تنهمر قطرات المطر على نافذته فتوقظه من نومه
لشد ما يضايقه أن يستيقظ قبل موعده
أصبح نومه خفيفا منذ فتره ولا يدرى لذلك سببا
عزا ذلك إلى فنجان القهوه الذى إعتاد تناوله بعد الفطور
قام من فراشه وإستعد للخروج حاملا معه مظلته
خرج من منزله بقلب المدينه ناظرا إلى السماء
تلبدت بالغيوم منذ أيام ولم تكشف عن وجهها الصحو بعد
عبر الطريق كعادته على عدة مرات
يتقدم تارة ويتراجع أخرى
يلعن فى داخله حمق هؤلاء الذين يندفعون غير مبالين بالماره
أصبح عبور الطريق بالنسبة إليه أمرا مفزعا
لاحظ أن الحياة تسارعت فى الأيام الأخيرة كثيرا
لعن التكنولوجيا الحديثه التى قضت على الهدوء والبساطه
شعر بخفقان قلبه بقوه بعد العبور
استند الى عمود حديدى من أعمدة الإنارة ووقف يلتقط أنفاسه
لابد أن يقلع عن التدخين
يسمع لأنفاسه أزيزا فى صدره منذ أيام
يؤجل موعده مع الطبيب يوما بعد يوم
لا يملك ترف الوقت
فعليه أن يعبر الطريق مرة أخرى ليصل للجهه المقابلة
يهبط درجات محطة المترو رويدا ليصل إلى شباك التذاكر
ينظر إلى الأطفال المتجهين إلى مدارسهم بثيابهم الموحدة والنعاس يغطى وجوههم
يتذكر أبنائه
يشعر نحوهم بالشوق ولكن عزائه أنهم بعيدا عبر البحار
يعلم أنهم فى شوق لرؤياه
ولعلهم أشد شوقا منه
ولكنهم لا يملكون ترف وقتهم أيضا
حتى مكالمة الهاتف أصبحت قصيرة مقتضبه
يدعو لهم بالخير
يأخذ تذكرته ويتجه إلى باب المترو
صعوبة أخرى عبور ذلك الزحام
لا يريد أن يسرع فيؤذى أحدا
يتمنى لو أن يتعامل الناس بمثل منطقه
يركب قبل غلق الباب بثوان ولا يجد كعادته مكانا للجلوس
يقف قرب النافذة يرمق حركة المحطات
تمر أمام عينيه ذكريات بعيده
يشعر بالدفء للحظات ثم لا تلبث تلك القشعريرة من الباب المفتوح تسلبه ذكرياته
يهبط من العربة ويتجه للصعود إلى الشارع
يشعر بخفقان قلبه مرة أخرى
لا يدرى لماذا هذا الضعف الذى ألم به فى الأيام الأخيره
ليته سمع كلام جاره وأغلق النافذة يومها
من المؤكد أن البرد هو سبب ما أصابه
يخرج من محطة المترو وينظر حوله باحثا عن لافتة الطبيب
يكفهر وجهه إذ يراها عبر الشارع فعليه أن يعبر الطريق مرة أخرى
يأخذ نفسا عميقا ويفتح مظلته ويبدأ فى العبور
====
يقول له الطبيب وهو يغطى ظهره بعد أن أتم الكشف
" يا أستاذ حامد , إنت زى الفل وقلبك ماشاء الله عليه ولو بطلت تدخين كمان هتبقى أحسن من كده كتير"
ترتسم علامات الضيق على وجهه قائلا " يادكتور مصطفى , ده أنا بقيت بأطلع السلم على مرتين , ورجليا كده حاسس إنها تقيله "
يبتسم الطبيب ويقول له " ده حكم السن يا أستاذ حامد , 60 سنه برضه مش قليل , خد بالك انت بس من نفسك ومتشغلش بالك "
يهبط سلم ذلك المبنى الراقى بوسط المدينه ببطء
يتجه لأقرب كرسى ويريح ظهره
ينسى فتح مظلته فتنهمر قطرات المطر لتبلل وجنتيه ومعطفه
ترن كلمات الطبيب فى أذنه
يرنو بعينيه بعيدا علها تصل عبر البحار
تسقط من عينيه دمعتان