وصية

[color=blue]

" وصية " عاطف الجندي..
خلود الوطني خارج المُناسبات
• محمد باقي محمد

ما معنى أن يسم شاعر قصيدته بـ " وصيّة " !؟ ولماذا يتوقع موته إن لم يكن يستشعره !؟ ثمّ متى يتوقع الإنسان حدثاً فادحاً كالموت إن لم يكن ثمّة سبب وجيه لموته هذا !؟ ألا يروم أن يقول لورثته أن هذه هي رغبتي الأخيرة قبل وفاتي ، وينبغي أن تعملوا على تحقيقها !؟
إنّ الكتاب والفنّانين هم أكثر الناس التصاقاً بفكرة الموت ، ربّما لأنّهم الأكثر وعياً لاحتكام الإنسان إلى قطبي الولادة والموت الإجباريَيْن ، وما الكتابة في أحد مُستوياتها إلاّ احتجاج لا شعوريّ على هذا الاحتكام ، لا سيما إذا وضعنا في الحسبان أنّ الإنسان لا يعي ولادته ، ولكنّه - بكلّ تأكيد - يعي أنّ موته قادم ، وإن كان انبناء النفس البشريّة على الأمل والإرجاء تجعله مشروعاً مُؤجّلاً على حتميّته ، على هذا فالكتابة في أحد وجوهها مُحاولة للتحصّل على خلود غير مُتاح مادياً ، ثمّ أنّ الشعراء دون بقيّة الكتاب والفنّانين مُطالبون بصياغة حساسيتنا للكون والحياة ، بهذا المعنى سنزعم بأنّ الشاعر عاطف الجنديّ - على نرجسيّته كشاعر - يذهب جهات الغيريّ في قصيدته الموسومة بـ " وصيّة " !
إنّ العلاقة بين أي عنوان وما يليه من متن تتجاوز علاقة التجاور إلى التمفصل والتعالق والتشابك الوظائفي ، فالأوّل وعبر إشارات سيميائيّة أو علامات يشي بفضاءات النصّ وعوالمه ، والثاني يشرح تفصيلات هذا العنوان ، ويؤّل علاماته عبر تفكيك خطابه المُعلن ، ليصل إلى مقولته المُضمرَة ، بهذا المعنى فإنّ العمل الفني يُشكّل كتلة مُتماسكة تستمد معناها من تشابك عناصره ، وبهذا المعنى - أيضاً - يكون الأستاذ الجندي قد نجح في اجتراح عتبة مُمهّدة لمتنه ، من غير أن يفضح أسرار هذا النصّ دفعة واحدة ، ذلك أنّه لوفعل ، إذن لقتل لعبة التشويق التي يقوم عليها ، وذلك بهدف توريط القارىء في قراءة المتن لاستجلاء كوامنه غير المُفصح عنها ، ناهيك عن غنى الكلمة في إفرادها بدلالات لا تحدّ ، ذلك أنّها لا تكون قد أدرجت في سياق يُكسبها معنى مُحدّداً بعد !
وفي الأطروحي سنقع على الروح الشعبيّة في تمتلّها لتجارب لحياة ، ثمّ صياغتها على شكل حكم أو أمثال ، إذْ ها هو الأب يوصي الشخصيّة المحوريّة بأن يكون " كلامه حديقة أو بندقيّة " ، فالكلم الطيب دواء ، شريطة ألاّ يُخالطها الرياء ، ربّما لأنّنا مُطالبون بأن نكون مُستقيمين استقامة رمح ، وأن تكون الحقيقة ديناً آخر لنا ، ويتابع الأب وصاياه ، فيطلب من ابنه أن يكون بسيطاً - على ألاّ يكون ساذجاً " واختر طريقك ، لا تكن بين بين .. ولا تكن في السيرك ممسوخ الهوية " - وواضحاً - أي صاحب موقف - لهذا راح الآخرون يطعنونها في الظهر ، فمَن بهية هذه !؟ أهي امرأة الشخصيّة لمحوريّة ، أم أنّها ذلك المجاز الجميل في التعبير عن مصر البهية !؟ ولا نظنّ بأنّنا مُحتاجون إلى ترجيح كفّة المجاز الثاني، ناهيك عن أن لا إشكال في الجمع بين المجازيْن ، ولأنّها تعرف طبيعة الحياة في تناقضها ، ولأنّها تعرف طبيعة البشر المحكومين بالنقص ، فهي لا تأبه للآخرين ، ذلك أنّ القضيّة حينما تمسّ الوطن ، ترى بأن لا طريق آخر ، فمُواجهة قوى الظلم والعدوان أكثر من واجب ، ولأنّ الأشجار تموت واقفة على حد تعبير أليخاندرو كا سونا ، فالشخصيّة المحورية ستسشهد من غير أن يرفّ لها جفن ، طالما أنّ كرامة الوطن ستظل مُصانة ، ولا نظنّ بأنّنا سنُضيف جديداً إذا أشرنا إلى امّحاء المسافة بين الذات الكاتبة وشخصيّتها المحوريّة في النصّ !
