عاطف الجندي
أخيرًا هل البدر و أضاءت الدنيا بوجودك فى منتداك
يسعدنا تواجدك معنا يدا بيد و قلبا بقلب
لنسبح معا فى سماء الإبداع
ننتظر دخولك الآن
عاطف الجندي
أخيرًا هل البدر و أضاءت الدنيا بوجودك فى منتداك
يسعدنا تواجدك معنا يدا بيد و قلبا بقلب
لنسبح معا فى سماء الإبداع
ننتظر دخولك الآن
عاطف الجندي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


منتدى عاطف الجندي الأدبى يهتم بالأصالة و المعاصرة
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
صدر عن دار الجندي بالقاهرة ديوان مكابدات فتى الجوزاء للشاعر عاطف الجندي .. ألف مبروك
أحبائي بكل الحب تعود ندوة المنتدى السبت الأول من كل شهر باتحاد كتاب مصر ويسعدنا دعوتكم السادسة مساء السبت الأول من كل شهر باتحاد الكتاب 11 شارع حسن صبري الزمالك فى ندوة شعرية مفتوحة
بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
المواضيع الأخيرة
» متفتكرش
الملامح الحداثية للشعر العربي في عمان Icon_minitimeالأحد نوفمبر 17, 2024 9:53 pm من طرف محمود جمعة

» في يوم الاسير الفلسطيني/ د. لطفي الياسيني
الملامح الحداثية للشعر العربي في عمان Icon_minitimeالسبت أبريل 15, 2023 1:27 am من طرف لطفي الياسيني

»  مطولة شعرية الجزء الاول مهداة للاستاذة الشاعرة حنان شاعرة م
الملامح الحداثية للشعر العربي في عمان Icon_minitimeالأحد مارس 12, 2023 4:27 pm من طرف لطفي الياسيني

»  عيد الاحزان والاسرى في عتمة الزنزان/ د. لطفي الياسيني
الملامح الحداثية للشعر العربي في عمان Icon_minitimeالجمعة مارس 10, 2023 8:49 pm من طرف لطفي الياسيني

» تحية الى المرأة في 8 آذار / د. لطفي الياسيني
الملامح الحداثية للشعر العربي في عمان Icon_minitimeالثلاثاء مارس 07, 2023 7:54 am من طرف لطفي الياسيني

»  ردا على قصيدة الاستاذ الشاعر الفلسطيني الكبير شحده البهبهان
الملامح الحداثية للشعر العربي في عمان Icon_minitimeالخميس مارس 02, 2023 9:19 pm من طرف لطفي الياسيني

» الى روح رفيق دربي عمر القاسم/ د. لطفي الياسيني
الملامح الحداثية للشعر العربي في عمان Icon_minitimeالإثنين فبراير 20, 2023 12:07 pm من طرف لطفي الياسيني

»  انا المجاهد في العصور / لشاعر دير ياسين*لطفي الياسيني
الملامح الحداثية للشعر العربي في عمان Icon_minitimeالسبت فبراير 18, 2023 11:51 am من طرف لطفي الياسيني

»  في ذكرى الاسراء والمعراج/ د. لطفي الياسيني
الملامح الحداثية للشعر العربي في عمان Icon_minitimeالخميس فبراير 16, 2023 1:12 pm من طرف لطفي الياسيني

Navigation
 البوابة
 فهرس
 قائمة الاعضاء
 الملف الشخصي
 س و ج
 ابحـث
منتدى عاطف الجندى الأدبى
Navigation
 البوابة
 فهرس
 قائمة الاعضاء
 الملف الشخصي
 س و ج
 ابحـث

 

 الملامح الحداثية للشعر العربي في عمان

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
هشام مصطفى هجرس
شاعر
شاعر
هشام مصطفى هجرس


الدولة : غير معرف
عدد الرسائل : 33 نقاط : 54 تاريخ التسجيل : 24/01/2010

الملامح الحداثية للشعر العربي في عمان Empty
مُساهمةموضوع: الملامح الحداثية للشعر العربي في عمان   الملامح الحداثية للشعر العربي في عمان Icon_minitimeالخميس أبريل 01, 2010 4:33 am

الملامح الحداثية للشعر العربي المعاصر في عُمان
ديوان وحدك تبقى صلاة يقيني للشاعرة سعيدة بنت خاطر الفارسية نموذجا

[i
] بقلم / هشام مصطفى
[/i]

