البنية الفنية في وجع المنافي لعماد قطرى
سليمان الأفنس
يرى البعض ، أن الشعر بدأ قبل النثر ، للتعبير عن احساسات الإنسان العليا ، وبعبارة أخرى فإن أقدم النصوص الفنية والأدبية التي تعبرعن الوجدان الإنساني ، والتي ظهرت في الآداب القديمة ، كالحضارة الفرعونية أو الأغريقية ، كانت نصوصاً شعرية .
والشعر هو الشعرة إلا أن أصحاب التصنيف والتقسيم قد غرقوا بين ما هو شعر مسرحي ، وما هو مسرح شعري ، فالشعر الذي جاء إلينا كميراث هام من الأجداد ، وحينما يضاف إليه النزعة الدرامية التي تتضح في إبراز المناقضات والتي تبين الصراع القاسم بين الواجب والعاطفة ، وهو ما لم يكن موجوداً بشكل جالي في الأدب العربي ، وأن كان يتضح في آداب أخرى مثل الآداب اليونانية / ومن بعدهم في الآداب الأوربية ، وبخاصة في الأداب الروس ، والأدب الإنجليزي .
أما المسرح الشعري ، فهو دراما كتبت شعراً ، حيث استخدمت اللغة الشعرية كأداة ووسيلة للناس لإبراز الفعل المسرحي ، وقد مثل ذلك خير تمثيل الشاعر الإنجليزي الشهير (وليم شكسبير ) ، حيث تلتقي الملامح الغنائية بالفعل الدرامي .
ولذا فإن ت . س . اليوت يعتبر أن المسرح الشعري نوع هجين وخليط بين الشعر وبين الحوار (1)
وتحاول الدراسة استجلاء التقنية الفنية في مسرح عماد قطري متخذة مسرحية " وجع المنافي (2) " كمثال للكشف عن بنية النص المسرحي .
وقد سبق لدراسة مثلها ، أن تناولت مسرحيته " المحاكمة (3) " ، يحدث في غزة ، وأريحا الآن .
حيث قدم الشاعر تصويراً ، ووجه نظر جديدة ، للموقف الاسرائيلي تجاه القضية الفلسطينية ، وكشف كذلك عن اختراق الصفوف الفلسطينية من الداخل فوضح في جلاء أن القضية الفلسطينية تتسارع فيها قوى متعددة ، أهم نقاطها وملامحها ، الصراع الفلسطيني الفلسطيني ـ والصراع الفلسطيني الإسرائيلي ، وصراعات تدخل القضية ، عربية وأوربية وانجلو – امريكية .
بيد أن الشاعر المسرحي عماد قطري يراقب الأمة العربية ، فيرى أنها مستمرة في الكبوات فقبل أن تنتهي كبوة فلسطين ، تبدأ كبوة البراق ، ويبقي دور الشاعر جلياً في كشف تلك الصراعات المتناحرة ، على أرض الواقع ، بالإضافة إلى الصراعات الدفينة في النفس البشرية وتقع مسرحية " وجع المنافي " في عشرة مشاهد ويقوم الشاعر كل مشهد تحت عنوان ، فالمشهد الأول بعنوان : ياسيدي قتلوا المليك ، والمشهد الأخير بعنوان : ياليت أمي .
تتناول المسرحية الوضع العربي الراهم من خلال العرض التاريخي أمعاناً في الأيهام ، وايغالاً في وضع مصداقية للنص المسرحي ، حيث أنه يعرف أن العربية لا تشترك مع غيرها في ايحاءات ، ولذا فإن المدارس النقدية الحديثة ، والتي اعتاد كثير من النقاد باستخدامها في شكلها المعلب ، وذلك باعتبارها علامة مسجلة ، تدل على أن تأئلها يمتلك الحرية في القول ، والحصانة ضد المعارضة ، ولكن يبدون أن هناك اموراُ غيرت سوق الأدب ، في الانتاج والإعلام وظنوف التجديد .
