المصير
... يُقال : " أنت رائعة كالمسك فأينما تكونين يلحظك الناس "
.إن القلب حين يطير يمتلئ ضياعاً وهكذا صارت قصتي تحاكي القلب منذ زمن ليس طويلاً وبالتالي تبحر معه سفن عشقنا الموروثة , صرت حين أنظر إليك أؤمن أن ساعة من التأمل تكفي لتفسير العالم والمجتمع أكثر من تعاليم رجال العلم والدين كلهم, وهذا الذي أناشده في كل لحظة وخاصة في الليل والشتاء .
... يُقال :" بين النطق والصمت برزخٌ فيه قبر العقل وقبور الأشياء "
. كنا ندّعي أن التوحد مع أسرار الياسمين هو توحدٌ خاص للحيلولة دون الارتباط مع الزمن, حسبنا الوقت يقاس مرتين فاندفعنا نحتسي ماتبقى من إدمان وجوهنا , لكن ماهي إلا دقات قليلة حتى عادت بنا اللحظات تذكرنا بالمقاييس التي أفلتت من بين أيدينا , فعدنا من جديد نطرح التوحد لكن التوحد الآن مع الزمن لعل ماتبقى من دورته يهادن صمتنا الثقيل , ليست فلسفة بقدر ماهي عطاءات كثيرة ادخرتها لك طوال سنوات من الغربة والضياع فالزمن الآن تغير وماهي إلا بضع عادات وتقاليد تهمش ُ دورنا الذي كان ولا يزال عصي الماضي وعصي إبداعاتنا الشرقية , ومن جيد تبدأ قصتي لتطرح أسرار الياسمين صوغاً أو كما تسمينها حتى لو كانت ابتهالات لاأكثر فدمعتي تستقر دائما بين نبضي حتى ألامس عبق الصحو ونزق الحاضر وبوحه ولأتعلم اللفظ كما تبقى .
ربما كانت لعبة صعبة "لعبة عدم الانتظار على وجوه الغائبين وبالتالي المقربين منهم ".
يُقال : " صبر المحبين أشد من صبر الزاهدين "
. مازال صوتك أخضر الإيقاع يبسمل غربتي مع اله الشوق ,يبعث في نفسي روحاً جديدةً , الآن وبعد تلك السنوات الطويلة أدرك أكثر من أي وقتٍ مضى أن هنالك توحداً أزلياً يجمع مابين قلبينا ولا أخفي أنني أحاول دائماً تذكر نفسي عند مفترق اللقاء أو أي مفترق يؤدي في النهاية إلى عنونة ذكريات الشتاء وبوحها الذي يفجر فينا كل قيم الحب والمصير المجهول ياصرخة الفجر في نفسي , الليل ماعاد يحتمل الاستكانة أكثر وهو يبحر الآن لعله يجد لنفسه ثغرة يستطيع من خلالها أن يقول "لا " والشمس ستشرق كل يوم ألف مرة وستمرين من أمامي كل يوم ألف مرة وستغدو بيادر القمح تعانق روحك أكثر فبوحي هذا يؤمن أن هناك في الأفق امرأة تحمل في طيات قلبها أكثر مما أحمله أنا وحملته خلال كل السنين .
يُقال: " البحر دونك بلا شواطئ وأجفان الليل تتكسر قرب الرمال"
. دواتي مترفة بما تخبئه لك في رحلة المصير , أسلمت فيه كل تقاليد ميلادي وكل زفة لطائر حنون يرتقب الوقت لمرور أنثاه كي يحنو على ماتبقى من وجع الأيام وغربة السنين وهكذا تدور دائرتي , جاء يوم سألني أحد أصدقائي عن ابتسامة ثغري التي تتمحور في كل الاتجاهات؟ كان الجواب يرتدي حلة ماعرفتها شجون شاعر لكن الأمس في مدينتي أدركه من زمن طويل , أتذكر أنني قلت يومها : ياصديقي كان عمري سطرا أو بضعة أسطر يوم الانتحار تفجر في مآقي من تداعبوا بما ملكت أيديهم من تقوى هذا الزمن , ومنذ ذلك اليوم لم تعد تتردد إلى مسامعي ألحان الشتاء التي أحبذها ولازلت , ولشدة فقر هذا الزمن والتواصل الدائم لما يحمل عروقنا في ساحات الكبرياء عرفت السباحة عكس التيار عندما أزور مدينتي لا أحلم كثيراً لكن في العودة وعلى مسافة قريبة اعتدت وضعية في المسير لم اعتدها في حياتي اليومية " أضع يديّ خلف ظهري" لم أجد إجابة لتساؤلاتي حول تلك الوضعية , لاأخفي أنني وفي طريق عودتي أشعر باتساع الأفق أمامي ونار من خلفي تدفعني بشدة غير أن خطاي تحتسي الهدوء دائماً , فيما بعد أدركت أن هناك توحداً خاصاً مابين عقلي وجسدي , مابين ارتعاشات المدى وأفق مخيلتي , فوضعيتي تلك لم تكن سوى تحدٍ لاشعوري من جسدي وعقلي للواقع والتمرد الذي لم يستكن يوماً في عروقي لأن طبول أقصوصات الشرق لم تُقرع يوماً في مخيلتي وما اعتدت الضياع في بحر ظلماتنا فهل أدركت ياصديقي سبب ابتساماتي هذه؟؟.