[center]لابد من الإقرار أولا بأن هذه الدراسة لا تهدف إلى قراءة شعر بقدر ما هي تتبع ملامحه كنموذج للشعر العربي المعاصر في عُمان ، وإن تم اللجوء إلى القراءة فهي محاولة للغوص بين الحروف ، فإنما يكون ذلك لحساب تتبع الملامح لا غير وذلك لتحقيق الهدف الأساسي للدراسة .
كما لابد من التنويه على أن من أهم أهداف الدراسة تبيان الأسس أو أهمها ، والتي قام عليها الشعر الحداثي ، لذا لم يكن غريبا أن نعرج أولا على محاولة رصد وكشف لبعض أهم المصطلحات المتداولة والمختلف حولها في آن واحد ، كمرتكز أساسي لبناء دراسة موضوعية أو شبه موضوعية قدر الإمكان ، والبعد عن شبهة الذاتية ولتأكيد الحيادية ( وإن كان النقد ذاته مختلفا حوله من حيث انتمائه للذاتية أو الموضوعية كعلم ) وعليه كان العرض التنظيري أولا ومن ثم القراءة لا لكشف المعنى ـ وإن كان هذا وارد بطبيعة الحال كمنتج للقراءة لازما لها ـ وإنما لتتبع ما إن كان الملمح ذاته قائما أم لا ، مستغلا أم لم يتفجر طاقاته كاملة .
ولا يجب اعتبار هذا الاستهلال الذي بدأنا به الدراسة من قبيل اللعب بالكلام أو محاولة إيهام المتلقي أو العبث معه بما ليس موجودا ، وإنما هو تحديد لهدف وبيان لسبيل يستطيع المتلقي من خلاله أن يكون مشاركا فعّالا وفاعلا ، لا مستقبلا سالبا .
والديوان المختار تم تحديده بناء على كونه يمثل الحداثة المتعقلة ( إن صحت هذه التسمية ) لشاعرة تمثل حالة خاصة ، حيث أنها ( ومع اطلاعها وثقافتها وتنوع روافدها ) تقدم من خلال هذا الديوان رؤية متكاملة لعلاقة الرجل بالمرأة ، لذا تجد أن كل قصيدة في الديوان المختار تمثل زاوية ما في هذه العلاقة تجعل الشاعرة تغير من تقنية التناول أو الارتكاز على سمة ما دون غيرها ، كما أن الشاعرة ( كما هي الحال مع الشاعر سعيد الصقلاوي ) تمثل بدايات الانتقال للحداثة الشعرية المعاصرة كمنتوج للنهضة التي عمت البلاد ، غير كونها تمثل تزاوج الثقافات العربية و هي أيضا تعبر عن الشعر النسائي وقضاياه ( مع الاعتراف بخلافية مصطلح الشعر النسائي ) .
ولعل من المفيد هنا الاتفاق أو محاولة الاتفاق على تحديد كنه بعض المصطلحات المتصلة بالدراسة ذاتها ، فإن الاستخدام المجاني لهذه المصطلحات ( على صعوبتها وانفلاتها ) كان أحد الأسباب فيما أصبحت عليه الدراسات النقدية ، وتأخرها عن الحركة الإبداعية ، حتى أننا نستطيع ( وبكل اطمئنان ) أن نصف الأدب ومعه الشعر بطبيعة الحال بأنه أدب أعرج ، نتيجة الخلل الواضح بين الحركة الإبداعية ذاتها والإبداع الثاني لها ( النقد ) .
وإن كانت إشكالية المصطلح النقدي ليست بالوليدة أو أنها نتاج الاعتماد على الغرب ومناهجه ، وإنما هي قديمة قدم بدايات الحركة النقدية العلمية الموضوعية حيث تحدث ( أبو عثمان الجاحظ عن التحول الذي طرأ على الألفاظ )1 .
فإن كان القدماء قد استطاعوا ونجحوا في ذلك قديما ، فإن عودة هذه الحركة لم يكن إلا متأخرة نسبيا ، بظهور المجامع العلمية واللغوية ، حيث يعتقد أن إشكالية المصطلح النقدي تتنوع بتنوع أسبابها ( حيث اختلاف ثقافة المؤلفين والباحثين ... بجانب اختلاف الأوربيين ذاتهم )2 ، زد على ذلك أسبابا تتصل بالمادة ذاتها ، سواء المنقولة أو الناقلة .
فإن كانت هذه الأسباب مجتمعة تجعل من المصطلح النقدي ذي سمة الاضطراب ككل ، إلا أن مصطلح الحداثة من أشهر هذه المصطلحات اضطرابا وتعقيدا ، تجعل من أيّ دارس يشعر بالخطر حينما يحاول الانطلاق منه وجعله إطارا فارقا للشعر المعاصر ، ذلك أن ( مصطلح الحداثة ذو شجون لأنها حداثات )3 ، حتى أنه وصف بالمراوغ ، بالرغم من استخدام هذا المصطلح ووجود لفظه في اللغة العربية ، فالحداثة في المعجم الوسيط ( حَدَثَ الشيء ـ حُدوثا وحداثة ، نقيض القدم ، وإذا ذكر مع قَدُمَ ضم للمزاوجة كقولهم أخذه ما قَدُمَ وما حدث ، يعني همومه وأفكاره القديمة والحديثة )4 .
إلا أن تعريفات هذا المصطلح تعدت العشرين تعريفا ، بدءا من تعريف النقاد الماركسيين بأنها ( لونا من ألوان البرجوازية الجمالية المتأخرة النابعة من الواقعية )5 .
وإن كان ( بودلير ) أقدم من عرفها بقوله ( ما أعنيه بالحداثة هو العابر الهارب ، ونصف الفن الذي يكون نصفه الآخر هو الأبدي والثابت )6 ، والحداثة ذات وجهين متناقضين ، لذا فإن ( رامبو ) يقف منها موقفين على النقيض ، فهو يكرهها إن دلت على التقدم المادي ويتشبث بها لأنها تعطيه التجارب الجديدة .
ولقد تفاوتت التعريفات لهذا المصطلح المراوغ باختلاف اتجاهات النقاد ذاتهم ، فهي تبدأ من ( إزالة الحدود الأدبية التقليدية بين الأقطار )7 ، وهي ( ضرورة ملحة للتطوير ) ، وهي ( ظاهرة تاريخية متطورة )8 ، وهي ( التحرر من كل ما يمت إلى الحضارة بصلة ) ، وهي ( إلغاء تام للذاكرة الشعرية ، ومحاولة ابتداع ما ليس له وجود قبلي عن طريق توحد وجودي بين الإرادة والشهود ، وبين الحلم والتمثل )9 ، وهي ( رؤيا جديدة ، وهي جوهريا رؤيا تساؤل واحتجاج ، تساؤل حول الممكن ، واحتجاج على السائد )9، فلحظة الحداثة هي لحظة التوتر ( أي التناقض والاصطدام بين السائد في المجتمع وما تتطلبه حركته العميقة التغيرية من البنى التي تستجيب لها وتتلاءم معها )10 ، وأخيرا هي ( مفهوم جديد للشعر يغاير كافة المفاهيم التي عرفها التراث )11 .
فلا شك أننا ـ وبرغم مرور فترة زمنية لا بأس بها ـ لم نصل بعد إلى بلورة مفهوم كخلاصة للمفاهيم الخاصة بالحداثة والقصيدة الحداثية ، ويبدو هذا جليا من خلال استعراض جزء يسير من هذه التعريفات ( والتي أوردنا بعضا مما يمكن أن يخدم الدراسة ) ، والتي تضاربت في كثير منها لتصل حدّ التناقض تارة ، وحدّ الشطط تارة أخرى ، ولم يقف الأمر عند هذا الحد ، بل أن بدايات الحداثة الشعرية العربية ذاتها مختلف حوله ، إذ يرى البعض ( أن محاولات شعر المهجر الأمريكي هي البداية ، ويرى آخرون أن بدايات في حركة الشعر الحر / التفعيلة في العراق العام 1947 م ، كما يرجعها آخرون إلى حركة مجلة شعر اللبنانية في أواخر العام 1958 م )12 .
وكذلك امتد الاختلاف إلى المرجعية ( فإن أدونيس وكمال الدين أبوديب يجعلها عربية )13 ، حيث تمرد أبي نواس وربطه الشعر بالحياة اليومية ، والخروج عن القيود كما عند أبي تمام ، وبذلك فإن الحداثة العربية تسبق بودلير وملارمه ورامبو ، وكذلك فعل أبوديب ، حيث يرفض أن تكون الحداثة العربية نسخة للحداثة الغربية ، وفي المقابل نجد اتجاها آخر يربطها تماما بالغرب وثقافته ، مثل وليد قصاب الذي يذهب إلى أن الحداثة الشعرية العربية مفهوم غربي ( يغترف من الحداثة الأوربية )14 .
أما عالميا ، فمؤرخو الحداثة يرون أن عصر النهضة ( القرن السادس عشر الميلادي ) هو انبثاق فجر الحداثة ، وخاصة مع ديكارت وبيكون وغاليليو ، وكذلك يرى المؤرخون ( أن أول من أورد المصطلح هو بودلير ، ومنهم من يرى أن أول من استخدمه في الثقافة الإنجليزية العام 1927 م في كتاب ( مخطط أو مسح لشعر الحداثة ) لمؤلفه جريفز وارينج )15 .