فقد انخرط منتجون للأدب في الآدب العربي وذهبوا ولم يعدودوا ، ولم يعد أمامهم سوى سكب ألوان الآدب العربي على أدبنا العربي ، سواء كانت البوتقة العربية تقبل هذا النوع من الأنصهار أم لا وهناك من حاول الاسترجاع والاستمرار في الماضوية الفنية والأدبية ، حتى لم يعد لهم امكانية اختراق هذا الماضي للعين في الحاضر .
وكلا الاتجاهين مثل علاقة الاتصال والانفصال مع الواقع مما جعل الأدب العربي الحالي منتجاً غير زمني ، أو بيئ ,
وقد حاول الشاعر المسرحي عماد قطري أن ينبهنا ألى خطورة الارتماء في الحضن الأجنبي ، وكذا بلية التوقف في غرفة الماضي .
فأتبع من القديم منهج عبدالقاهر الجرجاني ، حينما قال : " أن الحاكي هو من يأتي بفعل مثل الذي أتي به المحكي عنه ، ولا بد من أن تكون حكايته فعلاً له ، وأن يكون بها عاملاً عملاً مثل عمل الذي يحكي عنه " (4)
وحيث أن المسرح الشعري العربي في وقتنا الراهن يعاني من أزمة حقيقة ، هذه الأزمة تصل إلى نصف قرن تقريباً ، فلا أستطيع أن أجزم بأن هناك مسرحاً شعرياً عربياً في السنوات الماضية بمعني حقيقي للكلمة ، حيث أن جميع فنون القول تصبو للوصول إلى الدرامية ، من هذا الفكر والتنظير ، فإن المسرحية الشعرية تعتمد الشعر لكنه مكتوبة ، واحكام البناء الدرامي ، وأن يقبل النص العرض على المسرح يتطلب العناصر الثلاثة (النص – الممثلون – الجمهور ) .
ويشتمل نص مسرحية " وجع المنافي " على تسع عشرة شخصية وسوف يأتي التناول للنص بشكل سريع من خلال ثلاث نقاط محددة وهي :.
أ - النص والذاكرة الثقافية .
ب – وجهة النظر في المسرح .
ج – امكانيات اللغة العربية غير المحددة .
أولاً : النص والذاكرة الثقافية .
أخلف كثيراً مع الذين يقولون بعدالة التاريخ ، ولا أمتلك اثباتات مادية ، لاثبت بها كثير من وجهة نظري هذه ـبي أن هناك أسماء كثيرة تركها التاريخ ، وكانت تستحق منه أهتماماً كبيراً . أما الأسماء فعديدة للغاية ، سواء كانت أجنبية أو عربية ، وحسبنا أن نعرف أن الأسماء التي قامت بالحضارة المصرية القديمة ، لم يذكر منها أقل القليل ، وهناك معلومات كثيرة وأهمها التخطيط ، لم ينسب إلى فاعله ، وكذلك هناك أسماء ذكرت ، وليس لها عظيم شأن ( وما أكثر ضحايا الزمن والذاكرة الثقافية الجمعية ، سواء في انتقائياتها ، أو تقبلها من بين أقضي درجات الأهمال والنسيان ، وأقضي درجات التذكر والعناية ، وما بين الآولي والثانية تصبح النظرة الموضوعية الى الماضي في ذاكرة الاجيال اللاحقة ، وتتزايد ثفرات ذاكرة الامة ، وذلك مما يؤدي الى آثار سلبية ، يمكن أن تكون وخيمة في ضررها " (5)
وقد اتبه الشاعر المسرحي / عماد قطري ، فنبه الى أسماء غيرات مجرى التاريخ العربي وهي أسماء ليست لها السلطة الزمنية أو المكانية في عصرها ، ولكنها أثرت في الحدث بشكل أعان استمرار السلطة والحكام .
ويشير المؤلف الى دور العلم والفكر ، كما يشير بشكل أساسي الى أن تجربته ليست تاريخية ، ولم يشر أنها تتخذ التاريخ متكافاً لها . ويعني ذلك أنه ينتج حديثاً في الحاضر ، مع الإشارة إلى أن التاريخ يمكن أن يعيد نفسه وهذا ما كرهه الشاعر .