يُقال : " لم يكن الحب بعيداً وكنتِ كل حكاياتي وحروفي وكلماتي "
. ذات صباح قلت لنفسي حين يصير عالم التوحد مطلقاً لابد أن يلتقي الليل مع الذاكرة حينها ستنتفي إطراءات الماضي الصاخب وأشعر بها , يومها مشيت وحيداً , وقع خطاي يؤنس وحدتي , حبات المطر المتساقطة تنقلني إلى مساحات واسعة من أماكن إدماني لذاتي وذاتك في المصير المفني مابين دفاتري وأقلامي , كنت كلما ابتعدت ولمسافة طويلة أجد مبرر عودتي أقوى وأقوى لعلني أجدك عند زاوية قريبة أو أسمع شجي صوتك الذي ينتقل إلي دائما مع رائحة الشتاء فإحساسي بوجودك هو تخاطر من نوعٍ آخر يشتد دائماً ويشتد حتى يتداخل مع وقع خطايّ في أي موقع لك وهكذا أيها المصير .
يُقال " كل واحد منا سيدخل مدينة الحزن مرة وألف مرة "
. هل يحتمل هذا القلب تدفق الذاكرة المطلق أكثر وهل يحتوي رعشات جفوني الماطرة ؟ أعترف أن للحزن وقعاً خاصاً حين يرتدي الذكريات وله وقع أكثر خصوصية حين يجعل من نفسه تلازماً لروحك , وهو عنيد ٌ أمام تفتح زهرة قلبي وزهرة ميلادي التي راحت تكبر كما حط ليلٌ أمام وجوه الخائفين
لا أنكر أنني تمنيت يوما أن تُقطف , يومها قلت لك : ( أحبك ) وماهي إلا ثوان قليلة رأيت دموعا متساقطة من عينيك , حاولت جاهداً إيجاد معنىً لتلك العبرات , أثرت الصمت سكنى للوقت الحاضر فينا , هل تذكرين ذلك اليوم ؟ والآن عرفت أن ماتخفينه بين طيات قلبك هو ماتعالجه مخيلتي منذ زمن بعيد والذي انتظرته أيضا , كم لنا من دفاتر الأيام ألقاً ووجداناً ؟ كم لنا من زهرة عمرنا الباقية ؟ ضعي ذلك خلف حقول اليباس ودعي قلبك يحلم بولادة جديدة لعل ماهو آت يدمن رؤية وجهينا ويدرك أننا اخترنا لأنفسنا أننا سنبتعد يوماً عن كل مااسمه ( زمن مجهول و أقصوصات شرقية قديمة ) .
يُقال : " افتقدتك وطوفان القلق والضياع يجتاح فراغ أيامي "
. وأنا أكتب هذا البوح تذكرت كلمات صديقي الشاعر في قصيدته الصوفية يقول: ( أحبك فوق مافي الحب من حب ولا يكفي , أجوع إليك يامطراً يظللني ويسقيني ويأخذني ولا يكفي , أسافر فيك من وعد إلى وعد وأنشر كل أشرعتي ولا يكفي )
كلمات عاشق عصفت بأوردته أحزان عشقه الممتدة من حيه الدمشقي إلى إيمانه القوي بأن الحب هو الشيء الوحيد الخالد في الحياة , نعم كلمات تسافر , تبحر وحيدة , تمتد خصالها حول كل من كان عشقه وحبه فوق مافي الحب من حب وفوق كل الكلمات المتعارف عليها في تلك الجدلية الطويلة .
