آذار الاخضرار في ذكرى اخضرار الأرض...بقلم: حسان نزال

آذار الاخضرار في ذكرى اخضرار الأرض...بقلم: حسان نزال
**************************************
(( نحيي كل عام كفلسطينيين ومعنا أحرار العالم ذكرى يوم الأرض في الثلاثين من آذار ، ذكرى سقوط ستة شهداء وعشرات الجرحى في مواجهات حصلت سنة 76 في قرى فلسطينية داخل فلسطين المحتلة سنة 48 دفاعا عن أراضي المواطنين المصادرة هناك..))
**********************************

تستلني ذكرى يوم الأرض من صمتي ، تقض حجارته مضجعي فانفض عني غطاء لم يقيني برد أواخر آذار الذي ما تعودته ، ويضعني حيث أنا الآن ، دواة الكترونية ، وحبر تنزفه أصابع لا رياش فيها ، ولا نعامة حولها لتدفن رأسها في الرمل ويمضي عنها آذار دون أن يستوقفها ويقرأ عليها تعاويذ لوزه المخضر ومشمشه الـذي يتكور رويدا رويدا بانتظار (جمعة مشمشية ) قد تأتي أوائل حزيران ..وقد يأتي حزيران ولا تبدأ .
بحسبة بسيطة يتضح أن 34 وثلاثين موسما آذاريا تصفع جباهنا المتوردة خجلا من هذه الأرض ومن شهدائها ، الذين تخضر مدافنهم وتعشوشب تربتهم عاما بعد عام وهم بانتظار أن نوافيهم عهدنا الذي قطعناه على أنفسنا ..عهد أن نسير على خطاهم ..وإن كانت خطى ـ همٍّ وتعب وألم ، لمن يفترشون الأرض سجادة صلاة أو مفرش قيلولة أو وسادة نعس يتخطفه النوم من بين يقظاته التي تطول إلا لينتهرها كسل وموج أرق قادم ..
ما يفسد على آذار فرحته باخضرار الأرض ، وشغفه بحناجر الهاتفين للأرض في يوم الأرض هو تزامنه لمرات تتالت مع قمة أرباب الأرض الذين لا يعرفون حقها عليهم ولا يستطيعون دفع مهرها رغم عديد خزائنهم وفحش أرصدتهم ، قد لا تكون رئاتهم قادرة عل أن تميز للأرض رائحة ، وكيف بهم يميزون رائحة التراب وهم لا يلامسونه ..لا يتوسدونه أبدا ما دامت الفرش الحمر والسجادات الوردية والعربات الملوكية تقلهم من يخت ليخت ...ومن بخت إلى أحسن بخت ...
ما الذي تنتظره منا الأرض في يوم الأرض ، ما الذي ينتظره شهداؤها ؟!! ما الذي ينتظره خيط الدم الأحمر الممتد أكسيدا لأهل الأرض من سخنين الى كفر كنا وعرابة ...الى هضاب الجليل وحمرة ثرى مرج بن عامر ونسائم القدس والخليل الـ تلسع ببعض بردها عري العراة من الذين لم يعد لهم غير الجلدِ إهاب ..ومن مثل جلدهم الأزرق حينا والمتلوِّن أحايين لا يعود إلى نضرته تراب ولا يجتمع شمل أحباب.
كل ما يجمع آذار بنا أنه يعيدنا إليه كل عام ...يعيدنا الى جذورنا ، إلى مكنوننا الكامن فينا ــ فيه ، فيما تبقى لنا منه ، وفيما تبقى له ـ لحنـّونه فينا ، ينزف فينا نسغ التجدد معترفا ببعض الجميل إذ لم ينسَ نزف دمنا في شرايينه ، فقد وهبناه بدمنا حياة ، ورويناه بعرقنا ، وثـَمَلنا إذ هبت نسائمه فتخللتنا ..نقّت رئاتنا من شوائب الفصول المتتالية علينا نكدا قمة بعد أخرى .....وخلتنا جذورا تحت كومة تراب ، لا يستدل علينا إلا هدهد سليمان الذي يعرف لله حق ..وكيف لا يعرف حق الله وقد آمن بالله الذي يخرج الخب ء في السماوات والأرض...ويخصه بهذا الخبء المركون له لا لغيره من بين جوارح السماء والأرض ...
نعرف أن لنا حق كما للهدهد ، مركون في زاوية ما من عتمة التاريخ المتوغل حد العظم فينا ...ونعرف أن هذا الحق بحاجة لأسراب من الهدهد وأسراب ، تُعمل في الأرض عيونها وتنبش التراب بمناقيرها لتستخرج كنزها ..أكسيد حياتها ...وتمضي الى محطة أخرى ...ونعرف أن بين سمائنا المتسامقة شموخا ..وأرضنا المتفجرة عيونا وأزاهير وسواعد حقلٌ من النماء وجداولُ من الدماء وعهد من الوفاء الذي لا تصفر أوراقه ولا تسقط مهما تقادم الخريف واشتد عليها قيظ الصيف ....
