انتصار السادس من أكتوبر 1973 العاشر من رمضان 1393 هجرية سيظل محفورا بآيات من نور فى ذاكرة التاريخ لأنه قلب موازين الكثير من الخطط العسكرية فالجندى المصرى سطر بطولات عظيمة خلال معارك أكتوبر أذهلت العالم .. ولاعجب فى ذلك فرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام أوصوا بمصر خيرا لأن جندها خير أجناد الأرض .
كما سجل التاريخ شهادات القادة عن براعة ومهارة وكفاءة وعظمة الجندى المصرى فالمارشال الفرنسى مارمون قال بعد توليته قيادة الحلفاء فى حرب القرم :
لاترسلوا لى فرقة تركية بل أرسلوا لى كتيبة مصرية .
وقال البارون بوالكونت بعد أن أذهلته معارك الجيش المصرى فى سوريا عام 1832 :
إن المصريين هم خير من رأيت من الجنود
وقال نابليون بونابرت :
لو كان عندى نصف هذا الجيش المصرى لغزوت العالم
وقال المارشال سيمور قائد البحرية الإنجليزية أثناء ضرب الإسكندرية ومعقبا على سرعة المدفعية فى الرد من الفتحات التى تم تدميرها : رائع أيها المقاتل المصرى .
وقال نابليون الثالث بعد حرب المكسيك :
قبل أن تصل الكتيبة المصرية إلى المكسيك لم نحظ بانتصار واحد وبعد أن وصلت لم نمن بهزيمة واحدة
واللورد كنتشر قال بعد انتصاره فى جنوب أفريقيا :
ماأكثر المآزق الحرجة التى وجدت نفسى فيها أثناء القتال ولكنى كثيرا مافكرت وأنا فى المآزق فى شجعانى المصريين وتمنيت أن يكونوا فى جانبى
وفى السادس عشر من شهر أكتوبر 1973 قالت التايمز :
(لقد برهن المصريون على مقدرة جنودهم على القتال وقدرة ضباطهم على القيادة وقدرتهم على أستخدام أحدث الأسلحة
من جنود مصر البواسل الذين أدوا مهامهم بدرجة كفاءة عالية خلال معارك أكتوبر 1973 البطل محمد إبراهيم عبد المنعم المصرى الشهير بـمحمد المصرى الذى دمر 27 دبابة إسرائيلية بثلاثين صاروخا وهو الرقم القياسى العالمى فالرقم المسجل من قبل كان لأحد الجنود الروس خلال الحرب العالمية الثانية حيث دمر 7 دبابات للعدو ولذلك أقيم له تمثال بالميدان الأحمر بموسكو كأحد الأبطال العظام
و البطل محمد المصرى من مواليد الأول من يونيو عام 1948 بقرية شنبارة منقلا مركز ديرب نجم بمحافظة الشرقية وهو أكبر إخوانه وأخواته صلاح ولوزة وعبد الرحمن والسيد و سمية و المصرى و طه وأحمد
التحق الطفل الصغير محمد بكتاب الشيخ أبو وردة بالقرية ثم كتاب الشيخ عبد الحليم فتعلم القراءة والكتابة وحفظ الكثير من سور القرأن الكريم ثم التحق بمدرسة القرية الإبتدائية وأعجب به الأستاذ عبد الهادى الصعيدى ناظر المدرسة وكذلك أساتذته عبد الهادى وفهمى عبد العظيم و سيد الطوخى ومحمد عبد الحميد فليفل نظرا لتفوقه فى الدراسة كما لاحظوا حبه وعشقه لمصر من خلال نظراته الدائمة نحو علم مصر أثناء تحية العلم فى طابور الصباح .
كان محمد يذهب كل يوم أحد بعد انقضاء اليوم الدراسى إلى سوق الأحد .. وهو السوق الأسبوعى لمركز ديرب نجم والبلاد المجاورة .
كان يذهب إلى والده وجده فهما من الترزية البلدى ومعظم زبائنهما من رواد السوق وكان جده يعطيه قرش صاغ ليأكل به فيقول محمد :
وأنت ياجدى ؟
فيقول الجد :
كلنا سوف نأكل مع أمك وأخوانك فى البيت عندما نرجع
من هنا تعلم محمد معنى الإيثار .
