قراءة في تغاريد وهمسات الزَّجل/
بأنواعه وألوانه وأوزانه
للشَّاعر سلوم الياس سلوم
بقلم:محمد الزينو السلوم
-------------------------
* تغاريد وهمسات الزَّجل للشَّاعر سلوم الياس سلوم كتاب شِعر زجلي مؤلَّف من أربعة أجزاء التَّغريدة المنهجيَّة ـ التَّغاريد الغراميَّة ـ الهمسات الاجتماعيَّة ـ الهمسات الخاصَّة.
والملفت للانتباه, أنَّ جميع ما ورد به من قصائد وأغانٍ وحداء ( من أنواع التُّراث الشَّعبي ) هي من تأليف الشَّاعر نفسه, وهذا دليل امتلاك الشَّاعر زمام هذه الأنواع من التُّراث الشَّعبي, مما جعله يضرب الأمثلة على البحور من أشعاره الزَّجليَّة, ومن خلال قصائد بديعة تألَّق بها إلى فضاءات هذه الأنواع بالشَّكل والمضمون معاً.
ـ التَّغريدة المنهجيَّة : تناول الشَّاعر توطئة عن نشأة الشِّعر الزَّجلي وتطوُّره وأنواعه وألوانه وأوزانه, مع أمثلة على كلٍّ منها من أشعاره.
ـ التَّغريدة الغراميَّة : تناول مجموعة قصائد الغرام وقد تنوَّعت من حيث النَّظم, فمنها ما هو بالفصحى, ومنها ما هو باللَّهجة العاميَّة ( المحلِّيَّة ) من زجلٍ متنوِّعٍ, فيها القصيد, والقرَّادي, والموشَّح, والموَّال .. الخ ..
ـ الهمسات الاجتماعيَّة : وقد احتوت نتفاً ومقطوعات وقصائد ومسرحيَّات ملحميَّة, تناولت جميعها العلاقات الإنسانيَّة مع بعض الحكم والأمثال على شكل قصائد أو قرَّادي.
ـ الهمسات الخاصة : تناول فيها أيضاً قصائد وقرَّادي, كان قد نظمها في مناسباتٍ خاصَّة ( من لقاءات وحفلات وأعراس ... الخ ... ).
وباعتبار أن الشَّاعر من أسرة تربَّت على الشِّعر, فقد أهدى الكتاب إلى روح والده وروح شقيقه الشَّاعران
( الياس عيسى سلوم ـ عيسى الياس سلوم ), فبوفائه أبرز الدَّور الذي لــعبه هذا الشَّقيق من سهرٍ
وتربيةٍ وتعليمٍ وتثقيفٍ وتهذيبٍ له.
كما أهداه أيضاً إلى ( والدته وشقيقاته وأشقَّائه وزوجته وأبنائه ) بكلِّ حبٍ وتقديرٍ, وإلى رئس مجلس إدارة وأعضاء جمعية شُعراء الزَّجل في سورية, وإلى جميع رفاقه وأصدقائه وأحبَّائه, وإلى كلِّ من يتذوَّق هذا النَّوع من الشِّعر, وخصَّ منهم الأستاذ المحامي الشَّاعر ( عبد الله خبازه ) لتقديمه لهذا العمل, وأخيراً بالشُّكر للعميد الركن سمير مخُّول, والعقيد المهندس ناهد خوري, والأستاذ الياس نسيم الياس, لما زوَّدوه به من مراجع, وقد أنهى الإهداء بإهداءٍ لها, بقطعة زجلية..والجدير بالذِّكر أنَّ الشَّاعر ضابط متقاعد برتبة عقيد ركن, فهو فارس وشاعر معاً.
ـ أما التَّقديم للشَّاعر (عبد لله خبَّازه ) فقد تضمَّن وصفاً لشخص الشَّاعر كونه عسكرياً, (بعد زعم البعض أنَّ العسكريَّة بأنظمتها الصارمة تحدُّ من نشاط وحرِّية الفكر), بينما وجدها كاتب التَّقديم أنها (مبخرة الفكر ومجمرته الخضراء والتي تملأ الآفاق والأنفس والأرواح عطراً حميماً سرمدياً, إنها معين تجارب وخبرات لا ينضب, التقط منها الشَّاعر جماليَّة الحياة ومبادئها الخيِّرة والتي لا يستقيم عيش كريم بدونها),
وأكتفي بما ذكرته من التَّقديم الجميل والرَّائع, الذي يدلُّ على أحاسيس ومشاعر رقيقة شفَّافة للشَّاعر (خبَّازه) الذي ختم بأن (هذا المؤلَّف هو مرجع مهمٌّ, وبحث قيِّمٌ للشِّعر الزَّجلي بأنواعه وأوزانه ومصادره ومراميه وجذوره .. الخ).
