الشاعرة ليلى منير أور فه لي/
تكتب بماء القلب،لأنها محترقة بالورد..!
بقلم:محمد الزينو السلوم
كل عام وأنتم بخير(لبيك اللهم لبيك..!)
----------------------------------------------
مما قلته عن مجموعتها الأولى"الرحيل في العيون الخضر"من قبل
ليلى تنداح بلغة الأنثى التي تبوح بخواطرها لمن تحب،تحس وأنت تقرا شعرها أنك أمام شاعرة تعيش تجربتها الخاصة،وترسمها بألوانها بصدق وجرأة،كما تحس أن الصمت والغربة يخيّمان على ظلال روحها..) أما في مجموعتها"محترقة بالورد" فنجدها امرأة عاشقة إلى درجة الاحتراق بالورد..وأسأل:كيف يحترق العاشق بالورد ؟! ولعلّ الجواب يكمن في قصائد الشاعرة..
تقول ليلى منذ الإهداء"أنها جعلت للورد طقوساً أخرى.."فما هي هذه الطقوس ؟! هل نجدها في آلهة الكلمات،أم في أبجدية فراشة،أم في نبض العشق،أم في حلم الجنون،أم في وجع الياسمين،أم في وطن النار،أم في احتراق الورد،أم في ماذا ؟!
في قصيدة آلهة الكلمات تقول:"تعانق هواجسنا وجه القصيدة/ينزّ جرح الاعتراف/من هياكل السؤال/والصمت يغتصب /ملكوت الإصغاء.."،تريد من القصيدة أن تلملم بعثرتها في الفصول،وتجمعها في قزح الحروف،لتتعابر معها في دروب المطر..فنح آلهة الكلمات منفيّون،وأسماء الاستفهام هي الهمّ والسراب..الخ
بمثل هذه اللغة تغزل ليلى شعرها وكأنها تجدل ضفائره بخيوط اللغة التي تولّدها من إبداعاتها الشعرية التي تتصف بدلالاتها اللغوية الجديدة..وفي قصيدة أخرى تخاطب من تحب قائلة:"بك يقطفني الشعر،نجمة،نجمة/يلملمني عن بعضي/يجمعني في سنابل الحروف/حقولاً من الدهشة/فكيف لا أسفح في جرار عشقك ياسمين قلبي؟/كيف لا أهتك أسرار ولهي/وعبق الوجد يسري بالقلب/إلى سدرة الآخرة ؟!!!".
في قصيدة"أبجدية الفراشات"تقول أيضاً:"أنا من جيل فراشات/لا تحترق بلهب الضوء/لأنها تطير نحو الشمس.."وتضيف أنها عافت أزهار الحدائق،لتطير مع النوارس،ولأنها تعلّمت مع خبز الذرة،أبجدية الحرية،فتاء التأنيث عندها هي تاء الفاعل المتحركة،ونون النسوة،نون توكيد ثقيلة..الخ"..ومن خلال قراءة نقدية متأنية لمثل هذه القصائد تقرأ الشاعرة جيداً بخاصيتها،من لون وصوت..وبوح وجرأة وتمرّد .. ومع ذلك فهي تعترف أنها محترقة بالورد..سنتابع رحلة البوح مع الشاعرة لاكتشاف هذا الاحتراق..!
تحس وأنت تقرأ قصائدها أنها عاشقة فعلاً حتى الاحتراق..تقول في قصيدة"نبض العشق":"حين استوطنت عيناك قلبي/صرتُ وطناً للشوق/وأنت ترتشف قبالتي قهوتك/كم تمنّيت/لو يرتدي فنجانك شفتيّ.."،ومن خلال التنقّل بين مقاطع قصائدها وهي كثيرة،تقرأ ولادتها في كل مقطع،وكثيراً ما ترفع النجوم طقوس صلاتها لسماء الليل،فتحتضن القصيدة وتنام..!