وبذلك ، فإن تعريف مصطلح الحداثة منغلق على منتجيه فضلا عن مستقبليه ، حيث يقول ( ديفيد هارفي ) وهو أحد منظري ما بعد الحداثة ( لطالما استغلق علينا معنى الحداثة والتبس )16 ، ويقول الباحث المغربي على وطفة ( مفهوم الحداثة يأخذ مكانه اليوم في حقل المفاهيم الغامضة )17 ، فإن كان هذا المفهوم يعاني من غموض كبير في بنية الفكر الغربي الذي أنتجه فإن هذا الغموض بطبيعة الحال يشتد في دائرة ثقافتنا العربية المستقبلة له .
وإن كان هذا المصطلح غامضا ، فإن باحثا مثل عبد الله المالكي يرى أن أسباب غموضه في أصله ، حيث أنها ( حدث تاريخي وحالة اجتماعية سبقت ظهور المصطلح )18 ، كما أن ذات الباحث يرى أن البيئة المنتجة له سبب لغموضه ، حيث أن دلالته كانت في الجو الفلسفي المتأثر بالنزعة العدمية والشكية .
ومن زاوية أخرى ، فالمصطلح تاريخيا يعني ( حقبة تاريخية متواصلة ، تمتد على مدى خمسة قرون ، بدءا من القرن السادس عشر ... وانتهاء بالثورة الصناعية فالثورة التقنية ، ثم الثورة المعلوماتية )19 ، ولعل هذا ما يجعل الباحثين ( يفهمون الحداثة على أنها حداثات )20 ، لذا فهي معقدة الفهم ، صعبة الإحاطة بتعريف جامع مانع .
أما الحداثة على المسار الفلسفي فهي ( مجموعة من العمليات التراكمية والتي تطور المجتمع بتطور اقتصادها وأنماط حياته وتفكيره وتعبيراته المتنوعة )21 ، وهي أيضا ( ممارسة السيادات الثلاث : السيادة على الطبيعة ، والسيادة على المجتمع ، والسيادة على الذات )22 .
إلا أننا وبعد استعراض يسير لإشكالية هذا المصطلح ومن جوانبه المتعددة ، يمكن لنا أن نخرج بفهم ( وليس تعريف ) يحاول أن يشمل البدايات أولا حيث أن الحداثة بمفهومها الفكري والفلسفي والتاريخي هي عملية ينتقل بها المجتمع من حال إلى حال وبالتالي فإن كل حقبة ما ينتج عنها أدب يلائم روح حداثتها ، فالحضارة العربية ومثلها مثل أي حضارة أخرى مرت بكثير من التطور ، بدءا من الخلافة الأموية إذْ تبدو حداثة الفكر دون الشكل في غزليات عمر بن عبد العزيز وتحوله للشكل القصصي ، بجانب سمات أخرى مميزة لشعره ( تشكل لنا شعرا جديدا ذا وجه متميز ، ومسحة بادية الترف ، هي بطبيعتها انعكاس لحياة المجتمع الذي انبعثت عنه )23 .
ثم جاءت الخلافة العباسية بحداثتها ، حيث أبو النواس وأبو تمام وأبو العلاء المعري وتحول الشعر وتطوره لغويا وفكريا وفلسفيا ، ثم لتنبعث مرة ثالثة مع السياب ونازك الملائكة واضحة في تجريبيتها حيث شعر التفعيلة ، لتأخذ الحداثة منحنى آخر ، يدخل فيها الإيقاع كطرف حاسم وظاهر يفرقها عن القصيدة العمودية ولتكتمل معها ملامح الحداثة الشعرية للقصيدة المعاصرة .
فإن كانت هذه المراحل التاريخية للحداثة في الحضارة العربية ، فإن الإيقاع كحد فاصل لظهور الحداثة في العصر الحديث وكدعامة أساسية وحالة صادمة للمتلقي من جهة ولأصحاب الاتجاه المحافظ من جهة أخرى ، حيث تحول التعريف الشهير للشعر ( كلام موزون مقفى ) بل وسقوطه باعتبار غير قادر للدلالة على الأنواع الجديدة من الشعر جعلت من المهتمين بالشعر الحداثي يصبون اهتمامهم عليه دون النظر إلى السمات الأخرى والتي تبدو أخطر أثرا وأعمق ، وهذا مما يجب أن يصحح في ذهن المتلقي ، حيث أن الحداثة لا تقوم فقط على هذه الركيزة فحسب ، بل أن هناك ما يجعل القصيدة الحداثية ( التفعيلة ) ذات أبعاد جديدة وبنكهة ووعي مغاير للقصيدة العمودية لم يشر إليها ، أو يتم التركيز عليها لا في القراءات الشعرية ، ولا في الأعمال التنظيرية في علم النقد ، إلا اللهم البعض أتى بها عرضا من ضمن الحديث عن العلاقات بين مفردات الوجود والشاعر الحداثي .
أما عن الحداثة الشعرية المعاصرة ( إن صح التعبير عنها ) فإن أهم ما يميزها ويصلح أن يؤسس عليها لتعريف أكثر وضوحا وعدم اضطراب عنصران أو مبدآن متصلان ومتلازمان وكلاهما يعضد الآخر ، وهما ( التجاوز والتطوير ) ، وحينما نقرّ بالتجاوز فإن هذا لا يعني الهدم أو الرفض ( كما في قصيدة النثر وكما أشار أدونيس في كتابه فن الشعر ) ، فالتجاوز الذي نقصده هو الاحتفاظ والاعتراف به مع عدم التوقف عند حدوده بل اعتبار هذه الجوانب المتجاوز عنها من التراث لا تصلح للتعبير عن العصر الحالي فسقطت جوانب من التراث مثل نظام البحر وقيمه لصالح قيم ونظام التفعيلة وبمعنى آخر سقطت قيم الانتظامية والتكاملية لصالح قيم العبثية والصراع والتناقض ، وعليه يأتي المبدأ الثاني ليتم تطوير ما تم التجاوز عنه لإدخال نظام خاص بالتفعيلة وتقنية التدوير أو التجريب بالتحول إلى عدد من البحور أو استخدام البحور ثنائية التفعيلة كوحدة متجانسة غير منفصلة تمثل تفعيلة واحدة ، كل ذلك لخدم الرؤى الجديدة للشاعر الحداثي المعاصر فلم يصبح الوزن عائقا أمام ثورية الشاعر الحداثي وتتطلعه إلى التجديد وليكون متقدما على المجتمع لا تابعا له .
كل هذا يدخل في إطار عملية التطوير/ التجريب لشعر التفعيلة أو الشعر الحداثي ، أما التجريب ذاته فهو انعكاس لتحولات المجتمع ( وهو بمثابة الثورة على القديم ) وإن كان لنا نتحفظ على مصطلح الثورة وإنما الأنسب القفز أو التجاوز ، حيث يعتبر محمود درويش ( أن الشعر الحداثي شعر تجريبي ) ويؤمن التجريبيون ( بأن ما هو لا معقول في الطبيعة ليس مستحيلا دائما )24 ، كما أن التجريب في مضمونه رفض للنمذجة .
إذا نحن أمام محاولات للتجاوز عمّا هو كائن وغير صالح في مقابل التطوير للوصول على ما ينبغي أن يكون كأحد هموم الشاعر الحداثي ، ليس في بنية القصيدة الحداثية فحسب بل في الرؤى والقيم الجمالية ، والذي يجعل القصيدة العربية تخرج من ملامحها المعتادة إلى ملامح أخرى إما مطورة أو مبتكرة أو وافدة جراء الإطلاع والتأثر بالتجارب الوافدة والغربية وكل ذلك يدخل ضمن التجريب الدائم ورفض النمذجة و التصور المسبق .
وإن كانت الحداثة الشعرية العربية عرفها الأدب ( باختلاف مؤرخيها ) في فترة ليست بالبعيدة نسبيا ، فإن الحداثة الشعرية في الأدب عموما والشعر خصوصا في عمان قد بدأت كنتيجة طبيعية وحتمية لتغيرات مجتمعية وسياسية واقتصادية واكبت النهضة مما مكن الشعراء ليس بالاتصال بالحركة الشعرية الحداثية عربيا و غربيا ( وإن كان هذا الأمر كان موجودا ولكن بمساحة أقل وأضيق مسبقا على ظهور النهضة ) بل بالتعبير الحداثي وبأسلوب القصيدة الحداثية والتي أصبح لها أعلامها بين شعراء عُمان وخاصة الشاعرات اللائي ظهرن منهن بقوة كأمثال تركية البوسعيدي وسعيدة خاطر ( حيث أنهما تصنفان من الرعيل الأول للشاعرات مع عدم الإنكار لوجود صف ثان وثالث منهن واللائي أجدن في القصيدة الحداثية ) ولعل اختيار الشاعرة سعيدة بنت خاطر الفارسية لكونها تمثل الرومانسية الإنجليزية وامتداد لنازك الملائكة في هذا الاتجاه ، ما يجعلها تعكس تجربة الشعر الحداثي المتوازن أو المتعقل .
أولا من الموضوع ( الغرض ) إلى المحرض الجمالي :
ولكي نستطيع التعرف على ماهية الحداثة في هذا الجانب ، لابد لنا أولا من المقارنة بين تعريفين للشعر / الفن عند كلٍّ من أرسطو وأفلاطون ، فالأول يرى أن الشعر والفن عموما ( محاكاة جميلة لأي موضوع وأهميتها التربية والإرشاد الخيّر والفضيلة )25 ، أما الثاني فيرى الفن ومنه الشعر بطبيعة الحال في قوله ( نحن لا نبحث في الاسم بل في الموضوع الذي يوجد وراءه ، لذا فإن التصوير بالأمثلة والأساطير هما أنجح الوسائل للتعبير عن الحقيقة ، لأنها توحي بها ولا تدّعي استيعابها )26 .