بالإضافة للتقديم هناك بطاقة شكر ( قصيدة زجلية ) من صديقه العقيد المهندس ناهد خوري, تلتها توطئة للمؤلِّف تتضمَّن عدَّة صفحات يتحدَّث من خلالها الشَّاعر عن الفنون الجميلة بأنواعها (الأدب ـ النقش ـ الرَّسم ـ الهندسة ـ الموسيقى) وأن لكلِّ فنٍّ طريقته في التعبير عن الجمال, شارحاً طرائق هذه الأنواع(ويضيق المجال للحديث عنها, فباعتقادي من الأهمِّية بمكان أن يطَّلع عليها كلّ مثقَّف أو فنَّان).
ـ بعد كلِّ هذا يبدأ الشَّاعر بكلِّ جزءٍ من الأجزاء الأربعة السَّابق ذكرها ويشرحها باستفاضة موضوعيَّة مبيِّناً
بالتفصيل ما يتضمَّن كل منها.
ـ في الجزء الأول(التَّغريدة المنهجيَّة): يبيِّن أنواع وألوان وأوزان الشِّعر الشَّعبي(الزَّجل). في بلاد الشَّام: (المعنَّى بأنواعه ـ الموشَّحات الأندلسيَّة ـ القرَّادي وأنواعها ـ المواويل وأغاني التُّراث ـ الشُّروقي ـ النَّدب ـ البحور الشِّعريَّة). ويأتي بالتفصيل الدَّقيق لكلٍّ منها مروراً بمثال من تأليفه مع تقطيع أحد الأبيات تقطيعاً عروضياً بحسب البحر المعتمد عليه ومن هذه البحور((الكامل, الوافر, الرَّجز, البسيط,المتدارك, .. الخ..)) وكذلك الدَّور المطلوب فيما يخص القافية ..الخ..
في الموشَّحات الأندلسيَّة: يقدِّم وصفاً وتعريفاً لها. ويشرح أجزاءها (القفل ـ الدَّور( البيت) ـ الخرجة) ويتحدَّث عن أصل هذه الموشَّحات , ثم يتحدَّث عن (الموشَّح الزَّجلي) وأنه يقال ارتجالياً وباللَّغة المحكية. بعدها ينتقل الشَّاعر بنا للقرَّادي وأنواعها ((العادي ـ مخمَّس مردود ـ المحبوك ـ المطبَّق ـ المغصوب ـ المرصود(جناس) ـ كرج الحجل ـ طرق النَّمل ـ المرصَّع ـ المهمل ـ المنقَّط ـ القلاَّب(بنوعيه) ـ المجزَّم)). ويضرب أمثلة لكلٍ منها من تأليفه ثم يذكر لأي بحرً تنتسب.
ثم يأتي إلى المواويل والأغاني الشَّعبيَّة المتوارثة (العتابا والميجنا ـ وأبو الزُّلف) فيتحدث فيها بالتفصيل كما فعل من قبل مروراً بالترويدة والزلغوطة والحداء وأغاني الدَّبكة (الدَّلعونا, الهواره, مشق الزَّعرورة, يا هويدلك, جملو, ليَّا وليَّا, مرمر زماني, عَ اليادي اليادي, ياحنيِّنه, عالروزنه, ضاع الوفا, بشوفك معي) وسأضرب بعض الأمثلة من هذه الأغاني الخاصَّة بالدَّبكة. مثال 1 ـ ( أغنية دلعونا ).
الكتابة الصحيحة : على دلعونا وعلى دلعونا = تمايل يا أسمر واروي العيونا
الكتابة العروضية: عالا/دلعونَوْ/عالا/دلعوناتْ/ ========== مايل/يا أسمر/وروي/لعيونا
الوزن ............/ه/ه[/ه/ه/ه[/ه/ه[/ه/ه/ه =========== /ه/ه [/ه/ه/ه [ /ه/ه [ /ه/ه/ه
التفعيلة ........: فَعْلُنْ/مَفْعُوْلُنْ/فَعْلُنْ/مَفْعُوْلُنْ/ ========== فَعْلُنْ/مَفْعُوْلُنْ/فَعْلُنْ / مَفْعُوْلُنْ
هذه الأغنية نسبت للبحر المتدارك مع القطع والتشعيث والتَّرفيل للجزء الثاني والرابع من كل شطر.
مثال2 ـ ( أغنية جملو جملو ).
الكتابة الصَّحيحة : جملو جملو يا جملو ========== يا عشيرة زماني
الكتابة العروضية: جملجملو/ يجملو / =========== ياعشيرة /زماني
الوزن ..........: /ه//ه/ه [ //ه/ه [ =========== /ه//ه/ه [ //ه/ه
التفعيلة .........: فاعلاتن / فعولن / ============ فاعلاتن / فعولن
هذه الأغنية نسبت للبحر مجزوء الخفيف بعد الخبن والقصر للعروض والضَّرب .
