وكأنها على موعد ....
أستيقظت من نومها , نظرت فى الساعة , إنها الثانية صباحا , تأكدت أنه يبقى على الموعد نصف ساعة , خرجت تتسحب من غرفتها , تأكدت أن كل أهل المنزل نائمون , دخلت غرفتها فى سعادة , أغلقت خلفها الباب , هندمت ملابسها , وفتحت هذا الجهاز العجيب ...
جلست تنتظر , الساعة تدق وتعلن الثانية والنصف صباحا ,أطرافها ترتعش يشدة وقلبها يدق بحرارة , تجلس فى غرفتها المظلمة ..
تجلس أمام هذه الشاشة العجيبة التى ينبعث منها أضواء وألوان مختلفة وجذابة , مرت دقيقة .أثنين .. خمسة .... عشرة ..
حزنت ولكنها لم تفقد الأمل , أنتظرت..., وأنتظرت حتى مرت ساعة كاملة !!..
إندهشت وفى حزن شديد أغلقت الجهاز فأختفت الأضواء والألوان التى كانت تنبعث من شاشته ...
إتجهت إلى سريرها وجلست عليه وبدأت الذكريات تتدفق إليها بسرعة وقوة شديدة .., وتذكرت كيف بدأت حكاية حبها وكيف أنتهى بها الأمر إلى هذه العادة اليومية التى لا تستطيع ان تتركها ..
فهى فتاة إعتادت على أستخدام الكمبيوتر والدخول على صفحات النت وخاصتا صفحة الدردشة ...
وقد كونت صداقات كثيرة عن طريق الدخول فى هذه الصفحة .. فهذه الصفحة ساعدتها على التعرف على كثير من الأصدقاء , وساعدتها على فهم حضارات دول مختلفة , كما ساعدتها على التعرف على هذا الشخص ...
هذا الشخص الذى لم يكن صديق كباقى الأصدقاء .....
فعلى الرغم أنها تعرفت عليه عن طريق صفحة الدردشة على النت إلا أن علاقتها به قد تطورت ولم تقتصر على حد الصداقة ...
فهو مصرى يعيش فى إحدى البلاد العربية , اسمه ( ماجد ) وقد وجدته منذ اللحظة الأولى يختلف عن جميع أصدقاء النت أو حتى أصدقاء الكلية ..
فهو واسع الثقافة والأطلاع , يشبهها فى كثير من الأشياء ...,
أفكارهم متشابهه , مواهبهم واحدة , وحتى طريقة الكلام وأسلوب الحوار متشابه إلى حد كبير ,فهى كانت لا تبدأ عبارة حتى يكملها هو , ولا تفكر فى فكرة حتى يقترحها هو قبل أن ينطق بها لسانها ....
حتى شعرت أنه يعرفها وتعرفه منذ زمن طويل ...
وقد بدأت العلاقة بينهم بصداقة ثم ما لبثت أن تطورت إلى حب ,,
حب عميق وقوى ....
وبعد ما كانا يتحدثان أسبوعيا عبر البريد الإلكترونى , أصبحا يتحدثان يوميا فى ساعة متفق عليها وقد حددها هو وكانت (( الثانية والنصف صباحا )) ..
ولم تعلق هى ولم تبدى أى أعتراض أو أستفسارعن سر هذا التوقيت , ربما لطبيعة عمله أو لظروف خاصة به !!,
المهم أنها كانت سعيدة بهذا , وكانت تتحرى شوقا لهذه الساعة , وعندما يأتى التوقيت يدق قلبها وترتعش أطرافها ويذوب عقلها أنتظارا لهذا الحبيب ..
وقد تم تبادل بعض الصور بينهما وقد أعجب كلا منهما بالأخر ..
سنة مرت وهى على هذا الحال , شاردة تائهة نهارا , ومتيمة وسعيدة ليلا ...
وبالطبع لم تخبر أحد بهذه القصة الرومانسية التى تعيشها مع هذا الحبيب الغائب ..
