بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي يمحو الزلل ويصفح ويَغفِر ..
أحمده ما أمسى المساء وما أصبح
وأصلي على رسوله محمد الذي أُنزل عليه " ألم نشرح "
وعلى أبي بكر صاحبه في الدار والغار لم يبرح
وعلى عمر الذي لم يزل في إعزاز الدين يكدح
وعلى عثمان وعليّ وسائر الصحب وكلٌ رُضي عنهم فأفلح
الحِكمة من تعدُد زواج النبي صلى الله عليه وسَلمإن تًعَدُد زوجات النبي صلى الله عليه وسلم
لم يكُن لمجرد شهوة أو رغبته الزواج
وإنما كان لحِكَم مختلفة
( تشريعية ) [color=blue]و ( اجتماعية ) [color:7fd7=blue:7fd7]و ( سياسية ) هذا من ناحية
ومن ناحية أخرى فإن التعدُد بدأ والنبي صلى الله عليه وسلم
في سن (
الثالثة والخمسين ) فتكون الشهوة قد ضعُفَت ..
ثم أنه صلى الله عليه وسلم
تزوج إما (ثَيِب) أو ( أم أولاد ) أو ( أرملة ) ؟وفي وقت عُرِضَت عليه خِيرة بنات قريش فأبى أن يتزوجهن
ثم أن النبي صلى الله عليه وسَلَم لم يتزوج بِكراً إلا السيدة عائشة رضي الله عنها وهي بنت 9 سنين
فالأصَح إذاً أن نقول أن النبي صلى الله عليه وسلم زُوِج فتزوج بمعنى أنه لم يتزوج إلا السيدة خديجة رضي الله عنها
أما بقية زوجاته فقد ( زُوِجَ بهِنَ ) أي أنه زُوِجَ بأمر إلهي
ويجب التفريق بيني اللفظين (
زُوِج )
و (
تزَوَج )
فالخلط والاضطراب أشد ما يكون بينهما فاللفظ [color=blue]( تَزَوَج [color:7fd7=blue:7fd7]) نجده مُتَمثِلاً
في أنه عليه الصلاة والسلام لم يتزوج إلا السيدة خديجة رضي الله عنها
واللفظ (
زُوِجَ ) أي بأمر إلهي
جاءت منه الحِكمة من تعدُد زوجاته صلى الله عليه وسلم وقُلنا أن الحكمة من ذلك تنوعَت
مابين ( تشريعية ) [color=blue]و ( اجتماعية ) [color:7fd7=blue:7fd7]و ( سياسية )
فأما عن الحِكمَة التشريعية
فنجدها مُتَمثلة فيزواجه صلى الله عليه وسلم
منالسيدة زينب بنت جحش رضي الله عنها
ومنالسيدة عائشة رضي الله عنها
وأما عن الحكمة
من زواجه صلى الله عليه وسلم من السيدة ( زينب بنت جحش ) كان زيد بن حارثة مولى ( خادم ) النبي صلى الله عليه وسلم
وقد شَرَفَه النبي صلى الله عليه وسلم بنِعمَة النسب إليه
فقال عنه زيد ولدى يرثني وأرثهثم زوجه من بنت عمته السيدة ( زينب بنت جحش )
إلى هنا وكل شيء عاديولما أراد الله تعالى إلغاء مبدأ (
البُنُوَة بالتبني )
جعل خلافاً يَقَع بين (
زيد بن حارثة ) و (
زينب بنت جحش )
فذهبا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليفصل بينهما
فقال عليه الصلاة والسلام لـ ( زَيْد )أمسك عليك زوجك واتق اللهفعادا إلى بيتهما وما إن وصلا إليه حتى اختلفا مرة ثانية
فعادا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم
فكَرَر عليهما ما قاله في المرة الأولى
ثم تكرر الخلاف بينهما مرات عديدة وبالرغم من أنه صلى الله عليه وسلم كان يعلم عن طريق الوحي
أن العِشرة بينهما لن تدوم وأنهما سوف يُطَلقان
إلا أنه كان يقول لزيد في كل مرة (
أمسك عليك زوجك واتق الله )
إقتضاءاً لحكمة الله وإلى هنا والأمر يبدوا عادي أما الأمر الغير عادي
فهوأنه النبي صلى الله عليه وسلم
كان يعلم أن الله تعالى ( حَكَم بزواجه ) من السيدة زينب بنت جحش
ولكنه عليه الصلاة والسلام لم يُعلِن ذلك خشية على ضِعاف الإيمان