ويشير الكاتب الى أمرئ القيس ، وتجئ الإشارة لأمرئ القيس من وجهين :. أولهما أنه كان ملكاً عربياً ، علاقته سيئة بوالده ، وصلت الى حد أن والده طرده وأبعده عن مملكته ولكن معاناة الانسان العربي تظل قائمة ، مخيماً قتل والد امرئ القيس كان على أمرئ القيس أن يأخذ بثأر الوالد فقد طرده ضغيراً ، وحمله ثأره كبيراً .
ثانيهما : أن امرئ القيس كان فاتحة لاستدعاء الاجنبي والاحتماء به ، وتلك اشارة لا تخفي على ذي عقل ، لما يحدث في الكثير من البلدان العربية التي أصبحت فندقاً عربياً للأجنبي ، وصحراء تياهة للعربي ، رحم الله عبدالله البردوني :.
هذي بلادي وهذا رسمها كل شئ فيها إلا أنا وبلادي واستعداء الأخير على العرب ... كانت سنته السيئة التي استنها من قديم الأزل ، ومازالت سنة ما ضية حية يحييها العرب كل يوم أكثر منمرة بل يتباهي بها بعضهم (6)
إن المسرحي / عماد قطري يقدم الحاضر ، مستخدماً فكرة تنشيط الذاكرة الثقافية ، حيث يرى أن أي تقدم لا يمكن أن يصل إليه الانسان إلا من خلال احاطته وفهمه للقديم ، ودرس جوانبه ، وقتله بحثاً ، باعتبار أن فهم التاريخ العربي القديم يعني أننا نمتلكه ، ويعني بدرجة أكبر مسئوليتنا عنه ، فمن ناحية الامتلاك للتاريخ هذا يعطينا مقدمات أكبر ، وعدداً أوفر من الاختيارات بين تفسير الماضي ، وبين احتمالات وامكانات التأويل المتعددة .
ومن ناحية المسئولية ، يعني أننا لا بد أن نضيف إليه ، والإضافة هنا تقدم بالتاريخ لما هو مبتكر بحيث نتقدم عن طريق القياس بالماضي ، ولا أشك أن القياس للمستقبل عن طريق الماضي شئ هام ، ولكن إذا استمر هذا المنعطف التفكيري ، في قياس حاضرنا ومستقبلنا على الماضي ، سيضيق الأفق ، وتزداد هوة التخلف ، وسنتقبل التبعية من الغرب المتقدم علمياً الى التبعية للماضي المتخلف في بعض جوانبه هذا يعني ضرورة الموازنة بين ما هو ماضي نعيش عليه ، وبين ما هو حاضر نوريد ان ننتفع به ، وبين ما هو مستقبل يمكن الوصول إليه لتحقيق أهدافاً كنا نرجوها ,
ثانياً : وجهة النظر في المسرح الشعري .
يرحم الله هذا الشاعر المسرحي / عماد قطري ، فإنه يهدي إلينا حياته ويقدم لنا دفتراً في المسرح الشعري جديد ، وغير مسبوق في طريق تقديمة ولضيق مساحة الدراسة ، سوف اقتطف بعضاً من الصور المسرحية التي يقدمها الشاعر في مسرحيته ، ليقدم لنا وجهة نظره .
ووجهة النظر عند الشاعر متعددة ، حيث أنه يقدم أكثر من وجهة نظر تتضح في النص المسرحي ، فهناك وجهة نظر تجلي العلاقة بين القدي ( الماضي ) وبين الحديث (الحاضر ) ، تتضح في القول ( أن التاريخ يعيد نفسه ) فنجده يكرر كلمة ( علج ) أكثر من مرة في هذا النص ، تلكم اشارة للحروب التي دارت في مطلع القرن الحاضر على أرض العراق والكويت والسعودية والأردن وقطر ويبدو ذلك واضحاً حينما يقول على لسان جميل الست أرضي وجه علج في جروب الأمنين ) ص 17 وكما يقول على لسان علاء :. ( أتدوسها – نأتي لها بعلو حهم ) ص 38 .