وأستمر هذا الحال حتى جائت اللحظة الحاسمة , اللحظة التى قرر فيها الحبيب أن ينزل إلى مصر ليرى محبوبته ويحبها على صفحات الحقيقة
وليس على صفحات النت ..
كم كانت تطير فرحا وتنتظر هذه اللحظة بلهفة شديدة ..,
وبالفعل إرتدت أفخر الثياب وتعطرت بأجمل العطور وذهبت لكى تستقبله ,, تستقبل حبيبها الغائب ......
كم كانت لحظة اللقاء فاترة , باردة ليس كما تصورتها فى خيالها أو كما تمنتها فى أحلامها ....
وقد تعرفت عليه بصعوبة على الرغم من أنه كان يقف بالقرب منها ...
ربما لأن الصورة التى معها والتى تحفظها عن ظهر قلب تختلف كثيرا عن الحقيقة ...
جلسا سويا وأخذا يتحدثان , كان مسار الحديث بينهم يتمتع بالهدوء الشديد , وقد شعرا كلا منهما بالغربة , فكان هو يخشى أن يسأل وكانت هى تخشى أن تجيب , وعلى الرغم من أنهما يجلسان فى مكان واحد ولا يفصلهما إلا بضعة خطوات إلا أنهما قد شعرا أنه يفصلهما آلاف الأسوار ومئات المحيطات ..
ولم يستمر اللقاء طويلا , وأنصرفا على أمل اللقاء , وقد تعددت اللقاءات ولكن لم تذب الغربة بل زادت المسافات بينهما , وشعرا كلا منها أنه لا يعرف الأخر أو ربما يعرفه ولكنه لا يريده بهذه الصورة بل يريده بالصورة التى أعتاد عليها على صفحات النت...
وقد شعرا كلاهما أنه يريد ألف عام لكى يستطيع أن يعرف الأخر ... , لكى يعرفه على أرض الحقيقة وصفحات الواقع وليس على صفحات النت ..
وقد كبرت الأسوار وأبتعدت المسافات وزادت الغربة بينهما وتعددت الأسئلة ولم يجدا أجابة لها ...
ربما كان من السهل عليهما أن يجدا الأجابة عليها على صفحات النت وليس فى الواقع ...
وقد رأته أنسان مختلف عن الذى أحبته , ربما يمتلك نفس الأفكار والمبادئ والأسلوب إلا أنه مختلف !!, وأصبحت وكأنها لا تعرفه
وفضلا البعد والأفتراق...
وقررا كلا منهما أن يبحث عن حب جديد على أرض الواقع , وأن يبحث كلا منهما على أنسان يتفق معه ليس فقط فى الأفكار والآراء والمواهب ولكن لابد أن يوجد أنسجام دموى وتوافق روحى بينهما وأن يعرف كلاهما الأخر ويحبه بعيدا عن هذا الجهاز وهذه الأسلاك ..
وقد أقتنعت تماما أنها لا تستطيع أن تحب شخص بعيدا عنها ولا تعرفه حتى لو تشابها فى كثير من الأشياء ..
ومنذ هذا اللحظة وهى تبحث فى الحياة وعلى أرض الواقع عن محبوبها الذى تمنته وأحبته ولم تجده على النت ..
وعلى الرغم من هذا .. إلا أنها لم تكف عن الدخول على النت يوميا وفى نفس الساعة التى أعتادت عليها , ولكنها تدخل ليس بحثا عن أصدقاء أو محبوب ..
ربما كانت تدخل كحنين لذكريات حب ,, أو ربما موعظة من الماض , أو أمل فى مستقبل أفضل ...
أو ربما تدخل على أنها عادة إعتادت عليها وأدمنتها ولا تستطيع أن تتركها مهما حاولت .....
فقد كانت الثانية والنصف صباحا موعدها ,, موعدها مع نفسها ومع ماضيها ....
فكانت كل يوم تستيقظ من نومها فى نفس الموعد ,,
وتفتح الجهاز ..
وتنتظر..
وتنتظر ..
وكأنها على موعد ....