وعلى هذا فنحن أمام شعر لا الموضوع ( أي لا غرض له ) وإنما هو شعر يهتم بإقامة العلاقات والتي تكوّن في نهاية الأمر ملامح أو إيهام بصورة الحقيقة لا الحقيقة ذاتها ، وعليه فإن أول سقوط أو إسقاط في الشعر الحداثي هو للموضوع أو للأغراض الشعرية المستقرة والمتعارف عليها في الشعر المحافظ العمودي من مدح وهجاء وغزل ووصف إلى غير ذلك من الأغراض الشعرية ليصبح البديل عنها هو المحرض الجمالي أو الدافع للقصيدة ، والذي لا تكمن ملامحه وأبعاده في الموضوع ذاته بل في العلاقات المتشابكة بذات الشاعر والمتقاطعة مع الموضوع .
وبالتالي أول ما يسقط مع الموضوع ( المعد سلفا في ذهن الشاعر ) ما يتصل بع من قضايا عمود الشعر وشعرية الكلمة ، لذا فإن الباحث في ديوان الشاعرة ( وحدك تبقى صلاة يقيني ) لا يمكن أن ينسبه إلى غرض الغزل مثلا أو إلى الشعر الاجتماعي المهتم بقضايا المرأة ، على اعتبار أن الشاعرة اتخذت من علاقة المرأة بالرجل محورا أساسيا في القصائد المشكلة للديون ، بل حصرت الرؤية في طبيعة هذه العلاقات ، حيث أن هذه الطبيعة تأخذ مناحي متعددة بدأ من ( عندما يأتي ) والتي تبحث فيها عن ماهية العلاقة ومرورا بـ ( حين أحبك ) والتي تسلط الضوء على نوعية الإحساس وطبيعته بهذه العلاقة ، ومن ثم ( غمازة تقسم وجه القمر ) تصب اهتمامها على التأثيرات المتبادلة جراء العلاقة بين الرجل والمرأة والشاعرة في كل ذلك تنتهج النهج الرومانسي الهادئ للرومنطيقية الإنجليزية .
هذا ما يقودنا بطبيعة الحال إلى شعرية الكلمة ، والتي كما أشرنا سلفا أُسْقِطَتْ مع إسقاط الغرض أو الموضوع كأحد أهم المحاور لقضايا عمود الشعر ، حيث الاهتمام بجزالة الكلمة وفخامتها مدى مناسبتها للغرض الشعري ، فمفهوم شعرية الكلمة أو شاعريتها الجديد قضى تماما على ما يسمى المعجم الشعري ، وهل الكلمة تصلح وتناسب الغرض ؟ ، فاللفظ الشعري ينطلق من مفهوم الشعرية الجديدة ( وهي وظيفة من وظائف العلاقة بين البنية العميقة والبنية السطحية للفظ ، وتتجلى هذه الوظيفة في العلاقات بينهما فكلما اتسعت كلما كانت الكلمة أو اللفظ أكثر شعرية أو شاعرية ، وهي كذلك تتحقق عندما تكون دلالة اللفظ مفقودة أولا ثم يتم العثور عليها )28 أو بمعنى آخر أكثر إيجازا لماهيتها ( هي الانزياح والانحراف بالتعبير )29 .
وأوضح مثال على ذلك قصيدة ( ملاكمة ) ، فمقياس القصيدة المحافظة لا يمكنها القبول بهذه اللفظة في بيان العلاقة بين الرجل والمرأة ولا يمكن بناء على ذلك ضمها إلى المعجم الشعري وخاصة لشعر المرأة ، حينما تصور الشاعرة نوعية الصراع بين الرجل والمرأة أو قل إن شئت الرفض لجزء من المرأة ( تلك التي عجنت الحب بحرائق البهار )30 ، فانزياح الصراع الدرامي والمتوحش داخل المرأة ذاتها حولها إلى من مجرد صراع إلى حلبة ملاكمة وما تعنيه هذه الكلمة من دلالات عنيفة ودم وصراع مميت ليبقى الأقوى والخلخلة التي أحدثتها اللفظة بين البنية السطحية المعجمية والبنية الدلالية المتطورة ( سواء كان هذا الانزياح مقبولا أو لا ) هو بالضبط ما نعنيه بالشعرية أو الشاعرية ، حيث أن الكلمة تؤدي وظيفتها الدلالية تماما ولتصبح الدلالة هي المحرض الجمالي والتي يتحدد على إثرها نوع وشكل العلاقة وماهيته .
وفي قصيدة ( شقاوة وحياء ) حيث ترسم الشاعرة صورة الرجل وهو منقسم في عشقه بين ذكوريته الثعلبية وعفاف الحب الباعث على الحياء ، إذْ تقول الشاعرة ( هكذا تطلّ من عينيه ... / شقاوة الثعلب / وتختال نظرته الملساء / حياء النفس السابحة / بين مدّ المكر / وجزر النقاء )31 .
فلفظتي ( شقاوة / وثعلب ) مرفوضة في عمود الشعر حينما تدوران في فلك شعر الغزل ، حيث أنهما تخالفان الرقة والرومانسية والملاطفة ودغدغة الأحاسيس أي لا تناسبان المقام ولا يصدران أيضا عن امرأة في خطابها للرجل ، وهي بالمنطق الجديد الحداثي لمفهوم الشاعرية / شعرية الكلمة ، تقومان بدورهما بدرجة عالية من الجودة ، إذ المسافة الفاصلة بين البنية السطحية والعميقة للفظة تعطيان المؤشر الحقيقي للعلاقة بين الرجل والمرأة ولتعبر وبشكل دقيق عن ماهية العلاقة أو حالتي المد والجزر ، والتجاذب بين النقاء أي نقاء الحب وسمة الثعلبة الخاطفة والسارقة والماكرة في آن واحد لتشكل في ذهنية القارئ ملامح الرجل حينما يقيم علاقته بالمرأة .
ناهيك عن استخدام الألفاظ التي تدخل في اللغة الدارجة أو التي تقترب من العامية لكثرة دورانها على لسان العامة ، تقول الشاعرة من قصيدة صباح الخير حيث حالة النشوة من الفرح المسيطرة على قلب المرأة والدافع للبوح ( ياله من صباح / يرشرش الماء ... / في ساقية القلب المتورد ) 32.
فلفظة ( يرشرش ) تدخل في باب الألفاظ الدارجة والمقتربة من العامية لكنها أصبحت في هذه الصورة لقلب الأنثى أكثر من موحية بمدى السعادة المسيطرة فصورة الرشرشة تعكس صورة الصباح وهي عادة يقوم بها أصحاب المحال لنشر الترطيب وتيمنا باستقبال يوم سعيد ، وهي كذلك دال على بداية الحياة ، مع التقاء الماء بالتربة وكانزياح لبداية ما تشعر به المرأة في هذا الصباح .
هذا بالضبط ما أحدثه انتقال الشعر إلى الحادثة حيث سقوط الموضوع لصالح اللاموضوع والانتقال من الغرض إلى اللاغرض ، حيث تبدل القضايا الخاصة بالأسلوب واللفظ واختفاء عمود الشعر أمام مفهوم جديد لشعرية / شاعرية الكلمة ، مما أباح للشعراء استخدام ما كان محرما ، بل واستناد الصورة عليه لتعطي شبكة العلاقات بعدا أكثر قربا لذهن المتلقي ، واختفاء الاسم وبروز ما ورائه .
ثانيا : من التكاملية للتجادلية .
وتكمن أهمية سمة التجادلية في القصيدة الحداثية ، في أنها قلبت موازيين ومفاهيم الفهم العام للعالم والوجود الإنساني ، فهي ( تقوم على فهم الوجود والعالم من منظور التناقض وتبادل التأثير فيما بين الظواهر ، على عكس الكلاسيكية ( التيار المحافظ ) التي تقوم على الثبات والاستقرار والرؤية التكاملية للعالم )33 .
ولكي نقترب من هذا المفهوم التجريدي ، فإننا نشبه هذا الانقلاب لرؤية العالم من المفهوم التراثي المحافظ إلى المفهوم الحداثي بفهم دورة الحياة والتي تعلمنا أن نراها من منطلق الكائنات تعيش على وجود الكائنات الأخرى ، أي وجود الإنسان مرتبط بوجود الحيوان والنبات ، والحيوان على وجود النبات وهكذا ، ولكن الحداثة لا ترى دورة الحياة مثلما تعلمنا بل ترى عكس ذلك حيث أن وجود الإنسان وحياته قائمة على موت الكائنات الأخرى لا وجودها ، وبالتالي فإن الحياة ذاتها لا تقوم على مبدأ التواجد والتكامل ، بل على مبدأ التناقض حيث الموت يبعث الحياة .
وحتى نقترب من فهم أوسع وأشمل نحاول أن نفهم الصورة من خلال هذا التجريد ، ففي قصيدة ( حالتان زائفتان ) حيث حالة التساؤل ومحاولة الإجابة من خلال رصد انبثاق الإجابة لا الإجابة ذاتها ، ومن زوايا مختلفة لهذا الانبثاق لمن دار به الزمان ، وهو يحاول استعادة ما ضاع ، تقول الشاعرة ( نصف قرن يتمدد بينهما / على الطاولة / ماذا تريد ؟... / والربيع يستيقظ / في مقلتيها / ويقرص الخدين حسنا / يموج الصبابة / فتنغلق الشفتان / عن فلقة نورية البسمة / تقبل فلقتها الغافلة )34 .
