مداخلات في القوافي 1) في التصريع والتقفية

من كتابي تعلم أوزان الشعر بلا معلم


مداخلات في القوافي

في التـّقــْـفية والتصريع
دمت بخير. يبدو العنوان مألوفا أو غـير مألوف، وسألخص لك القواعد مسبقا:
تمناه طيفي في الكرى فَتَعَتَّبا، وقـبَّلتُ يومــا ظله فَتَغَيَّيا
وقـالوا له: إني مَرَرْتُ ببابه؛ لأسرق منه نظرة- فتحـجّبا





(البيتان لأبي نواس من بحر الطويل، فهل يجوز ما حدث في عروض البيت الأول من الضغط على متحرك؛ لإنتاج مد بعده؟)
أيظـن أني لُـعـبة بيديهِ؟ أنا لا أفكّر في الرجوع إليهِ
اليوم عاد، كأنّ شيئا لم يكن، وبراءة الأطـفال في عينيهِ؟




(البيتان لنزار قباني من بحر الكامل، فهل يجوز ما حدث في عروض البيت الأول من الإتيان بالعروض على وزن متفاعل؟ ومن الضغط على متحرك؛ لإنتاج مد بعده؟)

حاول الإجابة، ثم انتقل معي إلى بحر البسيط:
سيعـلم الجـَمْع مـمن ضَمَّ مجلسُـنا بأنـّني خـيْر مـَن تسعَـى به قـَدَمُ
أنا الذي نـظـر الأعمَى إلى أدبـي، وأسـْمعَـتْ كلماتي مَـن به صَمـَمُ
الخيل، والليل، والبـَيداء تعـرفـني والسيف،والرمْح،والقرطاس، والقلمُ





، والأبيات من الصورة الأولى لبحر البسيط، وفيها يكون وزن تفعيلة الضرب موافقا لوزن تفعيلة العروض، وكلاهما عـلى الوزن فـعـِلن / / /o ،... وفيها ضرورة شعرية في ضرب البيت، هي إضافة مد الواو بعد حرف الرويّ وهو الميم المضمومة، وحيث إن القافية لا تكون إلا في الضرب، فإن هذا من ضرائر القافية، وهي هنا قافية رويها ميم مضمومة، ومتبوع بمد بالواو، ..... ولكن....* المتنبي في البيت الأول من القصيدة يقول:
واحَـرَّ قلـباهُ، مـمّن قلـبهُ شـَبِمُ، ومن بجسمي وحـالي عـنده سـقـَمُ


، أي أنه في آخر الشطر الأول من البيت أتى بعد حرف الميم المضمومة بــ مد بالواو، وأتى بنفس القافية في الشطر الأول من القصيدة،... وبما أن القافية لا تكون إلا في الضرب، فإن المتنبي جعل العروض من البيت الأول ضربا، وأتى فيه بنفس القافية (رويها ميم مضمومة، ومتبوع بمد بالواو)، وهذه هي التقـفية هي: جعل عروض البيت (الأول على الأغلب) ضربا، بأن يأتي فيه الشاعر بــ قافية، ليصير وزن كل الأبيات:
مستفعلن فاعلن مستفعلن فــعــِلن مستفعلن فـاعلن مستفعلن فعــِلن

(بفرض عدم دخول مزاحف)،
*ولتصير الأبيات تــِـباعا:
واحَـرَّ قلـباهُ، مـمّن قلـبهُ شـَبِمُ، ومن بجسمي وحـالي عـنده سـقـَمُ

..........................................
..........................................
سيعـلم الجـَمْع مـمن ضَمَّ مجلسُـنا بأنـّني خـيْر مـَن تسعَـى به قـَدَمُ
أنا الذي نـظـر الأعمَى إلى أدبـي، وأسـْمعَـتْ كلماتي مَـن به صَمـَمُ
الخيل، والليل، والبـَيداء تعـرفـني والسيف،والرمْح،والقرطاس،والقلمُ

*مـكان القافية في الأبيات هي فـقط فــي مواضع الرمز " §":
......................... § ....................... §
....................... ...................... §
................... ................... §
.................... .................. §
وهي المواضع التي يجوز فيها- فقط– أن نأتي بعد الحركة بمد غير منطوق طبيعيا، بضرورة.


، لكن المتنبي يقول في قصيدة أخرى:
لم يتركِ الدهر من قلبي ومـن كبدي شيـئا تُـتَـيّمـُه عـَين ولا جـِيدُ
يا ساقِيـَيّ، أخـَمرٌ في كئـوسكما؟ أمْ في كئـوسكما هَـمٌ وتسهـيـدُ؟


، وهي من الصورة الثانية لبحر البسيط ، والتي يكون وزن تفعيلة الضرب فيها فـعـْلن /o /o مغايرا لوزن تفعيلة العروض فـعـِلن / / / o، وفيه قافية رويها دال مضمومة متبوعة بواو ومسيوقة بياء (قد تتبدل بالواو)، ولكن المتنبي في البيت الأول يقول:
عـيدٌ، بأيـّة حالٍ عُدْتَ، يا عـيدُ؟ بمـا مضى، أمْ لأمـر ٍفـيكَ تجديدُ؟