أن يقيسوا ذلك بمقياس البشر العاديين فيظنوا به سوءاً فيقولواإن الرسول طَلَقَ امرأة مخدومة وتزوجها رغبة فيها
قال تعالىوَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ
وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ
وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا
لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ
إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا والمقصود هنا بقوله تعالىوَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ أي أنعم الله عليه بنعمة بالإسلاموالمقصود بقوله تعالى (
وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ )
أي أنعمت عليه بنسبه إليك فالله تعالى لما أراد أن تُلغي قاعدة (
البُنوة بالتَبَني )
أراد أن يكون ذلك بصورة عملية
فإلغاء هذه القاعدة
يقتضي أن ( يُطَلِق ) زيد زوجته ( ليتزوجها ) النبي صلى الله عليه وسلم
ولو أن
زيداً طَلَق زوجته ولم يتزوجها الرسول صلى الله عليه وسلم
لترتب على ذلك أمران الأمر الأولأن يبقى زيداً (
إبن ) النبي صلى الله عليه وسلم بالتبني
الأمر الثاني أن تبقى قاعدة (
البنوة بالتبني ) بدون حسم
ولذلك اقتضت حكمة الله تعالى أن يُطَلِق زيد زوجته ليتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم
لقطع كل شَك في قضية (
البنوة بالتبني )
ولذلك لما أراد الله تعالى أن يحسم هذه القضية ويقطع نسب زيد إلى النبي صلى الله عليه وسلم
كان قوله تعالى
في شأن زيد بن حارثة رضي الله عنهوَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ فلما تبناه النبي عليه الصلاة والسلام قبل النبوة
وكان يُقَال لَهُ (
زيد بن محمد )
أراد الله تعالى أن يقطع نسبته إلى الرسول صلى الله عليه وسلم
بقوله تعالى وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى مَا كَانَ مُحَمَّد أَبَا أَحَد مِنْ رِجَالكُمْ
وَلَكِنْ رَسُول اللَّه وَخَاتَم النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّه بِكُلِّ شَيْء عَلِيمًا وحسماً لهذه القضية (
البنوة بالتبني )
قال تعالىذَلِكُمْ قَوْلكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ بمعنى أن تبنيكم بهم قول لا يقتضي أن يكون إبناً حقيقياً لكم
لأنه مخلوق من صُلب رجُلاً آخر ولا يمكن أن يكون له أبوان
وهذا هو الدليل العملي على بطلان التبني
وكان ذلك سنة ( خمسة ) للهجرة وعليه
لا يصِح القولبأن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج من السيدة زينب بنت جحش
والأصَح أن نقول(
زُوِجَ فتزوَج بها )
أي أنه عليه الصلاة والسلام زُوِج بها بـ ( وحي )
أي بأمر إلهي أي أن الله تعالى هو من زَوجَه بها
وبالتاليفإن فِكرة التَعَدُد بالنسبة للنبي صلى الله عليه وسلم
ليست كالتعدُد بالنسبة لنا
فالله سبحانه وتعالىأراد بتزويجه من كل واحدة منهن حِكمَة مُعيَنة
فكان شأن المسلمين في ذلك الوقت
أنهم يتزوجون كثيراً ليكثُر النسل فيعوضوا ما فُقِدَ
في الحروب والغزوات الصحراء
فأنزل الله تعالى التحديد في عدد ( الزوجات )
ولكنه سبحانه وتعالى جعل لنبيه صلى الله عليه وسلم شرعاً خاصاً
فقال له .. ( أي للنبي )لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاء مِن بَعْدُ وَلَا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ
وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ
وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَّقِيبًا بمعنى أن النبي عليه الصلاة والسلام بعد هذه اللحظة
لا يجوز له أن يتزوج
ولو حل قضاء الله بجميع زوجاته اللائي في عصمته
حتى لو قضى بقية حياته دون زواج
وقال تعالى في ذلك النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ
وَأُوْلُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فلو طلق النبي إحداهن لكان ظُلماً لها من ناحيتين الناحية الأولى أن الشرع حَرَم عليها الزواج من أحد بعد رسول الله لأنها تُعتَبَر( أُمُه )
والناحية الثانيةأنها لن تحتمل نفسياً معاشرة أحداً بعده عليه الصلاة والسلام
أما غير النبيفيجوز له أن يصل بزواجه إلى أي عدد
ولكنفي حدود إمساك ( أربع ) و ( وتسريح ) غيرهن
فإن ماتت إحداهُن استبدلها و إن طلق أخرى استبدلها
قال تعالىوَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء
مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان مُقَيَداً وليس مُطلقاً في ذلك
وأما عن الحكمةمن زواجه عليه الصلاة والسلام
من السيدة عائشة رضي الله عنهافقلنا فيما مضى وفي موضوع سابق
أن النبي صلى الله عليه وسَلَم لم يتزوج ( بكراً )
إلا السيدة عائشة رضي الله عنها وكان عمرها (9سنوات)
فكيف له صلى الله عليه وسلم أن يتزوج طفلة صغيرة ؟ فمن الطبيعي أن البنات من الأطفال لا يتزوجن
ومن غير الطبيعي أن يتزوجن
ولأنه ليس طبيعياً كانت الحكمة
من زواجه صلى الله عليه وسلم من السيدة عائشة لأنه صلى الله عليه وسلم تزوجها بوحي
حيث رآها في المنام ورؤيا الأنبياء وحيإذاً فزواجه منها كان بأمراً إلهي خدمة للدين
والحِكمَة في ذلكأنه صلى الله عليه وسلم
أراد أن يصل إلى النساء الشرع الخاص بهن
فزوجاته الكبيرات كُن يَستًحًيْنَ من نقل ما يقوله النبي
فيما يتعلق بعلاقة الزوجة بزوجها إلى النساء
فأراد أن يجعل الطفلة البريئة ( السيدة عائشة ) زوجة له
لأداء مهمة نقل ما يخُص النساء من فِقه إليهن
مثل( الطهارة ) و ( الحيض ) و ( النفاس ) و ( الغُسل من الجنابة )
وكل ما بين ( الرجل وزوجته )
فلم تكن السيدة عائشة رضوان الله عليها
وهي في هذه السِن
أن تتحرج من نقل أسئلة المؤمنات إلى النبي وحمل الإجابة إليهن
ولذلك قال صلى الله عليه وسلمخذوا نصف دينكم عن هذه الحميراء والمقصود بـ ( نصف دينكم ) هو فقه النساء لأنهن نصف المجتمع
وبقيت السيدة عائشة تؤدي هذه المُهمة لمُدة ( 9 سنوات )
وهي المُدَة التي قضتها مع الرسول صلى الله عليه وسلم
ولما انتقل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى
كان عمرها ( 18 عاماً ) وعاشت حتى بلغت سن ( 63 سنة )
أما الحكمة الاجتماعية من تَعدُد زوجاته عليه الصلاة والسلام
فتمَثَلَت في زواجه من السيدة خديجة رضي الله عنها
وهذا أمر اجتماعي أن يتزوج البالغ العاقل الرشيد
وتزوجها وهو في سِن (
الخامسة والعشرين ) وظلت معه وحدها
حتى توفيت وهو (
في سن الخمسين )
ثم تزوج بعدها بالسيدة ( سودة بنت زمعة ) وكانت أرملة وذلك لحاجة ( بناته الأربع ) عليه الصلاة والسلام
إلى أم بديلة ترعاهن وتُبَصِرِهُن بما تُبَصِرُ به كل أم بناتها
ثم تزوجحفصة بنت عمر بن الخطاب بعد وفاة زوجها
ثم تزوجزينب بنت خزيمة استشهد زوجها في أحد فتزوجها سـ 4هـ.