وتكرار استخدام كلمة العلج هي اشارة الى حرب الامريكان في العراق كما يقدم وجهة النظر في موسيقي المسرح الشعري فيري أن النص المسرحي يحتاج الى تفعيلات متعددة ، هذه التفعيلات تتناسب مع نوع المواقف ، حيث استخدم أكثر من تفعيله وبالتالي أكثر من وزن ، وذلك لبيان أن الوزن والموسيقي انما تأتيان لبيان أن النسيج المسرحي يتركب من حدث ولغة وموسيقى مناسبة ولذلك جاءت تفعيلة فاعلاتن ومستفعلين ومفاعلين وفعولن وفاعلن لتعبر عن التنوع الموسيقي لشخصية والحدث وكيفية التفكير .
كما أدي وجهة النظر في الغناء المسرحي حيث أ الأغنيت في المسرح تؤدي وظيفة حديثة ، فهي لا تعبر عن الصراع المتمثل في وجوه التناقضات في المسرح وكذلك لا تقوم بالتعليق على حدث ماضي فتلخصة أو تتجربة أو تعلق عليه بإضافة الى أنه لا تشرح الحدث ، بل وجد الشاعر عماد قطري أن الأغنية في المسرح يجب أن تكون حدث مستقلاً بذاته ومرتبطاً بالحيكة النصيية فيصبح سلسلة ناتجه من السابق ومفضية الى اللاحق .
ولذلك تأتي معظم الإغاني على لسان أشخاص ثانوية لتدخل بالشخصية في عمق النص ولتبين أن هذة الشخصيات التي لا تعرفه قد تؤثر في مجريات الأحداث بشكل واضح مثل شخصية الرجل حيث يقول :.
نادي الرجال وعمه
فتجمعوا عند الغدير
خطب المليك فهزهم
وأعاد تفخاقها التغيير
كروا ... أعادوا هجمة
واستبسلوا ضد المغير
لكن قوة خصمتا
أيت انتصارا أو نصير
وقع الشباب بأسرهم
بين الجريح أو الأسير
( بأس) عاد الجميع بخيبة
علت الكبير مع الصغير
والذل فرخ في الحشا
أفراخ عاد لا تطير
ما عدت أحسب أننا
نحيا لعز أو عبير
حتى الحروب تخالها
كضحية ... كالمستجير
ويلاحظ الدمج بين ما هو شعر غنائياً سواء في الأغنية المسابقة الذكر أو داخل سيقات النص وبالتالي فإن الشاعر استطاع أن يمزج بين شرعية الشعر الغنائي في المسرح وشرعية ثنائية الكلمة في المسرح الشعري وبالتالي جاء النسيج المسرحي مبرزاً العلاقة بين شكل التيسير المظنون تسطيحاً في الكلمة وبين العمق المظنون تقعيراً في الحدث فكثير ما تغوص السطوح في الأعماق ، وتتبادل الأعماق الدور فتظهر على السطوح فمثلاً حينما يقول عامر أني ساحياً ساعياً نحو التحرر والصباحات التي فيها البهاء هيا " علاء " احمل لواءك الدفاع عن الحمي ,
فهنا يمزج بين مسرحية الشعر وشعرية المسرح فاشطره الثالنية وصباحات التي فيها البهاء هو تحول من الحدث الى الغنائية وكذلك هي فصل بين وجهة نظر الشخصية التي انقسمت على ذاتها .
كما يبدي الشاعر المسرحي وجهة النظر في العلاقة بين الحاكم والمحكوم هذه العلاقة التي تمثل البناتين الفوقي والتحتي لعنصري المجتمع فهو يتخذ العلاقة القديمة ، وذلك من خلال الاسقاط على ما هو واقع ، بحيث يضع أمامنا عدة اختيارات لما هو ممكن في المستقبل ، وبالتالي فإن زمنية المجتمع ( ماضي – حاضر – مستقبل ) ترتب بزمنية النص المسرحي بخيط دقيق ومتين وشفاف ، مما جعل علاقة المأخوذ ( النص المسرحي ) من المجتمع ، يصب فيه لتصبح العلاقة علاقة تبادلية ، ويصبح النص متناصاً مع التاريخ العربي والواقع العربي ، مما يجعل مسئولية العلاقة بالماضي هي توظيفة في الحاضر للحصول على أهداف ممكنة في المستقبل .
