بورتريهات

بورتريهات
(1)
غلاف الموسوعة
ما إن تره للوهلة الأولى،تشعر بأنك أمام شخص مختلف،فملامحه متسقة ولديه نظرة واثقة،ملتحفة بتواضع جم يبدوعندما يتحدث أنه يريد أن يوهمك بأنه شخص عادى، لكن هيهات فكل كلمة تخرج منه تؤكد انك امام شخص مختلف وعندما تتحدث إليه يصغى إليك كأنه كان ينتظر كلماتك،وعندما يجيبك تبدوا كلماته مؤيدة لوجهة نظرك ولكنها فى الحقيقة نظرة أكبر وأشمل وأعمق،وأحيانا تهدم لك كل القضية فتتمنى لو لم ينته من كلامه،وأن يصادفك الحظ مرة أخرى بلقائه فتسمع دون أن تتكلم فإذا أردت ان تشكره وجدته يشكرك قبل أن تفكر فى ذلك،والحقيقة كل اللقاءات معه قدرية سريعة خاطفة،لن تشبع من لقاء واحد به ولو تكرر اللقاء الف مرة،فكل مرة ستجد نفسك أسيرا لفكرة واحدة،هى أنك لا زلت تفكر،وتحاول فهم غلاف الموسوعة الجميل فما بالك بمحتواها.
...................................................
(2)
العاصفة
كأنه شاب فى الثلاثين من العمر،عندما تجالسه له ملامح لا زالت تحتفظ بوسامتها مع وقارها،يضحك من العمق فتهتز كل شعيرات جسده،وتنهمر الضحكات من عينيه ووجنتيه،قبل شفتيه،فهو لا يعرف التصنع،يسمعك بطريقة الخط الساخن الى قلبه،دون أن يفقد تركيزه حتى تنتهى من كلامك،مقاتل لديه حنكة،ومشروع ويجمع حوله المتضاد والمتوافق،ويعرف لكل واحد دوره،شرس عندما يغضب،يحلم بتغيير الواقع السياسى،والإقتصادى،وبناء الإنسان،لديه قلب ميت فى مواجهة أصحاب السلطة والقسوة،هو فنان من الطراز الأول،يرى نفسه أميرا متوجا أسلحته العقول المستنيرة وقنابله قذائف الحق التى حتما ستصيب الهدف فى مقتل.
كتاب التاريخ هو العاصفة،هو الثائر،هو المعلم ،هو الكارثة لمن لا يعرفه،والقدوة لكل من يريد العمل بالفن،بالسياسة،وحقوق الإنسان.
......................................................
(3)
العالم الثالث
يتسائل الطفل عما يدور حوله،وكلما سأل نال نصيبهُ من الزجر،وربما الضرب،الدهشة تعانق براءة الطفل،يكرر المحاولة بلا يأس،لا يجد معينا، يتحاور مع الأطفال المحيطين به،جميعهم يشكون ما يحدث حولهم، حيث لا قدرة لهم على الإنطلاق،اللعب،التجربة،الحرية،الأحلام، فالكبار يمارسون عليهم الدور السلطوى.
يهرب الأطفال من واقع الحياة،الى أحلام حياة أفلام الكارتون،وتمر الأيام والسنين فيكبر الصغار،يصبحون شبابا يافعا،يبحثون عن العمل،تغيير الواقع.
تقديم القرابين،الحياة تحت إمرة من يوقف إبداعهم وطموحاتهم،النفاق،الطاعة العمياء،هو ما يراه الكبار.
دائما ما تنتظر شعوب العالم الثالث الموت الذى قد يداهم الظالمين،وهذا هو الحلم الذى بناه جدى وأبى وسأورثه لأحفادى.
...................................................
(4)
قبلات
على ضجيج المقهى،المكتظ بالجالسين على الطاولات،يلعبون فى حماسة،وسط غيوم سحب دخان الشيشة،الجميع فى قبلات حارة للمبسم القابع بين الشفاه، وكأن صدورهم أوانى للطهى،أو مصنعا لإنتاج الطوب.
يصرخ العجوز المار بجوار المقهى، فلا يجد من يهتم،رق قلب طفلى الصغير،القابض على إصبعى،ونحن فى طريقنا المار بجوار المقهى،فدفعنى إلى أن أذهب للعجوز،سأئلا إياه فى رفق عن ضالته،فاتكأ الرجل على إصبع يدى الأخرى،وأحنيت له ظهرى كى أسمعه.
قال مستدعيا كلماته من مكان بعيد:أذكر أن هذا المكان كان فيه مصنعا للألبان.. وأنه كانت تلاصقه عيادة للعلاج المجانى،بجوارها دار للمسنين،ومنذ سنوات طويلة لم يمر من هذا المكان،ولايدرى هل هو فى الشارع والمكان الخطأ.
قلت:لا بل أنت فى المكان الصحيح،لكن،المقهى متعدد الأدوارهو مكان المصنع،والعيادة التى تبحث عنها صارت ناديا صحيا وترفيهيا لأعمال المساج والتدليك،أما دار المسنين فهى ناطحة السحاب التى تبعد أمتار من هنا.
رقرقت عينا العجوز وعينا طفلى،لملمت مشاعرى،لم أجد ما أقوله،قبلت رأس العجوز.
خالد ابراهيم محمد
مدونة سور الأزبكية