ــ يتابع المؤلف رحلته فيتحدّث عن الشُّروقي بأنواعه ( الشُّروقي, النَّبطي, الجوفيَّة, أغنية الدَّبكة النِّسائية, جلوة العروس, الموَّال البغدادي ( السَّبعاوي ), أغاني بدوية شروقي : مثل (السَّيف الصَّايل, قدُّك الميَّاس) . ثم يتحدَّث عن النَّدب على المتوفِّين ويورد مثالاً, يلي ذلك البحور الشِّعرية مع تفصيلاتها.
ـ في الجزء الثاني (التغاريد الغرامية): ويشمل قصائد طويلة للمؤلف تتضمَّن (ديوان الغزل ـ الدالية البشرية ـ الى الغيد ـ ناطر المكتوب ـ سن الأربعين ـ هديَّة ـ مكتوب محبوبي ـ حب عالهاتف.الخ). وأكتفي بمثال واحد من قصيدة (قلبي المراهق) يقول فيها:
شو صار تتغيَّرت يا قلبي = وشو اللِّي استجد بحالتي وغلبي
من سنين كنت بحسّ حالي كبير = وبحس بهموم الدِّني الصَّعبة
مدري حلم بيداعب التَّفكير = مدري حقيقة ساكنة بقلبي
(نلاحظ اعتماد هذا النَّوع من الشِّعر الزَّجلي كغيره بالوقوف بالتَّسكين في أواخر جميع الكلمات).
ـ في الجزء الثالث (الهمسات الاجتماعية): وتحتوي على نتف ومقطوعات ومسرحيَّات ملحميَّة, تناولت جميعها العلاقات الإنسانيَّة مع بعض الحِكَم والأمثال على شكل قصائد أو قرَّادي, كما ذكرت من قبل ويتضمن عدداً منها مواضيع وطنيَّة مثل (ذكرى ـ بلاد الشَّام ـ يا شام ـ العدل من سورية للكون أقبس ـ سورية والتَّشريع العالمي ـ استعراض تاريخي ـ المبادىء الأساسية ـ المبادىء الإصلاحية..الخ.).
وأكتفي بمثال واحد من قصيدة (بلاد الشَّام) حيث يقول في مطلعها:
بلاد الشَّام يا مهد الحضارة = رفعتي للبشر أوَّل منارة
عطيتي النَّاس حرف الأبجديّة = بْرأس شمرا انطلق أوَّل إشارة
يا سوريَّة الطَّبيعيّة السَّخيّة = الدِّني عن بيدرك نقلت بذارا
جناكِ فاض كوثر عبقريّة = توزَّع للأمم حكمة وإدارة
ـ في الجزء الرَّابع (الهمسات الخاصَّة): وفيها قصائد وقرَّادي كان الشَّاعر قد نظمها (كما يقول) في مناسبات خاصَّة, وفي لقاءات وحفلات وأعراس ...الخ . ومن هذه القصائد (وداع - إلى من أحببت- ذكرى عيد زواج- حفلة خطوبة – المغوار – سوزان – ريم – حفلة عرس- بطاقة وفاء بين زوجين.الخ. وأكتفي بمثال واحد من قصيدة (سوزان) ومطلعها :
سوزان الحلوة سوزان = متلا ما تكوَّن إنسان
من عينيها لون البحر = ومن خدَّا تلوَّن نيسان
السِّين بإسما سهم العين = البيصيبو الله يعينو
وفوق عينا في سيفين = الطّفل تشيبلو سنينو
ورد الجوري عَ الخدَّين = فتَّح زاهي بتلوينو
الشافا سمَّالا من العين = ومجَّد خالقها الرَّحمن
ومما يجدر ذكره أيضاً أن عدداً من قصائده في المناسبات الخاصَّة, تتضمَّن أسماء أصحاب العلاقة في مناسباتهم, من خلال ذكرها بالأحرف الأولى في صدور أبيات القصيدة أو في الصدور والأعجاز معاً مثال:
(بمناسبة حفلة خطوبة):
بَكيتُ لما فرحتُ مِنَ البَشَائِرْ = سمعتُ بشيرنا بالرَّكبِ سائرْ
أضاءتْ حوليَ الدُّنيا حبوراً = لما قد يستجدُّ من المصائرْ
سألتُ الله إنعاماً عليهِ = ورحتُ أصلِّي في كلِّ الشَّعائرْ
لهُ من كلِّ ما أعطاني ربّي= منايَ أن يُصانَ من الكبائرْ
في هذه القطعة الشِّعرية نجد اسم الشخص في الأحرف الأولى لصدور الأبيات, كما نجد كنيته في الأحرف الأولى من الأعجاز وذلك بقراءة عمودية. ومثل هذا الأمر يحتاج إلى خبرة وجهد كبير وفنِّية في انتقاء التعابير المناسبة للمعنى والمبنى (الشَّكل والمضمون) في آنٍ معاً.