هكذا نصوص إذ تتمثل الروح الشعبيّة في بساطتها وعمقها بآن ، ستختار لغة واضحة .. بعيدة عن وحشيّ الكلام ، وقد تلجأ إلى تفصيح العاميّ ، غير أنّ مفهوم الشعر - كمبنى يقوم على الصورة والتخييل – سيكون غير قابل للتفريط به ، لهذا تتالت الصور لتحوّل الكلام إلى " حديقة " أو بندقيّة " ، فيما تحوّلت الحياة إلى " سيرك " ، وتمثلَ الوطن بامرأة في اكتمال أنوثتها وبهائها ودلالها ، هذا إذا تجاهلنا لقب مصر بـ " البهية " ، واستشهد الرجل " واقفاً " بصلابة النخل ، حين أحسّ بأنّ الوطن يتعرّض للخطر! هي صور بسيطة .. نعم ، ولكنّها تعكس روح الشعب في موقفه من الوطن عبر آلاف السنين ، وإذن فلقد تحقق للجندي أن يجمع المبنى إلى المعنى ، فالشعر - عند العرب - ذو معنى ، وهو - هنا - ذو معنى عميق !
نحن في حضرة السهل والبسيط من بحور الشعر إذن ، ليتناغم المبنى مع المعنى ، وليُحقق غنائة رمزيّة عالية ، فالقصيدة مبنيّة على تتالي تفعيلات بحر الكامل وجوازاته ، ثمّ أنّ مفهوم التكثيف حاضر في النصّ بقوّة ، ليُتاخم بذلك مفهوم التبئير ، إن لم يلجه بوضوح ! ليس ثمّة ترهّل أو إنشاء زائد لا يُطيقه الشعر أساساً ، بل لغة مُنضبطة مشغولة بدلالة اقتصاد لغويّ صارم ، هذا مع الحفاظ على المُجنّح ذي الأفياء والظلال والتوريات ، تلك التي لا يستغني الشعر عنها ، ولذلك توارت العتبة التي يُشتغَل عليها الشعراء - عادة - في قصيدة التفعيلة ، واقتصد في صوره ، فحذف من التشبيه مثلاً أداة الشبه ووجه التشبيه ، ربّما ليُكره قارئه على إعمال ذهنه ، ناهيك عن الضبط مبنى ومعنى ، والحفاظ على قافية تتكرّر كلازمة عبر التاء المربوطة المسبوقة بياء مُشدّدة للتوكيد ربّما ! أمّا كيف تخلص الجندي من الوطنيّ المُتلازم بمُناسبة ، تموت القصيدة بانتهائها ، كيف قونن قصيدته ، لتأتي على الخالد في موقفنا من الوطن ، فهذا يدخل في باب الذكاء في التناول ، ثمّ هي ذي الخواتيم تهلّ مُحققة قفلة تقوم على الإدهاش ، والغريب أنّ هذا الإدهاش يحقق الصدم في كشف وتنوير ، من غير أن تكون ثمة بدائل لموقف الشخصيّة المحورية في الذهن ، فما مُناسبة مثل هذه القصيدة الآن !؟
لقد أكرهت ظروف مصر الطبيعيّة والبشرية والاقتصاديّة و- بالتالي - السياسيّة أن تلج العولمة قبل غيرها من الأقطار العربيّة ، تلك العولمة التي أتت على مفاهيم كنّا قد تربّينا عليها ، من مثل السيادة الوطنيّة ، وحق الشعوب في تقرير مصيرها ، أو استثمار ثرواتها دونما نهب من الآخر ، وهي مفاهيم تهتز اليوم في ظلّ تلكم العولمة العاتية ، والتي يصعب الوقوف في وجهها ، ذلك أنّها معركة الكل للحفاظ على الهُويّة الوطنيّة ، في عالم ذي قطب واحد ، راح يُعيد تشكيله وفق مصلحته !
لقد غنى الرجل ، فأشجى وأطرب وأقنع ، من غير أن ينسى نفسه للاسترسال ، ربّما لأنّه أدرك أنّ الحفاظ على توهّج اللحظة الشعرية وألقها لايتأتى مع الإطالة ، ما اقتضى التنويه !