فالمسافة الزمنية الفاصلة والموصوفة ( تمددت ) تبعث على التساؤل الدهشة ( ماذا تريد ) فمقابلة طرفي المسافة تستدعي السؤال ، ومابين الذبول والإشراق تكمن الدهشة ( ماذا تريد ) إذا التناقض استدعى التساؤل وتقوم باقي الصورة بترسيخ هذا التساؤل / الاندهاش في ذهنية المتلقي ، ناهيك عن التبادل في التأثر بين الظواهر فـ ( الربيع / يقرص ـ والقرص يولد الحسن ـ التموج / يأتي بالانفلاق ـ والفلق يولد النور ) هكذا يأتي الشيء من التناقض لا التكامل .
على حين تأتي الصورة المنعكسة للطرف الآخر من النصف قرن مغايرة تماما لترسيخ الاندهاش ، حيث تقول الشاعرة ( نصف قرن يتمدد بينهما / على الطاولة / ماذا تريد؟ / والخريف يسحب نعليه / على ملامح تغضنت سنواتها / تهالكت / تدلت أغصان الرغبات فيها / هامدة / لكنها أبدا يراوغ صفرة الذبول / يمسح عن عينيه ، عن شفتيه / عن محنة القلب / غبار الفصول الهاربة )35 .
إذا نحن أمام صورة معاكسة تماما للطرف الآخر من النصف قرن ( ربيع / خريف ـ تستيقظ / تسحب ـ هامدة / تنفلق ـ نور / غبار ) هذا التناقض هو ما يرسم حالة محاولة الاستدعاء وحالة الاندهاش والمبرر الشرعي له وللتساؤل ، ومن ثم دقائق الصورة الأخرى أيضا تقوم على التناقض لا التكامل حيث ( الرغبات المتدلية من الغصون / هامدة ـ المراوغة ومحاولة التخفي أمام المحنة الكامنة في هرب السنين والشيخوخة ) هذا ما يجعلنا نفهم البعد الإنساني للصورة في علاقة الرجل الهرم بالمرأة الشابة والدافع لها من خلال التناقض بين الانبعاث الحقيقي والذبول المتخفي ومحاولة البعث من جديد من خلال الاتصال والجمع بين المتناقضين ( الربيع / الخريف ) والدافع الحقيقي لسر الاندهاش وحجمه .
بجانب الصراع القائم نتيجة التناقض مما يعكس حالة الانبعاث في الصورتين ، فالأولى نقيضة الثانية حيث الأولى انبعاث من الانبثاق أما الثانية محاولة الانبعاث من التخفي ( الخريف / يسحب ) و ( الملامح / تغضنت ـ تهالكت ) و ( الرغبات / تدلت ) وكله ينصب في خدمة الفعل ( يراوغ / يمسح ) في نطاق المفعول به ( صفرة الذبول / غبار السنين ) لتبدو أبعادها الحقيقي جراء الصراع بين مفردات الصورة والتي تعطي صورة أشمل لعالم الرجل السائر إلى الذبول أمام روعة البداية والشباب للمرأة ، وترسم البعد الحقيقي لمعاناة الخريف أمام الربيع ، أمام الانتهاء مقابل البداية ، ومن هذا الفهم بالضبط نستطيع تفسير عنوان القصيدة بالحالتين الزائفتين ، فالاتقاء بين المتناقضين لا يؤدي إلا للزيف سواء في المشاعر أو في بنية العلاقة أو في تصور نهايتها ، وهذا بالطبع يحيل إلى فهم أعمق لطبيعة العلاقة في هذا الجانب ، والذي يعدّ أحد الجوانب المتعددة التي يرسمها الديوان ككل .
إلا أننا يجب أن نسجل ملحوظة هام ، حيث أن الشاعرة لم تعتمد بشكل جيد على تناقضية الصورة الواحدة بين مفرداتها ، بمعنى آخر لم تهتم بإبراز الصراع الداخلي للصورة الواحدة حيث انصب اهتمامها على التناقضية الكلية بين الصورتين فقط ، وإن كنا قد نجد بعض العذر المتلمس للشاعر في هذا الأمر ، حيث مراعاة البيئة ونوعية المتلقي ومدى قبوله لهذه الرؤية أو الاعتراف بها ، ومن جهة أخرى اهتمامها كقضية لا كحالة فنية أولا وأخيرا ، حيث الباعث واضح ، وهو الإيحاء برفض هذه العلاقة المفترضة ، والذي أكد عليه تركيز الشاعرة على الكلية ، والتي كانت المسئولة عن رسم عالم هذه العلاقة .
هذا ما يجعلنا نتفهم تحديدا ، لم توقفت الشاعرة عند حدٍّ معينٍ في رسمها لصورتي المرأة الحبيبة والمرأة الزوجة وعلاقة الرجل بهما ؟ ، حيث الحبيبة شديدة التأثير على الرجل أمام الزوجة التي تبدو كإطار له ، ولِمَ لَمْ تتوغل في كينونة كل صورة على حدا ؟.
ففي قصيدة ( امرأتان ) من نفس الديوان تقول الشاعرة ( هنالك امرأة / تتعسكر ... / حاملة لواء بيتك .. / منحها العزيز .. / مفتاح ربيع / لسنوات سمان) إلى أن تقول واصفة إياها ( تتنسم عبير فحولتك / مترعة أنوثتها بالخصب / يتورد ثديها بالسقيا / تتكور بطنها بالنعمى / لها أبهة الإطار المذهب بالأمومة / وخيبات الحمل السراب )35 تلك هي المرأة الزوجة ، حيث لا يخفى الإسقاط لقصة امرأة العزيز في سورة يوسف ، وما كانت عليه وماهية العلاقة ، و اكتساب كل النعم ومسبباتها إلا نعمة الترابط الأسري والشعور بوجود الرجل ، فقد ركزت الشاعرة في مفردات صورتها على الجوانب الحسية في المرأة دون التركيز على توالد هذه الجوانب جرّاء التناقض مثلا في ماهية العلاقة لتصل إلى النتيجة التي أصبحت عليها ( الإطار المذهب / خيبات الحمل السراب ) ، فما جعلنا نستشعر المعاناة ليس التناقض وإنما تولى ذلك الإسقاط .
وفي المقابل نجد صورة المرأة الحبيبة ، والتي تأتي مغايرة تماما للصور الأولى كما في القصيدة السابقة ( حالتان زائفتان ) إذْ تقول الشاعرة ( وهنا امرأة / ترتع في ملامح وجهك / تنمو بين بصيلات مشاعرك الكثيفة ) فالصورتان الوصفيتان للمرأتين متناقضتين تماما بدءا من اسم الإشارة وانتهاء بفاعل الفعل ومفعوله ( تتنسم / ترتع ـ يتورد / تنمو ) والمفعول في الأولى ذات المرأة والثانية ذات الرجل ما يوحي ويؤكد على الارتباط الوثيق بالرجل مع الأولى دون الثانية بالرغم من التواجد المكاني له معها .
إلى أن تصل لوصف الثانية حيث تقول ( هي امرأة تتآمر ضدها الأزمنة / تقذفها إلى ركن قصي في مجرة البعد القسري / لكنها تتحوصل لتنام تحت إبطيك )36 هذه الصورة الحزينة مفرداتها شديدة التعب والانكسار تقابلها صورة النعمى والترف للأولى ، ما يكون التناقضية الكلية والتي تعتمد عليها الشاعرة دائما في إظهار وجه العلاقة والعالم والوجود لكلٍّ من المرأتين ، ذلك كله يحيلنا إلى تفهم موقف الشاعرة ولم التركيز على الكلية دون الجزئية للصورة ، حيث الاهتمام بالموقع لفهم حقيقة مشاعر الرجل تجاه المرأة الحبيبة / الزوجة ، دون التورط في فهم كيفية الميلاد لكل منهما وخاصة المرأة الحبيبة ، وهذا ما يحيلنا أيضا لفهم أبعد لمشاعر المرأتين وكذلك موقف الشاعرة ذاتها حيال المرأتين ، هذا الموقف الذي يعرض دون أن تمج أو ترفض أيا منهما ، أو حتى يتحسر ، ما يعني دعوتها للمرأة الزوجة أن تتبوأ مرتبة المرأة الحبيبة كموقف إصلاحي تستدعيه الضرورة للعصر الحديث الذي تشهده عمان من اطلاع على طبيعة التطور في البنية المجتمعية والاقتصادية .
إلا أن هذا الموقف الإصلاحي لا يعني التغاضي عن عدم اهتمام الشاعرة بإبراز التناقضية الجزئية واستغلالها الاستغلال الأمثل كأحد سمات الصورة الحداثية والذي أفقدها الكثير من القوة والتفاعل ، وكذلك تخفيف حدّة الصراع الداخلي ما يعني فقد التفاعل معها .
ثالثا :الصورة الحداثية من التجسيد والتوضيح إلى التوليد .
ولا نتجاوز الحقيقة إذا قلنا أن هذا الجانب من أخطر الجوانب تطورا بل قل إن شئت تجاوزا للتراث والقديم ، حيث التحول الكبير في الوظيفة والماهية ، بدءا من البنية ، وانتهاءً بالتأثير أو الأثر والانطباع على ذهنية المتلقي .
فأول ما يمكن أن نقرره وباطمئنان ، أن الصورة الحداثية استطاعت أن تفجر أكثر طاقاتها خدمة لمحاولة الفهم الجديد للعالم والوجود ، ذلك أنها انتقلت من موقف التوضيح للفكرة ، أو لما هو قائم بالفعل إلى موقف المنتج له ، كما أنها أصبحت المسئولة عن رسم هذا الكائن بالفعل .