كما أن النص تفوق في أبراز وجهة نظر جديدة وهي أن الأنسان ليس الأرض ، مع أن الأرض كثيراً ما تكون هي الأنسان وهنا يفرق الشاعر بين ما هو مملوك يجب الزود عنه وبين ما هو مفروض يمكن الابتعاد عنه ويتجلي ذلك في قول علاء :
ارض ... مثلما هي أرضهم سأعيدها حتى ولو طال الزمان فرق كبير أخوتي بين الرجل وأرضنا الأرض تبقي لا تزول أما الرجال مآلهم تحت التراب .
حينما يقول على لسان علاء : أنا الغداء لأرضنا ... أما الدماء فشأنهم وسل القيان ( يشير الى النسوة ) كنا نجوع بأرضنا ومليكهم ويلهو لكل ماذة وجناه دان ماذقت يوماً لذه .
فهناك يوضح وجه النظر الجديدة في أن الفرد في المجتمع غير مسؤل عن الثأر في الحاكم ، حينما يكون الحاكم متفصلاً عن شعبة وبالتالي سوف يتفصل بثأره كما انفصل بحكمة ونعيمة كما يبعد الشاعر وجهة نظر في الامم المتحدة حينما يترك العرب حقة في بلادة ويبحث عن قرار في هيئة الامم المتحدة يعيد له حقة وذلك يتطلب منه أن يشرح قضية وبين ماآلة إليه أحولة كما هو الحال مع امرئ القيس ( النص ، ص 41) ؟
وبذلك حينما تدقق الى مشاهد النص المسرحي يمكن أن تجد عدد غير متناهي من وجهات النظر ، وحينما يقدم الشاعر عماد قطري نصاً مسرحياً فإنه غالباً ما يقدم نص متحرراًأعني بذلك أنه يؤمن بحرية النص ويقصد بالحرية هنا أن الشاعر يعطي لنفسة أمكانية الكتابة بالشكل الذي يرتضية ، ولكنه دائماَ يشترط على نفسه أن يقنع المتلقي بما يقدمة حيث أن الشاعر متواجد في نصه مع زمنية الحاضر ، وبالتالي فهو لا يؤمن بالمذهب البنيوي الشكلي والتكويني / التوليدي حينما يري الأول ( موت المؤلف ) ، ويري الثاني العلاقة الأجتماعية بين النص وعناصر المجتمع ، بشكل مستقر ، بينما الشاعر يرى أن العلاقة بين النص والمجتمع هي نفس العلاقة بين الفرد والمجتمع فهي علاقة تبادلية فيها تقديم وعرض ومراقبة ، وقبها أخطاء واخطار وعقوبات مما يجعل النص المسرحي عضواً هماً في تحريك ودفع عجلة سير المجتمع :
ثالثاً امكانيات اللغة العربية غير المحدودة .
الأنسان العربي وفي اشارة مستمرة من الدرااسة – هو اعلم الناس بلغته ويتطبق هذا المقال على الشعر عماد قطري بالفعل .
حيث استطاع الشاعر أن يوظف امكانات اللغة العربية غير المحدودة في نصة المسرحي وحينما نتحدث عن ازدواجية اللغة وثنائيتها فسيكون الامر من منطلق التبسيط الذي لن يكون مخلاً فمثلاُ يحدد البعض مستوايات متعددة للغة العربية في مصر وحدها أولاً اللغة التراثية ، ثانياً الفصحة المعاصرة ، ثالثاً : عامية المثقفين رابعاً: عامية التعليم المتوسط ، خامساً : عامية الأمين والطبقات الشعبية .
