم بمصائر شخوصه !
أمّا لغة فاروق فهي لغة تقوم على الإبدال ، فالخريف يخون ، وأوراق الشجر تغفو على صدر المرأة ، هو إبدال الجامد بالأنسيّ عبر صفاته كما ذكرنا آنفاً ، وهي تترسم الغريب من الصور في توخّي الجدّة والفرادة !
قد لا يكون الفيض الغنائيّ الدراميّ ضافياً ، بيد أنّ الأليف والأنيس يحضران بقوة ، وها هي الخواتيم تهلّ ببساطة ، قد لا يتأتى لها المدهش ، أي المُفارق والصادم ، بيد أنّ الدهشة لن تفارقنا ، ونحن نذهب إلى النهايات في سلاسة لافتة ، ولينجز فاروق قصيدة بسيطة وجميلة ، ما قد يقتضي التنويه !
[/justify][/justify]-----------------------------------
* نقلاً عن مركز النور
* محمد باقي محمد : كاتب وأديب من سورية
* نرفق القصية أسفله للإطلاع :
لبنان
فاروق طوزو
02/01/2011
قراءات: 117
إذا ما نام في ليلٍ ما قلبي
ونامتْ على صدرهِ امرأة
رسمتْ إشارة الصليبْ00
سوف تستفيق الدنيا صباحاً
على صوت فيروز !
* * *
امرأة ترتدي معطفاً مطرياً
تغفو على صدرها أوراق الشجر
التي خانها الخريف
تخبئ تحت معطفها أزهار البساتين
تقيها جنون الريح !
* * *
بين الجبلين وادٍ
به أشجار
مقهى وخمر و كؤوس
وجوه جميلة
هناك
يتساقط الثلج أبيضاً
والمطر يهطل صافياً
والحرف يخرج غناءً
انه لبنان