فى عام 1957 توفى والد محمد عن عمر يناهز 28 سنة وأثناء تشييع الجنازة كان محمد فى المدرسة وعندما مرت الجنازة من أمام المدرسة نظر من الشباك لإلقاء نظرة الوداع على والده فإذا بمدرس الفصل فتحي عيد يصفعه على وجه طالبا منه الجلوس على الدكة .
صاح التلاميذ بقولهم :
يا أستاذ فتحي هذه جنازة والد محمد ..
بعد انتهاء اليوم الدراسي ذهب محمد إلى المنزل وأخذ أخوانه وقفوا مع رجال العائلة لتلقي العزاء وفي صباح اليوم التالي ذهب محمد إلى المدرسة وفي طابور الصباح بفناء المدرسة نادى الأستاذ فتحي على محمد ثم :
سامحني يا محمد فأنا منذ الأمس لم أذق طعم النوم ويدي التي ضربتك لا أستطيع تحريكها
فقال محمد بعفوية و براءة الأطفال :
أنا مسامح ياأستاذ .
توالت الأيام مع رعاية الأستاذ لتلميذه انطلاقا من أدبه الجم و تفوقه الدراسي .
ذات مساء قال محمد لجده - والد والده - :
يا جدي أنا أناديك ياوالدى وأقول لأبي أيضا يا والدي فما معنى ذلك ؟
تبسم الجد وقال :
يا محمد لقد رزقني الله من الأولاد بــ 13 ولدا و بنتا ولكن كل واحد كان يعيش لعمر 13 سنة ثم يتوفاه الله ولكن الوحيد الذي عاش حتي 14 سنة هو والدك ولذا حرصت على زواجه مبكرا من ابنة عمه وفي ليلة الزفاف تناسوا اطفاء الشموع فشب حريق بالمنزل ولكن عناية الله حفظت المنزل بمن فيه .
من عادة أهل الريف عند وفاة الزوج وحفاظا على الأولاد و الأسرة ولعدة اعتبارات أخرى تقوم الأسرة بتزويج أرملة المتوفى من أخيه الذي على قيد الحياة و الموجود بمنزل العائلة و لذا تزوجت أم محمد من السعيد عبد المنعم المصري ورزقهما الله من الأولاد بالمصري و طه و أحمد .
بعد حصول محمد على الشهادة الابتدائية التحق بمدرسة يحيى الإعدادية بديرب نجم ولكن لم تكن طفولته مثل بقية الأطفال حيث اللعب و المرح و اللهو البرئ فطفولته لم تعرف النعومة
في عام 1963 حصل محمد على الشهادة الإعدادية وفي عام 1967 كان طالبا بالسنة الثالثة الثانوية بمدرسة ديرب نجم وتم تأجيل الامتحانات لمدة أسبوعين بسبب اندلاع حرب الخامس من يونيو 1967
بعد وصوله على الثانوية حاول التطوع فى القوات المسلحة ولكن لم يوفق
في الرابع و العشرين من شهر سبتمبر عام 1969 تم تجنيده بالقوات المسلحة وجاء توزيعه على سلاح الصاعقة و بعد مرور نصف شهر تعرض لموقف مازال بذاكرته ففي أثناء الخدمة التي تسبق الفجر كان بجواره أحد الجنود من رفقاء السلاح فإذا بآذان الفجر وهنا أندهش هذا الجندي عندما سمع الآذان وقال لمحمد :
هل يوجد آذان للصلاة في هذا الوقت ؟ ف
قال محمد :
يا سبحان الله .. كل الديانات تعلم أن في هذا الوقت آذانا للفجر .. وهنا ثم قص ذلك الجندي لمحمد قصته ومفادها أنه وحيد والديه وولده ميسور الحال وبالتالي كان مدللا و يسهر كثيرا ثم ينام و الوقت الذي يستيقظ فيه هو الصبح بالنسبة له و يصلى كل الصلوات عدا الفجر .. ولكن الخدمة العسكرية جعلت منه شابا غاية في الالتزام و الانضباط .. و حقا بناء الإنسان أصعب من بناء العمارات .