[quote="د /صلاح طاهر"][color=blue][/quote]

أخي الغالي د صلاح
شكرا لك ايها البارع
و تحية لك و لقراءتك الجميلة للقصيدة
دمت بود
أخوك

حين قرأت القصيدة مرة أخري أحببت أن أشير إلي سيطرة فعل الأمر عليها :

اجعل .....اختر .....

و النهي : لا تكن



و هذه الأفعال المناسبة لكونها وصية و تحريض علي الفعل
و هكذا نجد ان القصيدة متناسقة و متكاملة حيث كل جزء منها مناسب للأجزاء الأخري و مناسب للمضمون الفكري التحريضي الذي قصد إليه الشاعر

إذا نحن أمام رائعة شعرية منسجمة و غير متناقضة في أي لمحة منها

و السلام ختام

و لي عودة

بإذن الله

تحياتي

عندما أقرأ قصيدة بالفصحي ولم أجد معاناة فى قراءتها او فهمها

واضافة الى ذلك اجدني مستمتع اكون سعيد جدا لاني مقتنع ان الشعر

يُكتب كي يُقرأ وهو أيضا للمتعة الروحية والعقلية وانا هنا وجدت كل

ما ابحث عنه الشعر والسلاسة والمتعة والفكرة الجيدة

هذا النص يؤكد شعريتك وثوريتك

فانت شاعر ثائر

أو ثورة شاعر

دمت ثائر

م/عطية شواش كتب:

هل ممكن ان يصبح من المعقول ان تصبح الجرائم

محترمه بقوه الإستمرار ؟؟؟؟

تري لو تمسكنا بالنصيحه

أكان الحال سيتغير كثيرآ ؟؟

ام هكذا الطاعنون يحكمون علي طول التاريخ ؟؟

والشاعر هنا من وجهه نظري ليس في حاجه الي تسجيل الإسطوره الحكائيه بشكل فوتغرافي دقيق ليقنع القارئ الغير مدرب بالمباشره او بواقعيه مايكتب

بل دخل مباشره ومن اول جمله في النص الي نطاق التصوير الرمزي الذي يخلق تجربه واحده بمستويات مختلفه من المعاني وخلق حاله من الشعور في عده مستويات

قبل الكلام واثناء الكلام وبعد الكلام حتي نصل ببعض الجهد

الي مرحله من الإغراق الكامل بالمعني الذي يقصده الشاعر فليس دور الشعر هو الفعل بل التحريض علي الفعل

بكافه مستويات الإدراك لدي المتلقي ومن ثم انه

لا يبرأ نفسه من التبعه

وقد يتسا~ل البعض لماذا نقر الإسطوره في الأدب

وان نتخذها رمزآ أحيانا بعيدا عن الضروره الفنيه

لذلك ... هل نتيجه لغياب الحريات نحن نقر

حضور الفرد في الإبداع كرد فعل لغيابه في الواقع ؟؟ ... ربما ولاكن بشكل افتراضي لأن الإسطوره لها منطق خاص بهالا تخضع لحساب الزمان والمكان ومن ثم هي دائمآ

ملاذآ ضد أي لوم... ايضآ عندما تقترب من التشخيص

والتجسيد فإنك بذلك تبعد عن التحليل او التقريريه التي من شأنها أن تورطك في مناقشه الاسباب

والمتسبب فياخذك ذلك الي شرك الإفصاح وليس هكذا يكون الشعر الفصيح

إننا نواجه مبدع حاد الذكاء حده الشفره حيث تقطع

بعمق وسرعه بحيث لا نشعر بالألم لأول وهله لاكنا

ننزف وبشده بعد ان يكون المبدع قد ابتعد

الي مسافه آمنه داخل نصيحه ما يخصه

فقط اي ابيه تاركنا لتأمل أبائنا

وهكذا ..... نزفت

أخى عطية
شكرا لمرورك الجميل و لنقدك الراقي
سعيد بكلامك و لتحليلك الجميل
دمت بود