في قصيدة"فاتحة الكتابة"تقول:"بخمر الصمت تثمل كلماتي/وخارج حدود الكلمات/نلتقي لنفترق.."للصمت خمرة وخوابي،تثمل به كلماتها،وخارج حدود الكلمات نلتقي ،لنفترق..بمثل هذه اللغة،لغة الهيام والوجد،للحية أشجار،وللوهم قناديل،وللمطر معابر،وللوقت تجاعيد،وللروح معارج،وللوجع نهارات،و..و..نحس بوح الشاعرة في كل قصيدة،بل في كل مقطع،إنها تلوّن بوحها بعشق الروح والجسد معاً..
وتقول في قصيدة أخرى:"ويح قمر/لا يتكسّر على ضفاف اللحظة/ولا يسكر من عبق الجنون"إلى أن تقول:"يزهّرني جنونك الطالع من فيض حنيني/يوشّيني بالاشتعال/أمارس التوحّد بالخضرة في روحك.."..نجد للحظة في لغة الشاعرة ضفاف،وللجنون عبق،وللحنين فيض..هكذا هي ليلى دائماً في بوحها وعشقها.محترقة..!
وقبل أن أنهي رحلتي بقصيدة"محترقة بالورد"لا بد من القول:"هناك قصائد في المجموعة الشعرية تختلف من حيث المضمون لا من حيث اللغة الشعرية مثل(لماذا ترحل نزار؟- إلى حبيبي في جنين – وطن النار - بطاقة عشق إلى عمّان- حكاية الحب )وهذه القصائد تحتاج لقراءة،بل لقراءات..لكن المكان لا يتّسع لها وقد يكون لي معها لقاء آخر مستقبلاً..
أعود إلى قصيدة"محترقة بالورد"وهي آخر قصيدة،وتحمل اسم المجموعة الشعرية: ومما تقوله فيها:"وجودي كله دفتر شعر/يطرّزه حضورك/أتلوك في مزاميره/مطراً،وشجراً،وناراً مقدسة/سمائي تتقد بالخضرة/وأنا محترقة بالورد/وها أنت تأتي من متاهات المعنى/فلماذا لا أعمّدك بنبيذ النجوم؟/ولا آخذك إلى دروب محفوفةٍ بالشعر؟.." إذن هي محترقة بورد العشق،ولا أدري لمَ ذكرني هذا الاحتراق بما جرى بين (الحلاج والشبلي والورد..!).
وفي آخر القصيدة تخاطب الشاعرة من احترقت بورده قائلة:"يا لؤلؤ الفرح المخبوء بمحارات الحزن/دعنا نحدث في مسارات الانكسار انقلاباً/فترتجف الظلمة خلف نوافذ التحطّم/تزهر كفّاك على كتفي/شال شعر/وتنبت شفتاك في عنقي/أقحوانه من لهب..".
تتألق الشاعرة وهي تحترق..فلؤلؤ الفرح عندها مخبّئ بمحارات الحزن،تريد أن تحدث انقلاباً في مسارات الانكسار، ولترتجف الظلمة خلف نوافذ التحطّم..حين تزهر كفّاه على كتفها،شال شعر،وتنبت شفتاه في عنقها أقحوانه من لهب..! لا أجمل ولا أحلى..من هكذا احتراق..!
بمثل هذه الصور،واللغة الشعرية ترسم الشاعرة ألوانها،وتبوح بعشقها،وإذا كانت قد أبحرت في زورق شعرها من خلال نصوص شعرية،بعيدة عن الموسيقى الخارجية،فقد يكون للموسيقى الداخلية في مثل هذا البوح ما يجعلنا نهيم بسحر الكلمات،ونرقص لها،وكيف لا ؟ ونحن أمام ألق شعريّ يتجلّى في نوارس الشاعرة.
-------------------------------------------------
*الشاعرة:مواليد حلب-ماجستير في الاقتصاد والدراسات السكانية – صدر لها:الرحيل في العيون الخضر – رسائل من أوراق الدمع- تحت الطبع:"معه.."(هذا ما أشارت إليه على الغلاف).