توالت تدريبات الصاعقة وفى إحدى التدريبات لاينسى محمد ذلك الموقف الذى تعرض له مع مجموعة من الزملاء عددهم تجاوز 75 جنديا فخلال التدريبات والزحف ليلا أصيب الكثير منهم بالدوسنتاريا فإذا بهم يقابلون بعض النباتات الخضراء فقال أحد الجنود :
هذه حلبة خضراء فأكلوا منها ومع أول ضوء للفجر اكتشفوا أن ماأكلوه ماهو إلا نبات البرسيم فتعجبوا ولكن زاد تعجبهم عندما شفيوا تماما من الدوسنتاريا .
في عام 1969 حصل محمد على فرقة الصاعقة وجاء ترتيبه الأول على الدفعة ثم تدرب مع زملائه على صواريخ جرادبي وتم حل فوج الصواريخ التابع لسلاح الصاعقة وإلحاقه بسلاح المظلات وبالتالي كان تشكيل كتائب الفهد .. الصواريخ المضادة للدبابات .
في عام 1970 توفيت أم محمد وبقيت كلماتها ( خليك راجل يامحمد ) في ذاكرته .
البطل محمد أستوعب مع رفاقه الأبطال التدريبات العسكرية بصورة ممتازة وخاصة بعد قرار الرئيس السادات بطرد الخبراء الروس .. فالصاروخ يمر بمراحل هى :
1 ـ زمن تجهيزه
2 ـ زمن مروره
3 ـ تدميره للهدف
هذه المراحل تحتاج إلى 100 ثانية وللوصول لذلك قال الخبراء الروس :
إن الجندي المصري يحتاج لعشرات السنين
ولكن الجندي المصري أختصر هذه المدة إلى أربعين ثانية فقط
يرى البطل محمد المصري أن قرار طرد الخبراء الروس يعد أحتراما للعقلية المصرية بصفة عامة والعسكرية بصفة خاصة .
بعد نكسة 1967 قامت إسرائيل ببناء خط بارليف الحصين لأجل تأمينها والاحتفاظ بالأرض المصرية التى احتلتها هذا بالإضافة إلى الساتر الترابي وخراطيم النابالم الموضوعة بقناة السويس والتي تحول سطح المياه إلى كتل من لهب النيران الحارقة مما دفع إلى غرور إسرائيل وقادتها فقد قال موشي ديان وزير الدفاع الإسرائيلي :
إن هذا الخط سيكون الصخرة التي تتحطم عليها عظام المصريين وسيكون مقبرة الجيش المصري
وقالت جولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل :
إن تصور عبور القوات المصرية إلى الضفة الشرقية يعد إهانة للذكاء .
ولكن الإنسان المصري يرفض الذل والهوان .. وكان قرار العبور العظيم في السادس من أكتوبر 1973 العاشر من رمضان 1393 هـ
كان البطل محمد المصرى ضمن موجات العبور الأولى وبعد التمهيد النيرانى وعودة طائرتنا بعد تنفيذ مهامها بنجاح أستشعر أن الله تعالى سوف يكلل كفاح وجهاد مصر بالنصر لكنما راودته مسحة من الخوف ليس من لقاء القوات الإسرائيلية بل من عدم النجاح فى توصيل صواريخه للأهداف التى صنعت من أجلها
تبددت مسحة الخوف بمجرد أن وصوله إلى أرض سيناء لأول مرة فى حياته فنظر بجواره فشاهد قائد الكتيبة البطل صلاح حواش فى وضع السجود على رمال سيناء فقال له :
ماذا بك ياأفندم ؟
فقال :
أسجد لله تعالى لله لاشكره .. فهذه أرضنا الحبيبة
هذا المشهد رفع من الروح المعنوية للبطل محمد المصرى .
بدأت مهمة البطل محمد المصرى على جبهة القتال وهى قطع الطريق على الدبابات الإسرائيلية فهو الكمين للقوات الإسرائيلية فالموقع الذى يتواجد به لاتوجد احتمالات للإصابة أما الحياة أو الشهادة وبعد أداء مهمته يعود محمد لمكان التمركز .
خلال تواجد البطل محمد المصرى بوادى النخيل وبعد هدوء القتال وفى الساعة الثالثة صباحا تسلق زميله الجندى شفيق فخرى سوريال إحدى أشجار النخيل للحصول على التمر وما إن وصل وصوله الى مكان البلح ( عمة النخلة ) سمع البطل محمد المصرى أصوات طلقات الرصاص وطارت عمة النخلة فى الهواء ثم سقطت على الأرض فأيقن إستشاهد شفيق
زحف نحوه فوجد نصف خوذته على رأسه والنصف الآخر غير موجود مع نوم شفيق على الأرض ووجهه فى إتجاه السماء رافعا سباطة البلح لأعلى .