أرى في تلك الكلمات نسيج ذاكرتي إليك وشدو كلماتي وهي الآن بأشد الحاجة لك كي تدثر وقع خطاي المغتربة وتدثر نفسها أيضا سنين طويلة من الغربة والضياع , فهي كافية أن أتجنب نفسي وأتحيّن كل الظروف التي ماتمنيتها يوماً, ماعارضت نفسي يوماً لكنها في كل لحظة تتجنب ارتطامي بالذاكرة حتى ماادخرته من جمال الكلمات صارت أوجاعاً تفوق كل أوجاعي الممتدة من مدينتي إلى غرفتي الصغيرة الحنون , نعم تعلمت الآن كيف يكون امتداد الحزن على صفحتي البيضاء راية من رايات الشرق التي لاتكاد تنتفي في موضع ما حتى تعود أقوى وأقسى أكثر , بت أحبك أكثر من روحي وأحلم أكثر, بت أخاف وأنا أتلمس جذع الشجرة أن أرى نفسي مجرد أشياء تدور حولها ,تحاول الشجرة أن تلتقط بعضها ومرات كثيرة لاتحاول متأملة الامتداد اللاشعوري لذكريات جدلية حبك الطويلة .
وأقول " من بقايا الذاكرة"
. يوم ٌ من أيام الشتاء عصفت بأوردتي أشياء تقول لي : ( إني ملكت الوقت ) وبالتالي لايستحيل وجوب التخاطر في تلك اللحظات , أدركت بالفعل أنني أدمنت الوقت وحين نظرت إليك من النافذة أحسست بالخوف قليلاً , إلا أن الخوف لم يلبث أن اجتاح جسداً آخر في موقع آخر وسماع لأغصان الشجرة تتضارب في تلك الليلة العاصفة زادني إيماني بنفسي وأحاط مخيلتي بفكرة العودة فهناك شجرة تحمل من أسباب الحب ماحملته أنا طوال تلك الفترة التي أرهقت أعصابنا.
يُقال:" سأكون الرعشة التي لاتحترق ولا تنام , سأكون ظل النهار إن لم أكن النهار كله"
. سُئلتُ يوماً عن العلانية التي تعقب السرية القائمة على حفظ اللحظات المحترقة بحزن ماهو آت ؟ دونما شك تذهب المخيلة أحيانا بعيداً جداً وأحياناً أخرى يبقى للثورة عناوين تخطها سرية تامة , لكن الخطأ إن أخطأ لاشيء من أجله نحاسب عمرنا ومع ذلك سنبقى في تواصل مع الزمن , لكن هل يبقى للتوحد في مثل تلك اللحظات أي معنى ؟ أظن أن المعاني تكبر قليلاً إن حصل ذلك فليست هناك أية وعود أو تبادلات لتحنو على ماتبقى من السفر الأزلي , فالوعود وحدها قادرة على تفسير جوهر الكلام وجوهر الكلام حين أبوح به يسافر معي حتى الممات .
حاولت في كتابة المصير أن يأخذ أكبر قدر ممكن من كل المسافات ومابحت به ليس إلا مسافات قليلة إن لم تكن فواصل في تلك الرحلة الطويلة , نعم هو التوحد في زمن الابتهالات الصعبة ( روحي وروحك , حزنك وحزني ) تزامنت كل المواقف وتلاقت القلوب ودقات الساعة دائما على مقربة من دواتي ونسيج كلماتي المنبعث من المصير المجهول وأقول هل انتهى المصير عند موقف ما ؟ وهل قدرتنا على تحقيق ماتبقى من أحلامنا تقف دون هذا التوحد ؟ لم تكن يوماً جُملاً حائرات لتعدو وراء المسافات لغد خجولٍ الذي يتحين كل الظروف لأضمك أخيراً وتشعري بمدى تساقط الحزن الذي أتعبه وجع السنين وتدركي أنني سأكون الرعشة التي لاتحترق ولا تنام وسأكون ظل النهار إن لم أكن النهار كله .
رامي وسوف
1999