الملك حسين

"الملك حسين"
عاش طفولته يعدو ويلهو مع أقرانه طفلاً بريئاً يقضي نهاره في الشارع يلعب عسكر وحرامية يقوم بدور العسكري والبيت الذي يسكن فيه يقع خلف مركز الشرطة، ويجوب ليلاً في القصص الخرافية وقصص الأبطال وأبو زيد الهلالي، حتى حصل على دبلوم التجارة. رحل والده بعد رحلة طويلة مع المرض اللعين، فحمل حسين على عاتقه مسئولية الأسرة المكونة من أربع فتيات . فلم يجد بداً من إعادة فتح نصبة الشاي التي ورثها عن أبيه في سوق المدينة، ففكر في عمل مقاعد خشبية طويلة يجلس عليها الزبائن . ولم يكن لديه وقت ليحلم كأي شاب، ولكنه كان يكافح من أجل توفير القوت لتلك الأسرة المكلومة .
ظل حسين يقوم ليلاً حتى الساعات الأولى من الصباح يقوم بإعداد أكواب الشاي المضبوط وينام نهاراً حتى غروب الشمس. ازدادت شهرة حسين، فتوافد عليه الأطباء والصيادلة والمهندسون وسائقو الحنطور والكارو وبائعو الروبابيكية، اما ماسحو الأحذية فقد اعتبروا هذا المكان مرتعاً خصباً لعملهم. وحسين يرتدي جلباباً مفتوحاً حتى وسطه، وشبشباً في قدميه. الجميع يخطب وده واسمه يتردد على ألسنة الزبائن، فيسمع أحياناً ويتجاهل أحياناً، يعمل بمفرده في عمل الشاي وتوزيعه على المحلات المجاورة. وفي إحدى ليالي الصيف الحارة، وجد كاسيت في المتجر المقابل له فأستأذن من صاحب المتجر ليعطيه الكاسيت ليستمع إليه وهو يعد الشاي , وتعالى صوت الكاسيت "علي صوتك بالغنى، لسه الأماني ممكنة" ، "في الليلة يا سمرة" للبت "أم المريلة كحلي" التي لضمت "اسامينا الفلة جنب الياسمينا" ولأمه "حبيبته السمرا دي أميرة وطاهرة وصابرة" "دوامة الدنيا خدتني ورجعت أقول يا أماه أنا راجع زي زمان طفل في عين الأحزان" وسائلاً عن "يونس في بلاد الشوق يا ولد الهلالي" متحدياً "لياليك يا غروب" مسانداً "للعمارة". استمع حسين إلى الصوت الجميل والإيقاع السريع والكلمات الرنانة بإذنه اليسرى، وألقى أذنه اليمنى على حديث يدور بين الأستاذ منعم والحاج عرفة، فقال منعم: "الراجل اللي بيغني ده اسمه محمد منير، من أسوان، وصوته جميل، نابع من أعماق النيل وسماره لون طمي النيل بعد فيضانه"وقال الحاج عرفة "الجماهير في الحفلات يقولوا له الكبير كبير يا محمد يا منير، والملك" فرد منعم عليه "يا راجل ده فيه شبه كبير من حسين" طوله وسماره وشعره وتجاعيد وجهه". كانت الساعة تشير إلى الثالثة صباحاً، وبدأ حسين يلملم أدواته وعتاده، ووجد نفسه وحيداً في السوق، فاستلقى على ظهره في منتصف الشارع متأملاً السماء نجومها وكواكبها ، وبدأ يردد "سبحان الله سبحان الله"، وتذكر ما سمع عن محمد منير، وذهب إلى بيته وغط في نوم عميق حتى العصر. وذهب إلى عم عبد العال أشهر بائعي الصحف واشترى مجلات الإذاعة والتليفزيون والكواكب وأخبار النجوم باحثاً عن صورة لهذا الفنان ووجدها. ومكث طويلاً أمام التلفاز انتظاراً لقدومه حتى جاءت إحدى أغانيه، فدقق النظر في حركاته وملامح وجهه، فرحه وعبوسه، انخفاض الصوت وارتفاعه. وفجأة ً، علا الحزن وجه حسين لأن صوته غير جميل، فقرر أن يقلد محمد منير في ملبسه وحركاته وهمساته ولمساته. ارتدى قميصاً مفتوحاً وسلسلة وانسيال وبنطلون جينز، وكاب وسماعات ونظارة سوداء، يجري على المسرح ويحرك أصابعه وينظر لأفراد فرقته مداعباً، كل ذلك والدي جيه ينبعث من خلال ثناياه صوت محمد منير. وحسين يحرك شفتيه فقط بارزة ً أسنانه المميزة ، وصار حسين نجماً لامعاً في حفلات الزفاف والأفراح، ولا يكاد يخلو فرح من فقرة غناء حسين. وكان على موعد مع لقب جديد أطلق عليه في إحدى الأفراح بمدينة القصير في البحر الأحمر، حينما وقف ووضع المايك بالقرب من فمه والجماهير تتمايل مع كلمات الأغنية، وكلما انتهت الأغنية يطلبون أخرى، وهم يرددون "الملك حسين، الملك حسين" .

أسامة الشيخ
عضو رابطة الادب الاسلامي العالمية
سكرتير نادي الادب بقصر ثقافة قوص