فلم تعد الصورة الحداثية ( مجرد شرح للفكرة أو توضيحا لها ، بل أصبحت الصورة داخلة في صميم النص الشعري ، وأصبحت الفكرة ذاتها ، أو صورة مفكرة )37 .
إذا فنحن إزاء تطور هائل في استغلال طاقات الصورة الشعرية ، والتي بدورها أسقطت الغرض جراء تطورها ، أو على أقل تقدير كانت أحد هذه العوامل ، فلم يعد الشاعر الحداثي يُعِدّ سلفا موضوعا ، ومن ثم يتطلب من الصورة أن توضحه .
ولكي نقترب أكثر من هذا الفكر التجريدي ، لنأخذ مثلا هذا البيت الشهير لامرئ القيس الذي يقول فيه ( وليلٍ كموج البحر أرخى سدوله عليّ بأنواع الهموم ليبتلي ) فالشاعر كي يوضح لنا موضوعه وهو تكالب الهموم عليه وقت الليل فإن ذلك تطلب عقد مقارنة بين تتابع الهموم بتتابع الموج ، على حين أراد السياب بث حالة العراق في حزنه وفي نفس الإطار في مطلع قصيدته الشهيرة ( مطر ) فقد جعل الصورة المسئولة عن انبعاث هذه الفكرة ( عيناك غابتا نخيل ساعة السحر ) فعناصر الصورة ( العين / غابتا نخيل / ساعة السحر ) شكلت في مجملها صورة تبعث حالة العراق الممثلة بعشتار وهي تعكسان الجمال المغرق في الظلام كدال على الحزن المسيطر على الجمال في العراق أو في عيني عشتار ، هذا الفهم ما كان لولا أننا ربطنا بين العناصر وما تدل عليه لتشكل ملامح الفكرة المنبعثة .
وبهذا ( تنهض الصورة الحداثية من ذات العلاقة التجادلية بين عناصرها بشكل يستحيل فيه الفصل بينهما ، أو النظر إلى أحد عناصرها بمعزل عن الآخر )38 ، فحينما نقول عناصر الصورة فهذا لا يعني إلا الظواهر أو الأشياء التي تتكون منها الصورة ، بما تحمله من دلالات وإيحاءات ، وبذلك فإننا لا نفصلها عن الأفكار والانفعالات والأساليب البلاغية المستخدمة فيها ، بل نقصدها مجتمعة كلها ، ككل متكامل .
ولعل قصيدة ( سرنا الصغير ) من ديوان الفارسية مثال رائع للصورة الحداثية وأبعادها بالمعنى الذي قررناه سلفا ، حيث تقول الشاعرة ( سرنا الراقد في مقلة الفرح الرغيد / أرخ ستائر الكتمان عليه / هدهده برعشة الفرح المتراقصة في الدماء / ودلله .. / هو بعضي وبعضك / حين توشوشت النظرات / وامتاح عطش العمر / من ينابيع السنين )39 .
فالصورة المعروضة تطرح إشكاليتين ، الأولى فكرة السر الرابط بين قلبي الحبيبين ، والثانية فكرة الخوف عليه ، وعليه فعناصر الصورة كانت كالتالي ( السر / الكتمان / الهدهدة ) والترابط بين هذه العناصر ينتج ذات الفكرة ، فالسر ( يرقد في المقلة ) والمطلوب إخفائه ( أرخ ) ليبرز الهدف ( الكتمان ) من خلال نزول الستائر ، هذا يناقض تماما فعل ( الهدهدة / الدلال ) لأنه يتطلب عكس الكتمان ( سمة التناقضية ) .
إذا فنحن أمام تناقض يؤدي للتجادلية بين الكتمان المطلوب وبين الهدهدة ، ذلك ما يجعل للفرحة رعشة ويبرره ، حيث مكان التراقص الدماء التي لا يمكن رؤيتها إلا بإراقتها أو موت الإنسان ذاته ، فتنعكس فكرة الخوف والحرص عليه كدلالة نستشفها من عناصر الصورة ، ولتجعل السر ذاته الرابط القوي للحبيبين ( هو بعضي وبعضك ) جاء ذلك نتيجة الصراع والتناقض بين ( الوشوشة ) بما لها من صوت و ( النظرات ) بما لها من صمت وتركيز ، كذلك بين الاحتياج جراء ( عطش العمر ) إلى الزمن ( ينابيع السنين ) فما بين عمر الحبيبين والزمن الإطار لهما تناقض ( العطش / الينابيع ) وما بين ( الوشوشة / النظرات ) تناقض يؤدي إلى التوالد للسر والذي بدوره يصبح الرابط الذي يخاف عليه ، هكذا تصبح التجادلية سببا في فهم الوجود أو العالم الحقيقي للحبيبين والمنبعث من عناصر الصورة .
هذه التجادلية المسئولة عن انبعاث الفكرة ( بجانب الدرامية والتي سنأتي عليها لاحقا ) تظهر في مقطع آخر من نفس القصيدة ، حيث تقول الشاعرة ( هو سرنا / فالتمس العذر له إذ ما تشيطن / و كش بعصاه أسراب الظنون / ووسوسة الغيوم الآفلة / وبرى سهام يرشقها بصدر غزلان النوايا الجافلة ) .
فالسر مطلوبٌ منّا أنْ ( التمس العذر ) وبالتالي يبرز السؤال متى ؟ وكيف ؟ ، وللإجابة عليه تقوم التجادلية للصورة بهذا الدور ، فالسر في ماهيته يقوم على الإخفاء والكتمان ولكن الفعل الذي يأتي به يناقض ذلك تماما فهو ( تشيطن / كشّ / برى السهام ) وهو بذلك يقوم مع ذاته بالتناقضية اللازمة لإدراك الحالة النفسية للمحبين ، وفي الوجهة المقابلة يقوم فعلاه ( كشّ / برى ) بتجادلية أخرى أمام ( أسراب الظنون و وسوسة الغيوم / النوايا الجافلة ) فهو بتجادليته يعطي الملامح الحقيقية لحالتي الانفعال داخل الذات سواء مع الماهية أو مع ما يستجدّ جراء الشعور بالخوف ، ما يأتي بالظنون والوساوس ، والتي لا تكون إلا في النوايا .
إن عناصر الصورة تبدو تجادليتها كأفضل ما يكون في التعبير عن المعنى لكونها تعطي الانزياح المعنوي المطلوب لحالة القلق للمحبين في حالة التخفي ( علما أن هذه الحالة قد تناولها الشعر المحافظ كثيرا مما جعلها مستهلكة ) وهي حالة وإن كانت قديمة إلا أنها أخذت ثوبا جديدا بفضل الرؤية الجديدة للصورة ومفرداتها وعلاقات هذه المفردات مما أكسبها عنصر الدراما والقدرة على الكشف للأبعاد الحقيقية لحجم القلق وانفعالاته ، وهي في ذات الوقت أحد وجوه المعنى إذ أن المعنى ينبثق من التصاعد الدرامي المولد من تجادلية العناصر ما يعني انعكاسا لمفهوم الفكرة و الصورة المولدة لها أو الصورة المفكرة .
صورة أخرى تبدو فيها التجادلية بملامح أوضح للحداثة الشعرية وبشكل أقل ما توصف به بالرائعة ، حيث تقول الشاعرة من قصيدة ( صباح الخير ) من ذات الديوان ( مختلف هذا الصباح / ففيه ... / لم يتوكأ البحر عصاه / ضاربا شقاوة الرمل / واحتجاجات الصخور ... / وفيه لم تحنّ الشمس ضفائرها / من الذهب المخبئ / في دهاليز الشروق / وفيه لم يجعد الهواء المسافر / فوق أجنحة النخيل / خطواته متثاقلا / كي لا تميل )40 .
فالصورة تعبر عن إحساس الشاعرة بالصباح المتوقف ، لذا فهو مختلف بداية ، وتبدأ بتعدد ما كان يجب أن يكون وما هو كائن ليبدو الاختلاف واضحا و تبرر مجيء جملتها في صدر الصورة ( مختلف هذا الصباح ) ، فعناصر صورة الصباح مكونة من المفردات الاعتيادية ولكن الاختلاف ليس في المفردات وإنما في أفعالها ، فالمفردات ( البحر / الشمس / الهواء ) وكل مفردة مرتبطة هي الأخرى بمفردات تتعامل معها في الاعتياد ولكنها ( لم ) تقم بما اعتادت الشاعرة أن تراه منها ، فانتفاء الفعل هو عين التناقضية لبروز معنى الاختلاف للصباح من جهة / والفعل المعتاد هو بدوره يقوم على التناقض ( فالبحر ) يقابله ( شقاوة الرمال / احتجاجات ) وهي تجادلية متناسبة للمضاف إليه ( الرمل / الصخور ) أمام تفاعل البحر معها ، وانتفائها يعني الاختلاف ، كذلك مع العناصر الأخرى ( الشمس / الهواء ) ما يجعل السبات هي السمة المسيطرة على الصورة ما يعكس الاختلاف في نفس الشاعرة .
والحقيقة أن هذا الاختلاف هو ما يعكس ملامح الوجود لعالم الشاعرة / المحبة أمام الصباح المعتاد ليكون في نهاية الأمر لحظة الميلاد الحقيقية للحب أو هو الميلاد والانبثاق له وذلك من خلال وضع هذه الصورة في سياق القصيدة ككل .
رابعا : من الغنائية إلى الدرامية .