قال البطل محمد : ماذا بك ياشفيق ؟
قال : أنا بخير ولاتخف فالبلح لم يمسه التراب .
يوم السابع من أكتوبر 1973 الحادى عشر من رمضان 1393 كانت المواجهة الأولى بين البطل محمد المصرى وبين الدبابات الإسرائيلية ففى الساعة التاسعة صباحا وبوادى النخيل وفى أقل من الزمن المطلوب أطلق صاروخه نحو دبابة إسرائيلية معادية فتحولت إلى كومة من النيران فقال قائده البطل صلاح حواش : مسطرة يامصرى .. بمعنى : أن خط المرور من القاعدة إلى الدبابة كالخط المستقيم لاعوج فيه .
فى هذا اليوم بلغ عدد الدبابات التى دمرها البطل محمد المصرى 4 دبابات وأصدرت القيادة المصرية 5 بلاغات رسمية من رقم 9 إلى 13 وأذيع الأول فى الساعة السابعة صباحا والأخير فى الساعة الحادية عشرة وعشر دقائق ليلا وشملت خسائر القوات الإسرائيلية 30 طائرة و 32 دبابة عدا الدبابات والعربات المدرعة التى تركتها بالإضافة إلى الخسائر فى الأفراد .
فى الساعات الأولى لصباح يوم التاسع من أكتوبر 1973 الثالث عشر من شهر رمضان 1393 اجتمعت داخل شعور البطل محمد المصرى مشاعر متناقضة فبعد اشتباكه مع القوات الإسرائيلية وتدميره للدبابات وأسر الكثير من الإسرائيليين كانت فرحته مع قائده البطل صلاح حواش وبعد هدوء المعارك أحضر القائد زمزمية الماء لرى ظمأ جنوده الأبطال وحرص كل بطل على شرب زميله أولا وبمجرد قيام القائد البطل المقدم صلاح حواش بإعطاء الزمزمية إلى البطل محمد المصرى إذ به يسقط على الأرض فزحف نحوه البطل محمد وعند وصل عنده وجده مصابا بدانة إسرائيلية ثم قال للبطل محمد : مصر أمانة بين أيديكم يامصرى .. ثم صعدت روحه إلى بارئها .
اهتز البطل محمد المصرى ولكن سرعان ماتمالك نفسه فعمله يعتمد على الفكر والهدوء .. نعم فالعمل الذهنى يعد من أصعب الأعمال
جلس البطل محمد المصرى على رمال سيناء الحبيبة يخط مابمخيلته فإذا باثنين من الجنود المصريين أمامه ثم طلبا منه التوجه معهما إلى مركز قيادة المعركة بالفرقة الثانية لمقابلة البطل العميد حسن أبو سعده فذهب معهما بعد أن أذن له قائده الذى تولى القيادة خلفا للبطل الشهيد صلاح حواش وعندما وصل لمقر القيادة قال له البطل العميد حسن أبو سعده : أهلا يابطل .. أنا طلبتك تلبية لرغبة هذا ..
فقال البطل محمد المصرى : من هو ياأفندم ؟
قال : هو عساف ياجورى قائد اللواء 190 مدرع الإسرائيلى فبعد وقوعه فى الاسر طلب كوب ماء ورؤية الجندى الذى دمر دبابته وقد أعطيته كوب الماء وهاأنت أمامه
ظل عساف يتأمل ويتحفص البطل محمد المصرى لمدة طويلة ثم سأله عن كيفية تدميره للدبابات بهذه المهارة ثم طلب من البطل محمد المصرى مد يده التى تدمر الدبابات لتقبيلها ولكن البطل محمد المصرى رفض .