والكلمة في المسرح تكون معياراً قياسياً لعدد من الطبقات فمثلاً لكل مهنة من المهن لغة تتميز بها قلغة الأطباء تختلف عن لغة غيرهم من الفئات الأخرى لكل المهندسين وأصحاب المهن ويمكن الرجوع الى ميخائيل باحثين في كتابة القيم عن الكلمة في الشعر والكلمة في الرواية حيث يوضح أن الكلمة بطبيعتها حوارية فحيثما يتكلم الأنسان بكلمة فإنه يتأكد هي حوار بين شيئين ولذلك فهي ثنائية بطباعيتها إلا أن الفصحة في المسرح الشعري قد تقضي حائلا بين امكانية ان تصل بتصويق الشخصية فتأخذ الشخصية مفردات ليست من بيئتها.
وهذا ما جعل عماد قطري يخوض غمار هذا النص ناسباً أحداثة إلى العصر الجاهلي ليخرج من ذلك من قضية الفصحة والعامية كذلك ليجعل تعدد المستويات اللغوية مرتبطة بالحدث وفكر الشخصية في واصفئها الجسمية والنفسية في شكل تبديلي مع المواصفات المهنية .
وبذلك يكون قد أقلق الباب على مستويات اللغة المهنية ويتضح ذلك من خلال المزج بين ما هو لغوي وما هو حدثي مثل أنه جعل الأجنابي تتحدث بالغة الفصحة
مثل قيصر : سنمدكم بجنودنا ... ورجالنا وخيولنا ...
ادوارد " كل الفوارس والعسس .
امرؤ القيس : الأمر يحتاج الجمييع فلا يكن يعد المسافة عائقاً
ادوارد : أنا نريدك يا مليك صديقنا ,
ادوارد : وحليف روما دائما وسط العرب .
قيصر: سنعيد رسم حدودكم .
ادوارد : ونحرر الانسان من ظلم القبيلة والعروبة وافتخار بالنسب .
فلأجنبي يتحدث اللغة العربية إلا أنها لغة تحمل افكاره وهذا اجعل اللغة العربية ذات امكانات غير متناهية جعلت الشاعر يرتاد مناطق جديدة في عالم التجربة اللغوية المسرحية ، ولذا فلم يشعر بالرحج ، وهو ينتقل بين مستويات الحدث ، وأفكار الشخصية من خلال الاستغراق في الحدث ، بما يناسبة من استغراق في اللغة ، وذا فأنني على يقين بأن من يقرأ أو يستمع عل لسان ادوارد الى كلمتي ( الفوارس ، والعسس ) ، سوف ينتقد الشاعر حيث أن الكلمتين لا تتناسبان مع الشخية ، ولكن القول الحق أن الكلمتين متناسبتان مع الحدث ومع متطلبات المتحدث .
ولذا فإن اللغة عنده أخذت مراتبها من الحدث قد يتبقي ما يقال عن لغة النص المسرحي ( وجع المنافي ) ، فالمتمكن من الممارسة اللغوية التي حاولت المحافظة على التحرر النصي والحدثي وارتبطت بالأفكار والاحداث جعلت الشخصيات المسرحية موصفة فكرياً ، دون توصيفها جسدياً ، أو توصيفها على المستوى المهني .
إلا أن هناك بعض الاستخدامات اللغوية التي زلزلت في استقرار الحدث المسرحي .
مثلاُ : المشهد الثالث ، في تقديم المشهد ( لنقرأ ونشاهد ) ص 39 استخدام صيغ للراوي المسرحي غير الموجود فهذا كلام لا يقال على لسان أحد ، مما جعله خارج النص المسرحي وكذا ( سقت الجميع أذي الحقير ) ، لا أدري ما السبب التعريف في كلمة ( الحقير ) ؟!.
بالإضافة إلى عدم التنصيص لما هو مقتبس من النصوص الشعرية السابقة ، سواء كان اقتباساً نصياً ، أو معنوياً مثل ( فصبراً يا رجال الاسر صبراً ) وهو مقتبس من فصبراً في مجال الموت صبراً فما نيل الخلود بمستطاع .
وختاماً : يأتي نص ( وجع المنافي ) للشاعر عماد قطري ، في مقدمة النصوص المسرحية العربية المنتجة في العقدين الماضيين وأقل ما يستحقة هو أن يعرض على المشاهدين في المسرح حيث انه من النصوص التي تقدم وجهة نظر جديدة في الحياة والمسرح واللغة .
سليمان الأفنس