ومن خلال استعراض الملامح السابقة للشعر الحداثي والتطور والتجاوز فيه ، نجد أنفسنا أمام ظاهرة برزت في الصورة الحداثية بجانب لتجادلية ، وكانت مسئولة عن تحولين هامين ، الأول التحول من الغنائية الذاتية البحتة إلى الغنائية الدرامية ، أي من ( التعبير عن الظواهر من خلال الأثر الانفعالي في الذات )41 ـ كمظهر من مظاهر السمة المحافظة للقصيدة العمودية ـ إلى الانطلاق من الفردية والذات في وعي العالم ، وتجسد العالم من خلال الصراع الذي هو جوهر الدراما ، فالشعر الحداثي بناء على ذلك ( تتقاطع معه الذات ولا تتطابق )42 .
والثاني خاص برؤية العالم حيث رؤية العالم من خلال الذات وليس العكس ، لذا فحينما حلّت التجادلية ( رؤية العالم من خلال التناقض ) محل التكاملية ( روية العالم من خلال التناغم معه ) فإن الصورة أيضا احتوت على الدراما ، كأحد أوجه الصراع بين العناصر للصورة كنتيجة حتمية مباشرة للتناقض ، للتتحول الصورة ( أو العالم ) من التوضيح كمعادل به و نوع من التشابه والتكامل لعناصره مع الذات ، إلى توالد الفكرة ذاتها جراء الصراع القائم من التناقض بين هذه العناصر والتي تعكس بدورها ما في الذات متقاطعة ( وليست متشابهة ) مع العالم ، وبهذا فإن سمة الدرامية للصورة نفهمها ( بالصراع القائم بين عناصر الصورة تارة في الموقف الواحد ، أو عناصر القصيدة وشخوصها أو أصواتها تارة أخرى )43 ، وبذلك تنتقل الصورة لتعبر عن رؤية العالم من خلال الذات أو تقاطعها له ، وليس رؤية الذات من خلال العالم أو تأثرها به وانفعالها معه ، كما هو الحال في القصيدة المحافظة للشعر العمودي في معظمه .
ولكي نقترب أكثر من هذا الملمح نحاول أن نتلمسه من شعر الفارسية في ديوانها وتحديدا في قصيدة ( الانتظار هودج الموت ) تقول ( الآن تسألني المرآة ، أسألها ... / من ذا سوانا يرى الأشياء عابسة، ولا مجيب / سوى الأحلام تنتحر / هذي دموعي أسيرات / لها خلف أسواري / نداءات تسائلني / متى يعود ...؟ فصبري كاد ينفجر / متى يعود ..؟ / أعين الجدران تسألني / خيوط قطيفتي الحيرى / تسائلني / والهاتف المخنوق / يسألني / تساؤلات مرايا الصمت / تبلعها وتنكسر ) .
فالصورة هنا تصب اهتمامها على لحظة الانتظار ذاتها ، وهي لا تهدف وصفا لها بقد ما تهدف إلى رسم أبعاد الحالة النفسية للانتظار كأحد أوجه الموت الناتج عن الجمود وباعتبار أن الموت هو في حقيقته جمود ، والتي تنعكس بدورها على المحيط المؤثر والمتأثر بالذات حيث يلتقي العالم في لحظة واحدة وهي لحظة الانتظار ، فالمفردات التي تحدد أبعاد الصورة المرئية والمسموعة هي ( الذات / المرآة ـ الدموع / الذات ـ الجدران وخيوط القطيفة والهاتف / الذات ) هذه المفردات من الواضح أنها تتقاطع مع الذات وتشاركها هذه اللحظة ، في حالة حوارية من سؤال ولا جواب ، ما يعطي الانزياح الكامل للحيرة وعدم المعرفة الداعيان للقلق المشروع للحبيبة .
وتقوم هنا التجادلية بدورها الرائع في تحديد أبعاد هذا القلق ، ما يعطي المبرر للدراما للتدخل كي يتصاعد الحدث ، فهناك حركتان ( تسألني / أو تسائل أمام / لا مجيب من الذات ) ما ينتج ردة فعل أو حركة تصب في رسم الحزن المحيط بالذات ( فالحلم / ينتحر ـ الصبر / ينفجر ـ المرايا / تنكسر ) وكلٌّ من النتيجة يحتاج إلى فعل مساوي له ، ودون التصريح به ، فالقفز من الحالة إلى النتيجة يعطي مساحة التخيل للمتلقي لتصور قوة الانفعال المنتج للـ ( الانتحار والانفجار والتكسر ) وكلها تصب في الفعل العنيف والذي بالتالي يتولد من الإحساس اليائس والمقترب من الموت ذاته ما يكشف حقيقة الانتظار كأحد أوجه الموت .
والجميل في الأمر أن الحالة الحوارية لم تكن وليدة السؤال والجواب ، بل السؤال والسؤال ما يعني رسم الحالة العنيفة من القلق والحزن ، حيث أن الإجابة تعني المعرفة ، ما يعني بالتالي الاستقرار حتى لو كانت المعرفة حزينة ، ولكن الصراع يبلغ قمته من الحالة القلقة نتيجة عدم المعرفة الواضحة من الرد بالتساؤل ، مما تؤدي بالضرورة إلى كشف البلبلة التي تعيشها المحبة في حالة الانتظار للمجهول والتي تهدف الشاعرة من خلاله طرح هذه الصورة الدرامية لا لتصف كما أسلفنا وإنما لتكون أبعاد الفكرة الشاملة والمبنية من التجادلية الدرامية لها وهي من صميم الحداثة الشعرية .
ولعل الصورة التالية للحظة الكشف عن المكنون ، أو الاعتراف كأحد نتائج الانتظار ( بجانب أنها من صميم الموت ذاته حيث الإقرار بالشيء الدال على اليأس والاستسلام التام للقدر ) ، تقول الشاعرة ( أشتاقه ؟ ... لا / من تخدعين بها ؟ / فضي اشتياقك نزفا / أشتاقه ... نعم / شوقا يقطر كتماني / ويعتصر ) .
فلاشك أن الحالة الحوارية تحولت إلى الإقرار والاعتراف ، وهنا تبز المعرفة حيث الإجابة ، ولكي يكون التصاعد الدرامي مقبولا وعلى درجة كبير من الجودة لا يكون الإقرار أو الاعتراف مباشرا بل يأتي نتيجة التردد والتخوف كأحد ملامح الأنثى حتى ولو كان هذا الاعتراف للذات نفسها ، فوصول الذات للحظة الاعتراف هو في حقيقة الأمر وصول للحظة الموت ذاته حيث الاستسلام للقدر والتسليم بأن لا مفر من الهروب من الواقع .
وتبرز التجادلية في تولّي الكشف عن اللحظة الأنثوية المطلوبة وفي نفس الوقت الإعلان عن لحظة اليأس الكاملة والمؤدية للكشف من خلال ( لا / نعم ) هذه التناقضية في المواقف تعطي المساحة الحقيقية للحظة اليأس الناتج عن الانتظار / الموت ، فبين محاورة الذات والوجه الآخر لها ( الضمير المستتر ) يثبت السؤال وتتغير الإجابة ويضاف عليه الموقف الكاشف عن هذه اللحظة والمستنكر لعدم الإقرار بها ( من تخدعين ؟ ) إذا فلا مجال للمزايدة والخداع والتردد ، في لحظة الانهيار الكامل والاستسلام التام والتحول من التجلد أملا في الآتي إلى اليأس المستسلم ، فالسؤال الاستنكاري جاء موظفا وممهدا لهذه اللحظة وبالتالي التحول والتصاعد للموقف الدرامي الداخلي .
ليأخذ الموقف الدرامي التجادلي منحى آخر من خلال الأمر ( فضي ) ليبلغ ذروته بالاعتراف ( أشتاقه نعم ) ومن ثم يكون هذا الأمر دال هو الآخر على بعد ثان لليأس الداخلي يتولد لدى المتلقي نتيجة التناقض بين موقفي الذات والضمير والذي بدوره يصور شدة الصراع .
هكذا تبدو الصورة الحداثية القائمة على تجادلية المفردات فيها لتعطي شكل الصراع الدرامي الدائر في الذات والتي يمكن من خلالها أن نرى معالم الوجود لها ولحظة من لحظات العاشق .
إن الشعر الحداثي بهذه الملامح يشكل اتجاها لا يمكن فهمه من خلال الثوابت والاستقرار للاتجاه المحافظ ، كما أنه يدعونا إلى إعادة قراءة المنتج الحداثي من زواياه هو لا من خلال ما توارثناه من نظريات لا تصلح له ، بل على العكس تسطحه وتجعل منه شعرا لا لون له ولا هدف يرجى منه ، وهذا بالضبط ما يعيب عليه أصحاب الاتجاه المحافظ ويرونه عيبا في القصيدة الحداثية والتي يعتقد أنها تكتب دون عناء يذكر ، ولعلنا بهذا نفتح بابا لإعادة تلمس التطور في الشعر المعاصر فالأمر لا يقتصر على تحول عروضي موسيقي ، بل إنه أعمق من هذا وأخطر ، قد يجعلنا أمام رسم نظرية جديدة تلائم هذا الأدب الجديد
.
[/
center]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
محمد الزينو السلوم
مبدع كبير
مبدع كبير
محمد الزينو السلوم