وزنه: مستفعلن فعـِلن مستفعلن فعـْـلن
مفاعلن فاعـلن مستفعلن فعـْـلن
، وما فعله المتنبي هنا أنه أتى بوزن تفعيلة العروض في البسيط على الوزن فـعـْـلن / o / o، وهذا يندرج تحت أخطاء بحر البسيط التي ذكرناها، فهل المتنبي مخطئ؟؟

الجواب: لا،... ليس لأنه المتنبي، ولكن لأنه أتي بالقافية أيضا في عروض البيت الأول، فكانت قافية رويها دال مضمومة متبوعة بواو ومسبوقة بياء (قد تتبدل بالواو)،... ويجوز ما فعله المتنبي هنا، ونسميه التصريع. والتصريع هو جعل العروض من البيت الأول من القصيدة ضربا، وأن يأتي فيه الشاعر بــ قافية، وهذا مع مخالفة تفعيلة العروض لتفعيلة الضرب في الوزن في كل الأبيات الباقية، إلا في البيت الذي فيه التصريع، ليصير وزن الأبيات بفرض عدم دخول مزاحف:
مستفعلن فاعلن مستفعلن فـعـْـلن§ مستفعلن فاعلن مستفعلن فـعـْـلن§
مستفعلن فاعلن مستفعلن فـعــِلن مستفعلن فاعلن مستفعلن فـعـْـلن§
مستفعلن فاعلن مستفعلن فــعــِلن مستفعلن فاعلن مستفعلن فعـْلن §
................................. ........................ §




ولنأخذ مثالا آخر من بحر الكامل، قول شوقي:
مِن أيّ عهد في القـُرى تـتدفـّقُ؟ وبأي كــفّ في المدائن تــُغدِقُ؟

ومن السماء نزلـْتَ، أمْ فُجّرْتَ من عـليا الجنان جـداولا تـترقـْرقُ؟



البيت الأول فيه تقفية لأن كل أبيات القصيدة يتفق فيها العروض والضرب وزنا، هكذا:
متفاعلن متفاعلن متفاعلن § متفاعلن متفاعلن متفاعلن §
متفاعلن متفاعلن متفاعلن متفاعلن متفاعلن متفاعلن §
متفاعلن متفاعلن متفاعلن متفاعلن متفاعلن متفاعلن §


أما عـندما يقول شوقي:
وُلـِدَ الهـُدى، فالكائـنات ضياءُ، وفـمُ الـزمان تبـَسـّمٌ وثـَـناءُ
الروح، والمـلأ الملائـك حـوله، للـدين والدنـيا بــه بـُشـَراءُ
والعـرش يزهو، والحظيرة تزدهي، والمنــتهى، والسـدرة العصمـاءُ




، فإن البيت الأول فيه تصريع، لأنه في كل أبيات القصيدة يختلف وزن تفعيلتي العروض (متفاعلن) عن وزن الضرب (متفاعل) عدا البيت الأول، والذي يتفق فيه– فقط- الوزنان، لتصير التفعيلتان من وزن (متفاعل)، وتصير التفعيلة من آخر البيت الأول ضربا، ولا تسمـّى عروضا، ثم يعود في باقي الأبيات إلى وزن تفعيلة العروض، كما في الوزن الأصلي للصورة، ليكون وزن الأبيات، بفرض عدم دخول مزاحف:
متفاعلن متفاعلن متفاعل § متفاعلن متفاعلن متفاعل §
متفاعلن متفاعلن متفاعلن متفاعلن متفاعلن متفاعل §
متفاعلن متفاعلن متفاعلن متفاعلن متفاعلن متفاعل §


، وعندما يقول اليشكـُري:
وأحبـهـا، وتحـبني، ويحب ناقتـَها بعـيري


، فإن البـيت من وزن: متفاعلن متفاعلن متفاعلن متفاعلاتن، وسوف يلتزم الشاعر بهذا الوزن طـَوال القصيدة، إلا عندما يأتي بالتصريع في أول بيت، فيقول:
إن كنت عاذلتي فسيري نحو العراق، ولا تَحُوري


، فوزن البيت هو مستفعلن متفاعلاتن مستفعلن متفاعلاتن..، وبهذا يصير وزن الأبيات كلها، بفرض عدم دخول مزاحف:
متفاعلن متفاعلاتن § متفاعلن متفاعلاتن §
متفاعلن متفاعلن متفاعلن متفاعلاتن §
متفاعلن متفاعلن متفاعلن متفاعلاتن §






ولعلك الآن عرفتَ مقصدي من حديثي طوال الكتاب عن الخطأ بانتهاء أغلب البحور في عروضها بمتحرك، وعرفت قيمة استثنائي من ذلك أن تكون في العروض قافية.

الشكر لك على متابعتك ومجاملتك أستاذي عادل سند

الكتاب تحت الطبع