قال البطل محمد المصرى : الحمد لله .. لقد أخذت بثأر قائدى البطل الشهيد صلاح حواش وثأر الشهداء الأبرار
فى هذا اليوم بلغ عدد الدبابات التى دمرها البطل محمد المصرى 6 دبابات
فى التاسع من أكتوبر 1973 أصدرت القيادة المصرية 5 بلاغات عسكرية أذيع أولها فى الساعة العاشرة و ( 23 ) دقيقة صباحا وأذيع الأخير فى الساعة الخامسة و ( 32 ) دقيقة ليلا وتضمنت البلاغات حصول القوات المصرية على الشاطىء الشرقى للقناة بالكامل وتدمير اللواء 190 مدرع الإسرائيلى وأسر قائده عساف ياجورى وتدمير 102 دبابة إسرائيلية
فى الثانى عشر من أكتوبر 1973 تلقى البطل محمد المصرى الأوامر باحتلال إحدى التبات والاشتباك مع القوات الإسرائيلية وبالفعل تمكن من تدمير 6 دبابات أخرى .
فى الرابع عشر من أكتوبر قام البطل بتدمير 10 دبابات أخرى وأصدرت القيادة المصرية 4 بلاغات عسكرية أذيع أولها فى الساعة الواحدة و ( 55 ) دقيقة صباحا وأذيع البيان الأخير وهو برقم 39 فى العاشرة مساء .. وبعد مصرع (إبراهام مندلر القائد العام للمدرعات الإسرائيلية ألقى وزير الدفاع الإسرائيلى بيانا جاء فيه :
إن إسرائيل تخوض الآن حربا لم تحارب مثلها من قبل وهى حرب صعبة ومعارك المدرعات فيها قاسية والمعارك الجوية مريرة وهى حرب ثقيلة بأيامها وثقيلة بدمائها
بعد قرار وقف إطلاق النار سمح الملازم أول فتحي خالد طه الذي تولى القيادة خلفا للبطل للشهيد صلاح حواش بزيارة البطل محمد المصرى لأهله ولمدة ساعات وما إن لقريتة وجد إشاعة استشهاده تسبقه ولذا عندما وصل خرجت القرية عن بكرة أبيها تستقبله فى فرح وسرور
بعد أن مكث البطل محمد المصرى بعض الوقت مع أسرته وأهالى القرية عاد إلى الزقازيق عاصمة محافظة الشرقية ليستقل أتوبيس العودة لموقعه ومواصلة جهاده و كفاحه و لكنه وجد موقف أتوبيسات أبو خليل خاليا من السيارات و مزدحما بالجنود فتحدث مع مسئول الموقف للتوصل إلى حل ثم قصد منزل مدير فرع الشركة فأستقبله الرجل بترحاب وتفهم الموقف وهبط من المنزل وذهب إلى موقف الأتوبيسات وجمع كل السائقين من منازلهم و أمرهم بتوصيل الأبطال إلى أقرب مكان لمواقعهم
وصل البطل محمد المصري إلى موقعه بابي سلطان ثم صدرت أوامر العميد محمد عبد الحليم أبو غزالة قائد مدفعية الجيش الثاني بتحرك البطل ورفاقه إلى منطقة الثغرة ،ثم صدرت أوامر أخرى بالتحرك إلى منطقة الجفرة بالجيش الثالث الميداني تحت قيادة اللواء عبد المنعم واصل و بعد تجميع كتائب اللواء 128 مظلات تم أختيار 3 من اكفأ موجهي الصواريخ وكان البطل محمد المصري من بينهم .. فقد تواجدت 3 دبابات إسرائيلية فى وضع مستتر خلف إحدي التبات وكانت تطلق طلقات طائشة في أي وقت وفي كل اتجاه برغم وقف إطلاق النار .. ولكن إسرائيل لاتحترم القرارات و القوانين .
تقدم الضارب الأول وأطلق صاروخه على الدبابة الأولي فتحولت إلي كومة من النيران وأطلق الضارب الثاني صاروخه نحو الدبابة الثانية ففرت هاربة بعد إصابتها وجاء دور البطل ( محمد المصري ) و لكن الدبابة التي كانت من نصيبه تخندقت فلم يظهر منها إلا فتحة الماسورة أما برجها فحر الحركة ، و لكن البطل ظل مرابطا لها علي مدار 36 ساعة بلا نوم أو طعام أو شراب لأنه استشعر بان هناك رباط من نوع خاص بينه و بين هذه الدبابة ، و بمجرد ظهور ثلث ماسورة الدبابة قام بإطلاق صاروخه على فوهة الماسورة فانفجرت فهلل الجنود و صاحوا ( الله اكبر ) ابتهاجا و احتفالا بتدمير الدبابة و كفاءة أداء ابن مصر البطل محمد المصري وبعد نصف ساعة حضر للموقع البطل ( عبد المنعم واصل ) وقدم تهنئته للبطل وأعطاه 10 جنيهات مكافأة له وقال له : والله يا بطل ما في جيبي غيرها ، ثم احتضنه .. فاهتز البطل لهذا الموقف النبيل .