ثم تزوجأم سلمة هند بنت أمية توفى زوجها ولها أولاد فتزوجها سـ4هـ.
الأسباب السياسية كان لبعض زيجات الرسول صلى الله عليه وسلم
بُعداً سياسياً من حيث ائتلاف القلوب والحد من العداوة وإطلاق الأسرى .. إلخ
ومن هن جويرية بنت الحارث سيد بني المصطلق من خزاعة .لما انتصر السلمون على بني المصطلق
كانت السيدة جوريه ممن وقعوا في الأسر
ولأن بني المصطلق كانوا من أعز العرب داراً وأكرمهم حسبا
فاقتضَت حكمة النبي صلى الله عليه وسلم أن يتزوج السيدة جورية ليضمَن ولاء بني المصطلق للإسلام
كان اسمها (
بُرَه) وغيره النبي صلى الله عليه وسلم إلى (
جوريه )
ثم فَك أسر أصهاره من بني المصطلق وضمن ولائهم للمسلمين
ثم تزوجأما حبيبة رملة بنت أبي سفيان والتي تَنَصَرَ زوجها وبقيت هي على إسلامها
وكان للزواج منها
أثر كبير في كسر حِدَة عداء أبي سفيان للإسلام حتى هداه الله ثم تزوجصفية بنت حيي بن أخطب كانت من سبي خيبر أعتقها الرسول وتزوجها
ثم تزوجميمونة بنت الحارث ومات منهن اثنتان في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وهما السيدة (
خديجة ) والسيدة (
زينب بنت خزيمة ) وتزوج من الجواري
مارية القبطية التي ولدت إبراهيم وتوفى صغيراً
وكان لمارية رضي الله عنها شأن كبير في القرآن الكريم وفي أحداث السيرة النبويةفأنزل الله عز وجل صدر سورة التحريم بسبب مارية القبطية
ومن الحِكَم في تعدُد زوجاته صلى الله عليه وسلم
اختلاف أحوال زوجاته صلى الله عليه وسلممابين ( غِنىَ ) و ( فقرٍ ) و ( حسب و نسب ) و ( بساطة )
ليكون النبي صلى الله عليه وسلم
القدوة لكل من يتزوج بأي صورة من هذه الصوروكانت الحِكَمة من التعدُد أيضاًبيان كل ما يقع في بيت النبوة من أحكام
عملاًً بقول الله تعالى زوجات النبي وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ لأن ما يُتلى في بيوتكُن فيه بيان لكل ما يمكن أن يقع
من النساء داخل البيت كالغيرة والصبر والتآمر وطلب الدنيا
والتواضع ونشر العلم والرضى وغير ذلك
فيتعلم منكن يانساء النبي سائر النساء
ولأن الحديث عن حياة زوجات النبي صلى الله عليه وسلم
ليس موضوعناسأكتفي بهذا القدر ..
ناصحاً إياكم بقراءة
( زوجات النبي صلى الله عليه وسلم ) للدكتورة بنت الشاطئ
و ( تعدد الزوجات ) لأحمد عبد الوهاب
والجزء الثاني من ( الرحيق المختوم )
وأرجو أن أكون قد وُفِقت في الطرح
منقول