ـ وفي الختام: وبعد هذه الرّحلة الطَّويلة والشَّائقة مع المؤلِّف الشَّاعر سلوم الياس سلوم الذي تنقَّل بنا في بدائعه وروائعه (القصائد الجميلة, الغنيَّة والمليئة بالصُّور والخيال والتَّخييل) والتي قد يعجز عنها الشِّعر الفصيح في كثير من الأحيان لعفويتها ولما فيها من لغة سهلة رقيقة تصل إلى القارىء العاديّ والمثقَّف كاملة . وهذا ما يطرح علينا سؤالاً طالما راودني: لمن نكتب الشِّعر؟ للنُّخبة أم للشَّعب ؟ !
مع أن الشِّعر الفصيح يبقى الأساس والمهمّ لأنه (ديوان العرب), واللُّغة الفصيحة هي لغة الأمة العربية من المحيط إلى الخليج, والمطلوب منَّا جميعاً المحافظة عليها .. ومع ذلك فقد رأينا أنَّ ما نظمه الشَّاعر سلوم من قصائد, كانت في الغالب لغة فصيحة مع تجاوز (النَّحو والصَّرف, والوقوف عند نهاية كلِّ كلمة بالتَّسكين), ما عدا بعض الأغاني الشَّعبيَّة والتي هي من تراثنا الأصيل , وأيضاً واجبنا المحافظة عليه, ومع أنَّ الشَّاعر - لمعرفتي به – ينظم القصيدة العمودية الفصيحة التي تحافظ على النَّحو والصَّرف, والتي أتى ببعضها في مناسبات خاصَّة, وقد آثر في كتابه هذا أن يخصه بالزَّجل فقط, لامتلاكه الخبرة والدّربة ولحبِّه التُّراث الشَّعبي فيما يتعلَّق بهذا الزَّجل, بأنواعه وألوانه وأوزانه ... وهو أمر جدير بالاهتمام يشكر عليه, كما يشكر مرَّة أخرى على هذا الجُّهد الكبير, الذي ذكَّرني بالأديب العلاَّمة محمود فاخوري في كتاب سفينة الشُّعراء والذي قدَّم فيه جهداً كبيراً فيما يتعلَّق بالبحور الشِّعريَّة وما إلى ذلك, بحيث أصبح مرجعاً مهماً للأدباء والنُّقَّاد والشُّعراء في الوطن العربي وأعتقد أنَّ ما قدَّمه المؤلف سلوم الياس سلوم في مؤلَّفه هذا لخدمة الزَّجل والتراث الشَّعبي, يقارب الجهد الذي بذله أستاذنا محمود فاخوري لخمة الأدب والشِّعر الفصيح. وأسأل الشَّاعر سلوم الياس سلوم في نهاية الرِّحلة: كيف استطاع أن يضمِّن كتابه هذا الكم المتنوّع من الأمثلة, على جميع البحور المعتمدة بالزَّجل وبهذه الدِّقة والتفصيل, بالإضافة للعديد من القصائد الطويلة والبديعة, التي تألَّق بها الشاعر إبداعاً ووفاءً وصدقاً وفنِّيّة أيضاً.
ـ تغاريد وهمسات الزَّجل : بأنواعه وألوانه وأوزانه.كتاب يتضمَّن بين دفَّتيه ( 165 عملاً شعرياً موزعاً بين القطعة والقصيدة والملحمة ) ويقع في / 208 / صفحة من القطع الكبير – إصدار دار الرَّضوان بحلب عام / 2006 /م الغلاف مجلتن على صفحته الأولى عنوان الكتاب وصورة لقرية الشَّاعر يظهر فيها جبل الشيخ مكسواً بالثلج في شهر حزيران , وعلى صفحته الثانية صورة القرية بالاتجاه المعاكس وصورة الشَّاعر, مع شرح عن محتوى الكتاب بالإضافة لبيتين شعر حداء جاء بهما:
يا ضيعتي بْحضن الجبلْ = حَرْمُون غَذَّى عيونها
وسهول طَفْحَتْ بالسَّبَلْ = وكروم غضَّة غصونها
ـ الشّاعر سلوم الياس سلوم: مواليد / 1946 / في قرية حينه – منطقة قطنا ـ له مخطوط قيد الطَّبع بعنوان (ومضات من نهج المقاومة), ومخطوطات أخرى قيد التنضيد.
__________________