ويرى البطل محمد المصري أن الجندي في المعركة كالقاض علي منصة القضاء فالقاضي لارقيب عليه إلا الله تعالي وضميره ولذا كان البطل حريصا علي توصيل الصاروخ إلى الهدف الذي صنع من اجله لأنه يعلم أن ثمن الصاروخ من قوت الشعب المصري فإذا لم يصل الصاروخ إلى الهدف انعدم الضمير وإذا لم يستشعر لذة العمل فلن يصل إلى الناس فالمعركة روح وضمير ولذلك دخل البطل محمد المصري التاريخ من اشرف الأبواب .. فهو صاحب الرقم القياسي العالمي في تدمير الدبابات وهو أيضا صاحب أعلى معدلات الأداء فبثلاثين صاروخا دمر 27 دبابة إسرائيلية منها دبابة عساف ياجوري قائد اللواء 190 مدرع إسرائيلي .
ولأن البطولة التزام فقد قام البطل محمد المصري بإتمام زفاف أخوانه وأخواته وآثرهم علي نفسه .
أما أسباب عدم إلقاء الضوء علي انجازات البطل ( محمد المصري ) بعد انتهاء معارك 1973 مباشرة وعدم تكريمه ضمن الأبطال المكرمين خلال الجلسة التاريخية بمجلس الشعب يوم الثامن عشر من شهر فبراير عام 1974 فذلك يرجع إلي :
ـ أن البطل ( محمد المصري ) لم يكن من صلب تشكيل الفرقة الثانية بل كان احتياطيا ( م . د ) للواء 120 مشاه
ـ تنقل البطل من الفرقة الثانية إلى منطقة ( أبو سلطان ) بناء علي أوامر من العميد ( محمد عبد الحليم أبو غزالة ) وبالتالي كان ضيفا علي المكان .
ـ كان البطل من صلب تشكيل اللواء 128 مظلات وهذا اللواء معظمه لم يدخل الحرب علي الجبهة فالفصيلة الثانية من السرية الثانية من الكتيبة 41 فهد هي التي اشتركت في القتال علي الجبهة .. وهي فصيلة البطل أما بقية أفراد اللواء 128 مظلات تم تكليفهم بحماية منطقة قنا وتأمين السد العالي ولذا أطلق عليه اللواء قناوي
ـ استشهاد المقدم صلاح حواش القائد المباشر للبطل محمد المصري .
ولكن بعد حصر انجازات البطل من قبل الجهات المعنية تم تكريمه حيث طلب الرئيس محمد أنور السادات من المشير أحمد إسماعيل وزير الحربية الحضور بصحبة البطل محمد المصري إلي منزله بالجيزة .. وفي الموعد المحدد كان البطل مع وزير الحربية بمنزل الرئيس السادات ، وصافحه الرئيس السادات ثم احتضنه وقال له : انت زعلان يامحمد لعدم تكريمك في الجلسة التاريخية لمجلس الشعب ؟ فقال البطل : لا ياافندم فأنا أديت واجبي نحو وطني في فترة من فترات عمري ويكفيني فخرا أن سعادتك تستقبلني في بيتك وهذا شرف لي .
فقال الرئيس السادات : إذا لم تكن الدولة قد كرمت في مجلس الشعب فانا أكرمك في بيتي .
ثم قام الرئيس السادات بتقليد البطل ( محمد المصري ) وسام نجمة سيناء
وهذا هو نص ماجاء فى فى وثيقة التكريم :
من أنور السادات
رئيس جمهورية مصر العربية
إلى عريف / محمد إبراهيم عبد المنعم المصرى
من القوات البرية
تقديرا لما قمتم به من أعمال بطولية خارقة تدل على البسالة النادرة و القدرة الفذة و التفاني في القتال وذلك في القتال المباشر مع العدو في ميدان القتال .. قد منحناكم وسام نجمة سيناء من الطبقة الثانية .