أيها الشهداء المنزرعون أحياءً على أرصفة طريق التسوق في جنين ونابلس وطولكرم ..وغيرها ممن تطول أقدامكم ..أيها الشهداء الأحياء النافرون خفافا وثقالا الى القدس كلما أنّت وأغمض المغتصب فيها سيفه ...بودي أن أستوقفكم على القارعة ..بودي أن أسألكم لا عن لون عيونكم الباقي عسليا ..ولا عن لون إهابكم القمحي ، ولا عن لَكنتـِكم الجليللية ، ولا عن غمازات الصبايا المرتويات من حمرة رمان كفر كنا ..لأنني أعرف مدى انصهاركم فيها ...بودي أن أسألكم عن ( راما) التي انتظرت أن تحملوها معكم حقيبة سفر لتكون لي سِفرَ انعتاق من حبي الأزلي لها ولما تعنيه إذ تعتلي بقامتها الجدار وتدلق لسانها لمقيميه.
بودي أن أسألكم عن صباحات القمح الـذي ينتفض سنبله كل هزيع ، فيرتمي حانيا ًعلى كتف الأرض ، محمّلا بنزفها المتدفق فيه حالما بحريتها الـ تئن في فيافيه..بودي أن أنظر وجه ميرا ينبت بين الوجوه المتدفقة هنا في مدينة تنتظر آذار منذ أن وعد آذار أن يأتيها ولا يأتي ، رغم أنها تدهمه فيشيح عنها وهي تخشى أن يشيخ وهو يُشيح ...بودي أن أتربصكم في طريق العودة فأتلبَّسكم فلسطينيا غارقا في الحنين إلى أرج مساءات التدثر بنسائم عكا وسخنين .بودي أن أقرأ بين أيديكم وعلى ألسنتكم (وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون ) لعلكم تحملون هذا الولد الهارب الى عشقه .....إلى الأرض في يوم الأرض ....
أحفظ لشاعرة الأرض فدوى طوقان إذ تبعث في ابن عمها حمزة روح الحياة وريحانها فتقول ((هذه الأرض امرأة ..ف ي الأخاديد وفي الأرحام سر الخصب واحد ، قوة السر التي تنبت قمحا وسنابل ، تنبت الشعب المقاتل). لذلك أحب ما في الأرض بقدر ما تملك من تلك المرأة وأحب من كل المرأة بقدر ما فيها من الأرض ...من لفحها الصباحي الندي ومن أُوزونها المنبعث برائحة المطر بداية كل موسم ، ومن غبار الطلع المتطاير من نخيلها مطلع كل نيسان عصي على النسيان .
أيتها الأرض الأنثى الـتي أتربصها دقة َ كل ساعة .. أيتها الأرض الأنثى الـتي أتمرغ بين شعابها نزف كل دم ..أيتها الأرض الأنثى الـتي أتقطر فها نبض كل دفقة دم . هبيني الأنثى الأرض الـتي تشرق فيّ وأشرق فيها مهجعَ كل شهيد وأنة كل سجين وحرقة كل منتظرة على عتبات الزمن القاسي.... امنحيني ألأنثى الأرض
أيتها الأرض ....افغري فاك ذات قمة آذارية.... وابتلعي هذه الجثث المتكدسة على النياشين والبسط الحمراء ...ابتلعي هذه الوجوه الكالحة الـ تنفث في وجوهنا سمها في قمة تشوه آذار، وتنغص عليه اخضراره.

29/3/2010

اخ حسان نزال المحترم..
تحية الحب والحرية والإبداع وبعد:
3
يقول الأخ حسان منذ البداية:

إن الشعر الحداثي بهذه الملامح يشكل اتجاها لا يمكن فهمه من خلال الثوابت والاستقرار للاتجاه المحافظ ، كما أنه يدعونا إلى إعادة قراءة المنتج الحداثي من زواياه هو لا من خلال ما توارثناه من نظريات لا تصلح له ، بل على العكس تسطحه وتجعل منه شعرا لا لون له ولا هدف يرجى منه ، وهذا بالضبط ما يعيب عليه أصحاب الاتجاه المحافظ ويرونه عيبا في القصيدة الحداثية والتي يعتقد أنها تكتب دون عناء يذكر ، ولعلنا بهذا نفتح بابا لإعادة تلمس التطور في الشعر المعاصر فالأمر لا يقتصر على تحول عروضي موسيقي ، بل إنه أعمق من هذا وأخطر ، قد يجعلنا أمام رسم نظرية جديدة تلائم هذا الأدب الجديد .[/size][/center]
#
كل الشكر على هذه المقالة التي تتحدث عن يوم الأرض..عاشت فلسطين..حرة أبية..!
تحياتي