الدولة : سوريا
الحمل الكلب
عدد الرسائل : 1390 78
نقاط : 2122 تاريخ التسجيل : 14/08/2009
بطاقة الشخصية
مرئى للجميع:

الملامح الحداثية للشعر العربي في عمان Empty
مُساهمةموضوع: رد شكر وامتنان..!   الملامح الحداثية للشعر العربي في عمان Icon_minitimeالأحد أبريل 04, 2010 4:18 am

الأخ الأديب الناقد هشام مصطفى..
تحية الحب والحرية والإبداع وبعد:
#
بدأ الأخ هشام مصطفي بالقول:
لابد من الإقرار أولا بأن هذه الدراسة لا تهدف إلى قراءة شعر بقدر ما هي تتبع ملامحه كنموذج للشعر العربي المعاصر في عُمان ، وإن تم اللجوء إلى القراءة فهي محاولة للغوص بين الحروف ، فإنما يكون ذلك لحساب تتبع الملامح لا غير وذلك لتحقيق الهدف الأساسي للدراسة ..!
#
وختمها بالقول:إن الشعر الحداثي بهذه الملامح يشكل اتجاها لا يمكن فهمه من خلال الثوابت والاستقرار للاتجاه المحافظ ، كما أنه يدعونا إلى إعادة قراءة المنتج الحداثي من زواياه هو لا من خلال ما توارثناه من نظريات لا تصلح له ، بل على العكس تسطحه وتجعل منه شعرا لا لون له ولا هدف يرجى منه ، وهذا بالضبط ما يعيب عليه أصحاب الاتجاه المحافظ ويرونه عيبا في القصيدة الحداثية والتي يعتقد أنها تكتب دون عناء يذكر ، ولعلنا بهذا نفتح بابا لإعادة تلمس التطور في الشعر المعاصر فالأمر لا يقتصر على تحول عروضي موسيقي ، بل إنه أعمق من هذا وأخطر ، قد يجعلنا أمام رسم نظرية جديدة تلائم هذا الأدب الجديد .[/size][/center]
#
الشكر لك أخي هشام مصطفى على هذه الدراسة القيمة..- رغم طولها - لكنها جد مفيدة ..ومفيدة جداً ..تختصر الكثير ..وخاصة وقد رصّعتها بنماذج من شعراء الحداثة عنكم..بوركت..حفظك الله..!
تحياتي
وإلى اللقاء.؟!




.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
هشام مصطفى هجرس
شاعر
شاعر
هشام مصطفى هجرس


الدولة : غير معرف
عدد الرسائل : 33 نقاط : 54 تاريخ التسجيل : 24/01/2010

الملامح الحداثية للشعر العربي في عمان Empty
مُساهمةموضوع: رد: الملامح الحداثية للشعر العربي في عمان   الملامح الحداثية للشعر العربي في عمان Icon_minitimeالإثنين أبريل 05, 2010 4:38 pm

أخي المبدع الجميل / محمد
إن من دواعي سروري أن يجد الحرف صداه لديكم ولعلي أكون قد قدمت شيئا جديدا جديرا بهذا المنتى الرائع روعة أعضائه من المبدعين الأجلاء
مودتي
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الملامح الحداثية للشعر العربي في عمان
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» تعريف هام للشعر
» (اللي فاضل ف الملامح )
» الشاعر عاطف الجندي إلى سلطنة عمان
» بالله ان مت من عمان زفيني / الحاج لطفي الياسيني
» جامعة الزيتونة عمان - الاردن / الحاج لطفي الياسيني

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
عاطف الجندي :: منتدى الإبداع الأدبى :: نقد ومقالات-
انتقل الى: