العاشق

موضوع: العاشق السبت ديسمبر 12, 2009 5:13 am

العاشق

نشطت الحركة واشتعل الضجيج في صالة الفندق الضخم ذي الخمسة نجوم القابع في وسط مدينة حلب ... في منتصف الليل.
الباب الدائري الحركة الدائم الدوران يقذف بالوافدين داخلاً ويلفظ المغادرين خارجاً كما يلفظ البحر مكنوناته عبر موجة ناشطة
كان "أنور" يتوسط الصالة متألقا بملابسه الأنيقة , شامخاً بقامته الباسقة , عيناه تشعان بريقاً ينم ّ عن عبقرية وحسٍ مرهف ٍ, وجهه الناحل ينفتح على أوسع المعاني وسعادته بنجاحه في هذا المعرض عارمة 0
ما زال " أنور " في حركة ناشطة يتجول مع الزائرين يشرح أفكار لوحاته .. وهو يفرك ذقنه النابتة تارة , ويمسح جبينه تارة أخرى, يشرح ويطيل , وتكثر التساؤلات ، نظرات الإعجاب والرضا يشع من أعين الزائرين 0
الشاب الطويل القامة الدقيق الملامح ذو اللحية النابتة يحلق على أجنحة النشوة النابعة من صميم نجاح , يتجول في بهو الصالة بكبرياء يليق بفنان مرهف الحس , مبدع العطاء .
بعد منتصف الليل تحرك الباب الدائري الناشط الحركة لافظاً الزوار خارجاً بحركاته السريعة الدوران فاتسع البهو ونام الصخب في أحضان الحديقة المحيطة بالفندق واستيقظ الصمت فانجلت الصالة على الشاب وحيداً يتأمل إحدى لوحاته كزائر شغوف ٍ, كانت اللوحة تتألق في صدر الصالة تمثل رمز آلهة الخصب والعطاء تزينها صورة فتاة ذات جمال أسطوري تحمل بيد ٍ غصناً أخضر وباليد الأخرى جرة ماء بدت على محيطها الزخارف القرمزية اللون , وكأن آلهة الخصب تخاطب الحضارة أو ربما تعتب عليها. كان أنور قد استلهم هذه الأسطورة من أعماق التاريخ الغافي بين صفحات قلوبنا .
انغرست عيناه الدقيقتان في أعماق وجه المرأة ..... وانزرعتا .... وغاب في شرود ٍواع ٍ قطع فيه مسافات طويلة نحو أعماق الماضي .
بهره هذا الجمال المدثر بأنفة الأمجاد الغابرة والمتوج بدفء الأنوثة البكر , ضم اللوحة بذراعيه وانتزعها من الجدار بنزق الملهوف ومضى مسرعاً
يلفظه الباب الدائري ويقذفه خارجاً ثم غاب في طي العتمة ، ينشد بيته الريفي ترافقه لوحته الفاتنة وطالت ساعات تأمله لهذا الجمال الذي لايشبهه جمال آخر , وتمنى لو تدب الروح فيها وتطاول خياله . تمنى لو تجالسه وتحدثه .. أو يشتكي لها ما آل إليه الزمان.
"ينظر إليها تارة وإلى جدران الصالة التي نسج في زواياها العنكبوت بيوتاً تارة أخرى , ثم يتابع تطاير دخان "لفافة التبغ " الذي يتكاثف ويتكدس كغيمة تجدد حملها ,وبينما هو هكذا ، تموجت أمام عينيه صورة متفككة الأجزاء باهتة الملامح تأهب ، عدل جلسته مدققاً ليفسر ما يراه ثم انكشفت الملامح المتباعدة وتماسكت يحيطها الدخان من كل جانب مشكلاً خلفية رمادية للوحة أسطورية.
فرك الشاب الناحل الوجه عينيه بسرعة و حدق ملياً ثم أغمضهما ثانية , وأعاد التحديق مذهولاً قائلاً :
يا إلهي إنها حسنائي , نهضت من مهدها , وها هي تتجول بقامتها الرشيقة وخصرها الغض الندي , تتمايل كشجرة حور فتية .
عيناه تدوران كعصفور صغير ضلّ طريق عشه فظل في ذهاب وإياب .
أما وجهها الملائكي ، تزينه عينان تبعثان دفئاً وطلاوة ،كأن نهر الأيام يرجع إلى مصدر انبجاسه .
خوف عارم لبس الشاب العاشق فارتعدت أوصاله ارتعاداً ... حاول أن ينبس بكلمة لكن لسانه التصق بقاع فمه ... حاول تجاوز دوامة الحيرة . وقال لها : أنت فاتنة يا سيدتي ! .
تأملته بلطف مفعم بالدفء . وابتسمت فانفتح وجهها نوراً يزيد على نور .
تسربله خوف ورغبة في عيش هذه التجربة . أيتها الحسناء القادمة من أغوار التاريخ تفضلي بالجلوس لا بد أن رحلتك كانت شاقة؟.
قهقهت بسخرية : أنت مخطئ ... نحن لا نعرف قانون التعب .
انبجس وجه الحسناء غضباً , وهي تقول :
نحن ما خلقنا لنتعب بل لنقدم كل الخير للبشرية .
انتفض الشاب مبلولاً بخيبته .
احتار كيف يحادث فاتنته.
• إذا سوف أجهز لك فنجان قهوة.
• ..... ويل لك من إله الخصب أتريد قتلي.
انكمش الشاب المتيم على نفسه وحك رأسه لعل الذاكرة تسعفه وترشده ... كيف يتابع الحديث مع القادمة من أعماق الزمن ، لكنها أردفت قائلة :
• يا هذا .. أنت تجهل أسلوب الضيافة يا بن العصر التكنولوجي. هيا أحضر لي كوباً من الحليب المحلى بالعسل....
انتفض متأهباً لتنفيذ الأمر.
لكنها اقتربت منه وشدته من صدره بعنف فتقارب الوجهان وتقابلا حتى تخللت نظراته الدقيقة عينيها الواسعتين اللتين تجمعان كل الألوان والفصول والمعاني .. تمنى أن يتوقف الزمن لحظتها .
استدار ينشد الخروج , فجذبته ثانية من دبر قميصه فبات طيّ قبضتها ليناً تطويه كيفما تشاء .. وتقابل الوجهان ثانية .
• ما أروع عينيك يا حسنائي .. ! تشرقان كشمس الصباح النقية .
• ليكن الكوب فخاراً لأني لا أحبذ زجاجكم .
ثم أفلتته من قبضتها فهوى أرضاً , نهض وابتعد ولكن صورتها سكنت روحه ... هو يبحث عن الطريق الذي كان يضيع فيه ... فيعود للبحث عنه ويتابع سيره, وبعد سويعات .. عاد0
كان البهو صامتاً .. والصالة منقبضة على دخان السجائر الذي ما زال معششاً في ثناياها ...
ناداها .. ما من مجيب .. ارتد صوته إليه هزيلاً .. بحث عنها في الزوايا الصامتة
لبس وجهه حزن عبوس وقال في نفسه :
أهكذا لحظات السعادة هاربة أم تراني سأقضي العمر باحثاً عنها ولا أرى سو أطياف تعوم في لحظات وحدتي ؟؟
عاد إلى اللوحة فوجد حسناءه قابعة في مكانها مبتسمة تلوح بيمناها بغصن زيتون فتي كما الربيع دائماً ، وفي يسراها جرة ماء فخارية قرمزية اللون.
هرش العاشق رأسه ، فرك جبينه ، وحدث نفسه كعادته الدائمة :
الآن عرفت حقيقة لن أنساها ما حييت ، 0 النهر لا يحب الذكريات ، يجري دائماً إلى الأمام لا يعرف قانون الرجوع 0

نشرت القصة في مجموعة قصصية بعنوان فراشة الليلك عام 2002 بناء على موافقة وزارة الإعلام بسوريا 0

الجولانية عفاف الرشيد

موضوع: رد: العاشق الثلاثاء ديسمبر 15, 2009 2:31 pm

الاستاذه والاديبه والقاصه والمبدعه عفاف الرشيد

تحياتي

حقا قصه رائعه واستمتعت بها كثيرا وفيها من الدلالات

الكثير والكثير وانسنة الحوار جاء بديعا ومفرداتك

رائعه...ولروعة العمل يتم التثبيت بمعرفتي

ممدوح عزت موسي

موضوع: رد: العاشق الأربعاء ديسمبر 16, 2009 6:48 am

القاصة الرائعة و الأخت العزيزة عفاف الرشيد
هنا قصة أحييك عليها فهى قدمت لوحة فنية جميلة
ذات لغة عالية المستوى و حرفية عالية فى الكتابة
و قدرة فائقة على خلق الحدث
و إدارة الحوار
دمت رائعة أيتها الليلكة الحلبية
خالص الود

موضوع: رد: العاشق الأربعاء ديسمبر 16, 2009 7:39 pm

استاذتي و معلمتي عروس الشام عفاف اسجل عجز لساني عن التعبير عن جمال وروعة هذه القصة رغم أن جميع قصصك يتفجر منها الإبداع إلا أن هذه القصة لها إيقاع خاص , الصور الجمالية عندك في منتهي الروعة اذكر منها " لسانه التصق بقاع فمه ، مبلولا بخيبته " و أنا في كل قصة أتعلم درسا جديدا دمتي لنا سيدتي بكل خير و تقبلي خالص تحياتي
ملاحظاتي :
1‏ - كلمة " هرش " أري أنها لا تتناسب مع قيمة القصة العظيمة
2‏ ‏- النهاية جاءت غير متفقه مع الحالة النفسية للقارئ لاسيما بعد رسمه لوحتك في مخيلته
3‏ ‏- سيدتي أنتي مبدعة كبيرة جدا جدا و هذه الملاحظة أخوية لا أكثر , وضعتي عدد كبير من القصص في وقت واحد فضاعت زروتهم , يجب أن أشتاق إلي قصص عفاف الرشيد وانتظرها و هي بدورها تقطر لي ابداعتها قطره قطره وإلا ضاعت زهوة ابداعتها في الوهلة الأولي
4‏ ‏- أخير متابعتك للتعليقات قليلة جدا و كأنك في غني عنها
يشرفني أن أري رأيك في قصصي لاسيما المشاركة في المسابقة ‏" فلتنتظر "
http//www.Y-writers.Com
يسعدني المشاركة في هذا الرابط
ebn_balad_magd3@hotmail
يسعدني الأضافة

موضوع: رد: العاشق الخميس ديسمبر 31, 2009 6:59 am

القاصة الكبيرة الجولانية
لا تحرمينا منك أيتها القديرة
تحية لقلمك المبدع

موضوع: رد: العاشق الخميس يناير 14, 2010 6:30 am

عزيزتى القاصه/ الجولانية
دمت ودام تألقك وتفردك

موضوع: رد: العاشق الأحد يناير 17, 2010 9:55 am

الاستاذة المبدعه الجولانيه
قصتك ابداع ساحر تحمل القارئ إلي قلب الحدث وتحلق به هنا وهناك حتي تهبط به عند النهايه وهو في نشوة عارمه وكأنه عاد من قلب الخيال ....

شكرا لهذه القصة الرقيقه والهادفه

موضوع: رد: العاشق الإثنين يناير 25, 2010 5:42 am

لغة معبرة
و قصة و لا أروع
تقبلى مرورى المتواضع
أختنا الفضلى
الجولانية

موضوع: رد عاى العاشق الخميس فبراير 04, 2010 8:58 am

اخي العزيز عاطف الجندي

يطيب لي جداَ مرورك الكريم

أشكر انطباعك وأثمنه
لك تحيات أختك الجولانية

موضوع: رد الخميس فبراير 04, 2010 9:07 am

الأستاذ المشرف ممدوح عزت موسى

اسعدني مرورك الكريم وانطباعك حول القصة

أرسل لك تقديري على أجنحة الرياح الشتوية

واتمنى لك مزيداَ من التألق

اختك الجولانية

موضوع: رد الخميس فبراير 04, 2010 9:17 am

القاص المتميز شريف العجوز

تقديري الجل لانطباعك

اقدر وجهة نظرك حول نهاية القصة

لكن يا صديقي أردت أن أرسل رسالتي الإنسانية من خلال حبكة النهاية

لعلها تقنع الجميع أو البعض مع اعترافي الموثق بأن اختلاف وجهات النظر يغني الموضوع

شكراَ لمرورك الكريم

صديقي على طريق الابداع الأدبي
اشكرر مرورك الكريم واتمنى لك التوفيق

أشكر مرورك الكريم واتمنى لك النجاح الدائم
لك تحبات الجولانية عفاف

صديقتي المبدعة مروة البسيوني
اشكر مداخلتك واحترم انطباعك واتمنى لك كل الخير والتوفيق
لك تحيات الجولانية عفاف

الأخ الكريم خالد سعد
أشكر مرورك الكريم ورأيك الانطباعي بأحداثها وعوالمها الخيالية اتمنى لك كل النجاح
الجولانية عفاف

موضوع: رد: العاشق الإثنين أبريل 05, 2010 1:26 pm

الأخت الفاضلة والقاصة المبهرة الجولانية

قرأت قصة بدبعة جدا واسلوبا متميزا جدا

ونسيجا متكاملا وكأنك تغزلين ثوب عُرس

دمت مبدعة ومتألقة

[b]

أيتها الأديبة المتألقة
أشكر مرورك الكريم وانطباعك حول قصة العاشق ارجو ان يكون عشقنا للأدب كعشق بطل القصة للوحته التي روى من خلالها لنا عشقه للأصالة وللتاريخ المضيء
ارجو يا صديقتي ان نستمر في اللقاء على دروب الإبداع الأدبي
لك تحيات الجولانية عفاف الرشيد

موضوع: رد: العاشق الجمعة يوليو 09, 2010 5:14 pm

دون ديناميكيه آليه رتيبه وبحوار قوى معبر دارت قصتك يا سيدتى فى جمل قصصيه سرديه

رائعة الدلالات بحنكة قاصه وروائيه مبدعه

تميز دائم مستحق

تقبلى منى كل الاحيه والاحترام

الأستاذ خالد نور :
أشكر مرورك ولاحظت من خلال انطباعك وجود نفس نقدي مدروس وذلك من خلال تعليقك على الجمل والخيال
أكرر شكري واسمح لي أن أبوح لك بشيء قد يبدو من خلال كتاباتي أو انطباعاتي لكتابات الزملاء وهو انتماثي الذي أعتز به إلى ا لمدرسة التقليدية في القصة مع انطلاقي التدريجي نحو الحداثة
ويصح المثل الذي يقول (إلي مالوش قديم مالوش جديد )وهومثل عربي يصلح بكل اللهجات العربية
وأنا من خلال قصة العاشق أردت أن أعود للأصالة في كل شيء من خلال ألهة الخصب التي رسمها بطل القصة وكانت العبرة في أن ماء النهر الذي يجري لا يعود لمجراه مرة ثانية
ألست معي أيها الأديب بأن التطور هو قانون الحياة وأن دوام الحال من المحال
أشكر منتدى الأستاذ عاطف الجندي الذي فتح الأبواب مشرعة أمام الإبداع الأدبي

إلى لقاء في حوار آخر
لك تحيات الجولانية

» العاشق و قبلة الموت !
» العِقدُ العاشق شعر محمد البهنساوي
» العاشق الغلبان
» العاشق المفتون
» قلبي العاشق