وأمرنا بإصدار هذه البراءة إيذانا بذلك
تحريرا بقصر الجمهورية بالقاهرة
في اليوم السابع و العشرين من شهر المحرم
لسنة ألف و ثلاثمائة وأربع و تسعين من هجرة خاتم المرسلين
19 فبراير 1974
كما تم تكريمه من قبل المشير احمد إسماعيل واللواء يوسف صبري أبو طالب
وهذا ماجاء في تقدير اللواء يوسف صبري أبو طالب مدير مدفعية القوات المسلحة المصرية في ذلك الوقت :
جمهورية مصر العربية
وزارة الحربية
إدارة مدفعية القوات المسلحة
شكر وتقدير
إلى الرقيب / محمد إبراهيم عبد المنعم المصري
يسرني أن أقدم لكم شكري وتقديري علي المجهود المخلص الذي بذل خلال معارك أكتوبر المجيدة والبطولات التي أحرزتها في تدمير دبابات العدو
واني ادعوكم إلى مواصلة الجهد لرفعة سلاحنا العتيد وقواتنا المسلحة الباسلة
وفقنا الله جميعا لخدمة وطننا العزيز
لواء / يوسف صبري أبو طالب
مدير مدفعية القوات المسلحة
وفى فبراير عام 1974 تم تكريم البطل فى احتفال أقيم خصيصا بقيادة وحدات المظلات فى حضور المشير احمد إسماعيل .. وفى الخامس من يونيو عام 1975 كان البطل فى احتفالية عودة افتتاح قناة السويس أمام الملاحة العالمية والتى حضرها الرئيس السادات وأبطال أكتوبر وبعض الأشقاء العرب والقيادات السياسية والعسكرية والشعبية .. وعادت القناة أمام الملاحة العالمية من جديد وغنى الشعب المصرى والعربى مع العندليب عبد الحليم حافظ :
رجعنا اللى راح يابلدنا
وفردنا الشراع يابلدنا
وبعزم الرجال يابلدنا
خطينا المحال يابلدنا
قالها الزعيم من غير مايحلف
عمر الزعيم مايقول ويخلف
لابد حتعود القناة
وتعود ليها تانى الحياة
وادى الأمل فوق الشراع
عالى جاب كل اللى ضاع
جاتله الشعوب من كل وادى
جت بالهنا تشارك بلادى
وأجرت وسائل الأعلام المسموعة والمقروءة والمرئية أحاديثا مع البطل محمد المصرى وذلك تكريما له واحتفالا بنصر أكتوبر الخالد .
كما أجرت معه الإذاعية أمال فهمى حديثا لبرنامجها الشهير على الناصية بالبرنامج العام فقد خصصت حلقة كاملة للبطل وأثناء التسجيل حضرت مواطنة مصرية إلى الإذاعية أمال فهمى وقدمت خطابا يتضمن شيكا بمبلغ من المال تبرعا لمعهد القلب والقصر العينى وطلبت هذه السيدة عدم ذكر اسمها فى البرنامج .. وهنا قالت الإذاعية للبطل محمد المصرى : كيف ترى مصر ؟ فقال : فى الخطاب الذى معك.
فى الأول من شهر يناير عام 1975 ترك البطل الخدمة بالقوات المسلحة وتم تعيينه بقسم مراجعة الإيرادات بمجلس مدينة ديرب نجم بمحافظة الشرقية
وفى العاشر من شهر يوليو عام 1979 تم زفاف البطل محمد المصرى على ابنة عمه عفاف عبد الفتاح المصرى ورزقهما الله من الأبناء بحسام وعلية وهشام
هذا وقد انتقل البطل محمد المصرى للعمل بمجلس مدينة أبو المطامير بمحافظة البحيرة وترقى حتى وصل مديرا عاما للعلاقات العامة.
فيابطلنا .. يامن بنيت
للكرامة أعلى وأعظم صرح
التاريخ سوف يقول عنك الكثير
وسوف يطول الشرح
هذا وبالله التوفيق
إبراهيم خليل إبراهيم
عضو نقابة الصحفيين واتحاد كتاب مصر والعرب