(2)
والشاعر محمد علي عبد العال (1)..!
بقلم:محمد الزينو السلوم
------------------------
ديوان في هواها..كان عمري للشاعر محمد علي عبد العال يتضمن/43/قصيدة
من شعر العمودي والتفعيلة لكن أكثر القصائد جاءت على شكل شعر التفعيلة في توزيعها على الأسطر في الجملة الشعرية وقد لجأ على ذلك بعض الشعراء أخيراً لأسباب ارتأوها مقنعة لهم.. ! – جاء الديوان في /112/صفحة من القطع الوسط – إصدار الهيئة المصرية العامة للكتاب – اتحاد الكتاب عام 2003م
والشاعر يحمل سيرة طويلة من الإبداع وفي آخر الصفحات تفصيل لذلك – ومن أهم النشاطات التي يشرف عليها حالياً ويديرها رابطة الأدب الحديث في القاهرة
والشاعر في ديوانه هذا المتنوع والملون بفضاءات شعرية إبداعية تختلف ما بين حالة وحالة من حيث من حيث المستوى والأسلوب الفني لكنها تبقى ضمن سياق التألق والإبداع..!
في قصيدة وجاء الربيع..ولم تُقدمي وهي أول قصيدة ..يفتتحها بالمقطع الأول بقوله:
ويا كم سهرتُ الليالي الطوال
وجاء الربيع ولم تُقدمي
تفتّح ورد الحياة ومال
ورفّ النسيم بفرع الشجر
وداعب غصنٌ شفاه الزهر
يقبّل فيه رحيق العمر
وأنت الحبيبة لم تُقدمي
كما نــرى ونحس .. يفتّح الشاعر ورد الحياة،ويداعب غصنٌ شفاه الزهر ( يأنسن الزهر )،ويقبّل رحيق العمر (يجعل للعمر رحيقاً ) مما يدل على أن الشاعر مجدد في قصيدته الشعرية ،ويواكب الحداثة في حدود يمكن معرفة مساحتها فيما بعد..!
في قصيدة أحلام الجياع يقول الشاعر:
وأحلم بالرغيف
يضيء ليلى
وأنظر صوب مائدةٍ
تموج
أراقب كل يوم قد تخفى
وغاص من الرفاهة
في حرير
ويمضي الجمع
يمرق لا يبالي
فقيراً قد تطلّع للوثير
إلى أن يقول:
وأعجب للنقيض مع النقيض ِ
أناسٌ يحفرون الصخر بحثاً
عن الأقوات
في ليل الصقيع ِ
نجد الشاعر ومن خلال إنسانيته يدافع عن الفقير ويرى في الرفاهة نقيضاً،ويتابع تصوير الحالة بلغة شعرية قريبة من المباشرة التي لا ضير من استخدامها في مثل هذه القصائد.. وينهي القصيدة بقوله:
رجعتُ
وكل همي سؤال
وما زال السؤال
بلا إجابةْ
في قصيدة تجار الحروف المريضة يفتتحها بقوله:
يا تجار الحرف الآبق
في الظلمات
أشباح الموت تطاردكم
في الليل الهارب
في الطرقات
تاهت مني الكلمة
مخنوقة العبرات
والحلم الأخصر
أنجمه
كابوس الليل
يحاصره
الشاعر يخاطب تجار الحرف الآبق كما رأينا بشفافية ورهافة حس ..يسأل الله في آخر القصيدة(أن يحفظ حراس الكلمة ) ويسأله في نهاية القصيدة صارخاً ( لتنهي مأساتي يا رب الكلمة..).
في قصيدة أرض القمر يبارك سيناء ..رمل الذهب، أرض القمر بقوله:
بوركت يا سيناء
يا رمل الذهب
سبحانه من واهب ٍ
وما وهب
فإنها أرض القمر
أكتوبر الذي عبر
لكنه في آخر القصيدة يبارك السلام الذي جاء بعد حرب أكتوبر (تشرين ) وكما أظن فالشاعر شارك في الحرب وكان ضابطاً..يقول:
يا عريش
والقلوب ضارعة
وقد فتحنا بالدعاء
أشرعة
ويومها السلاح والبطاح
رددت معه
الله
ما أحلى السلام..
بعد خوض المعمعة ..الخ
في قصيدة خذ للدهر عكازاً يلجأ إلى التهكّم والسخرية بقوله:
إن كنت ترجو عظيم الفوز يا هذا فابغ النفاق وكن باللؤم همّازا
وإن رأيت عجين القــرد يصنعــه فحكمة القول.أعطوا العيش خبّازا
وإن رأيت رديء الصنع يفعلـه خفف عليته وقل أحسنت إنجازا
إني رأيت دنيء الناس أخبثهــم تــقــدّم السـبق غمّــازاً ولمّــــاذا
وكما رأينا فالتهكّم والسخري جاء بهما الشاعر على شكل حِكَم يغمز ويلمز ويهمز بصوت الشاعر الناقد للمجتمع بأسلوب مباش..ولغة مباشرة..!
في قصيدة الحنين .. من ماض سحيق ..يرسم الشاعر همومه وعذاباته في رحلة الحياة بقوله:
من ألف عام
قبل بدء الكون
أنتظر الرجاء
وأظل أجلد بالسياط
من الصباح إلى المساء
أتصفح الأيام والأحلام
من ماض السنين
والشمس تنقر في العيون ...الخ
إنه يتصفّح الأيام والأحلام (وكأنهما كتاب مفتوح )،صورة بد يعة – والشمس تنقر في العيون ( يصوّر الشمس وكأنها طائر كاسر تنقر في عيون الناس ) صورة موفّقة..فالشاعر في كثير من الجمل الشعرية يصور،ويرسم،من خلال الخيال والتخييل،ومثل هذا يدخل ضمن فنّيات الشاعر وإبداعه فالموضع مهما كان يحتاج من الشاعر إلى إخراجه بفنية من خلال الرسم بالكلمات ..كما فعلها من قبل الشاعر الكبير نزار قباني..!
نأتي إلى قصيدة في هواها..كان عمري عنوان الديوان ..يقول فيها:
نســيم الحب أيقـظت الشجــونـا وهفهف في رباك شجى دفينا
نســـيم الحب لي بهواك عطرٌ تطـا يـر من حبيب ٍ عــاش فـيـنا
ويسـمع في هـواك أنين نفسي فـيـهـتــزّ الفـؤاد لـه حـزيــنــــا
فيا أختاه هل تدرين حــالــي أنا فــوق الصخــور مشـيت حينا
في هذه القصيدة الرائعة نجد الشاعر محلّقاً،متألقاً،مبدعاً..والشعر الوجداني – كما نعلم – يحلّق بنا بتجلّيات تجعلنا نطير بدون أجنحة،نحلّق في فضاءات الحالة الشعرية من خلال لغة شعرية شفافة،هفهافة،يتوهّج من خلالها الإحساس فنسمو في سماوات الوجد والهيام للأعالـي..هكذا يكون الشعر الوجداني..وهذا ما وجدته عند الشاعر (عبد العال )..!
وفي قصيدة خالدة مصر يتجلّى حب الوطن من لغة الحب والعشق لمصر التي يقول فيها:
يا مصر صوتك خالد في مسمعي يـذكـي هـواي فردديه ورجّعي
لـك فـي الفـؤاد محبـة قـد ســية جـعلتـك عنـدي في المقـام الأرفـع
أفدي تـرابك ما حييت بمتهجتي وأذود عنهـا فـي الخطـوب بمدفعي
وأختم بقصيدة القادم الجديد ( والاختيارات في القصائد جاءت من باب التنويع في المضامين ) هذا القادم إلى المستقبل ..الأولاد،فلذة الأكباد..يخاف عليهم في ظروف الحياة الصعبة،من خلال المستقبل الممتلئ بالمفاجآت..فيقول:
نم يا بنـيّ فلست أول من أهــل وتجسّمت فيك الحياة من الأزل
يا هـل تـرى مثلـي تمـرّ بحــالتي أم قد تعيش على البراءة والغـزل؟
ستشبّ يومـاً كي تعيد حكايتـي وحكـأيـة الأجيال في دنيا الأمل
في حضن أمك ترتوي بحنـانها آه ٍ سيحسدك الكبار على القبل
نجد الشاعر يخاطب الجيل الجديد بلغة شفافة تبدو في الشكل غير جادة لكنها تصل قلوب الأولاد بسهولة وبلغة سهلة، بسيطة..( آه ٍ سيحسدك الكبار على القبل..!)..!
ورغم كثرة القصائد أكتفي بما قدّمت كنماذج شعرية من الديوان نجد فيها الشاعر – كما ذكرت من قبل – ينوّع ويلوّن من حيث الشكل والمضمون في أسلوب فني جيد (السهل دائماً..الممتنع أحياناً ) من خلال صور بديعة ولغة شعرية عذبة ويبدو أن تجربة الشاعر الطويلة جعلته مالكاً زمام القصيدة..وإن كان هذا ينسحب على القصيدة العمودية أكثر من قصيدة التفعيلة فلكل منهما – كما نعلم – أدواتها..والشاعر يمزج ما بين هذه الأدوات في كثير من الأحايين..
أشد علـى يد الشاعر وأهنّئه على تجربته المميزة في عالم الإبداع ..لكنني أهمس في إذنه ،وأتمنى عليه لو أكثر من قصائد التهكم والسخرية فقد وجدته محلّقاً،متألّقاٌ، ومثل هذه القصائد تميّز الشاعر عن غيره كما هو عند الشاعر اليمني (البردّوني ) مثلاً..
وإلى إبداعات أخرى مع طول العمر..نلتقي على دروب الإبداع إن شاء الله..!
-----------------------
- الشاعر محمد علي عبد العال:ولد في بلدة بني محمد المراونة محافظة أسيوط – مواليد 1936 –تخرج في جامعة الأزهر.بكالوريوس تجارة – عمل مديراً عماً في وزارة الدفاع –سابقاً – من إصداراته الشعرية : ) الحب والسلام – بقايا من ضياع – همـوم شاعر – مع هـؤلاء – وحــدك والبحر -)
كتب عنه الكثير (رحلة في بلاد الشام – الشاعرالأموي – وهو عضو اتحاد كتاب مصر - عضو في جمعيات وندوات عديدة – كرّمته الدولة في العيد الأول للفن والثقافة عام 1979 – نال العديد من الجوائز...الخ.