هل اخون ؟ ( مسابقة نوفمبر 2009 )

ها هى عقارب الساعة قد أشارت الى العاشرة مساءا ، وشاهندا الشابة الجميلة تجلس بمفردها فى منزلها الفسيح الفاره .
ولكن تشعر بكم شديد من الضيق يكاد ان يفجر شرايينها و الاحساس بملل الوحدة يقتلها ،حيث ان زوجها رجل الاعمال الكبير مسافر كالعادة بحجة أعماله الكثيرة التى لا تنتهى و التى لا يستطيع ان ينيب غيره للقيام بها ، ووالديها التى كانت وحيدتهم قد واتتهم المنية من عدة سنوات ، وصديقاتها القليلات جدا ورائهن التزامات بيوتهن وازواجهن .
ظلت شاهندا على هذا الحال قرب الساعة و اخذت فى البكاء والصراخ فى نفسها قائلة :-
- ما هو العمل الان وانا حالى لم يعد يرضينى و لا اعتقد انه يرضى احدا ، لقد سئمت من مرار الوحدة وسئمت من تواجدى بمفردى هكذا .
وقامت من مقعدها والتقطت منديلا مسحت به دموعها ثم اتجهت الى حجرة نومها ووقفت امام المرآة متأملة نفسها جيدا وقالت :-
- كم انا جميلة حقا فلماذا أضيع شبابى وجمالى هباءا مع زوج لا يعيرنى كل الاهتمام الذى اريده وبدون شك ان له نزواته الخاصة .
واستدارت تاركة المرآة و سارت فى الغرفة قائلة :-
- بالطبع لا استطيع ان اتركه لان بدونه ليس لى اى مصدر للانفاق ، و لكن بالطبع فان لى احتياجات اخرى غير المال ، فانى اريد ان اشعر انى امرأة مرغوبة واريد ان اشغل وقتى واتمتع به على قدر المستطاع و كفانى ما اضعته وانا على هذا الحال .
فجأة هجمت على رأسها الافكار الشيطانية من جميع النواحى واقتحمت عقلها وتمكنت منه فارتدت افضل ما لديها وتعطرت بأجمل العطور و غطت وجهها بالمساحيق والالوان ونزلت الى الشارع .
وقفت "شاهندة " حائرة تائهة لا تعرف الى اين تذهب او ماذا تفعل ؟ وفى لحظة شعرت انها فى حاجة ملحة الى شخص يأتى فورا ويتواجد فى الحال لتتحدث معه و يسمعها و تسمعه .
وبينما هى تفكر وتفكر، أحست فجأة انها اصطادت الفكرة الرائجة من بين الافكار المتهافتة عليها و قررت ان تستوقف اى سيارة تمر امامها ولكن لابد ان يكون بها شخص بمفرده و تحاول ان تتقمص شخصية غير شخصيتها وتعيش دورا جديدا عليها ، فربما يعينها هذا العمل الجنونى على الخروج من حالة الحزن والملل التى اعترتها.
وبالفعل رأت سيارة سوداء فارهة تقبل عليها يقودها شاب وسيم فى اوائل الثلاثينات من عمره تقريبا ، فأشارت له ، فتوقف سائلا اياها ان كان هناك ما يمكن مساعدتها فيه ، فابتسمت له قائلة :
- هل لديك مواعيد مهمة او هناك ما يستلزم منك ان تذهب اليه سريعا ؟
فرد باستعجاب : عفوا .... لا افهم قصدك
فأجابت فى دلال وبصوت ناعم منخفض :
- اريد ان اذهب معك فى جولة ، هل لديك اعتراض ؟
فتعجب الشاب من كلامها هذا ورمقها بنظرة حائرة واخذت الافكار تدور فى رأسه و ظن فيها اسوأ الظنون واضاءت له شعلة فكره بأنها قد تكون فرصة جيدة قد سقطت عليه من السماء لتكون الفريسة الراغبة فى ذلك فهى كالحيوان الذى يطرق باب الصياد ليلقى بنفسه فى شبكته .
فتنهد تنهيدة طويلة ورد قائلا : - بالطبع لا مانع لدى ، تفضلى .
وبالفعل ركبت وهى لا تدرى ولا تريد ان تدرى ان كانت مخطئة ام على صواب فى تنفيذ هذه الفكرة المجنونة ،ولا تفكر فى عواقب ما ستقترفه هذا ، وذهبت معه وهى كالمسلوبة ارادتها لا تشعر بشىء الا انها تريد ان تذهب الى اى مكان بصحبة اى انسان لتتحدث معه ولو فى كلام لا معنى له .
اخذ الشاب يحملق اليها متفحصا اياها وقد اكتنفته فرحة خفية قائلا : - الى اين تريدين الذهاب ؟
فردت : - الى اى مكان .
هو : - اى ان كان ؟
هى : - نعم ، اى ان كان .
هو : - ما رأيك فى ان اسير بلا هدف و نرى الى اين ستذهب بنا السيارة؟
هى : - موافقة .
ولكنه بالتأكيد لم يكن كلامه هذا الا مجرد تمويه يخفى به ما تملك لبه ودار فى باله من افكار .
واخذ يسير بهدف واضح جدا بالنسبة له و يعلم جيدا الى اين ستذهب به سيارته .
وفى الطريق تناولا الحديث معا واخذ كل منهما فى تعريف نفسه للطرف الاخر بشخصية وهمية من نسج الخيال حيث كان الاثنين مؤلفين مبدعين .
وفات الوقت وهى سعيدة بحالة الغيبوبة التى قد دفعتها لارتكاب ما هى فيه الان.
وسرحت بعينيها الى بعيد فوجدت نفسها بين احضان هذا الشاب يسمعها كل ما تريد ان تسمعه و يسقيها من كل كأس تريد ان تشرب منه و يذيقها من كل الوان المتعة التى تتمناها .
وفجأة سمعت صوت فرامل السيارة فانتبهت من سرحتها و اكتشفت ان ما حدث هذا كان فقط فى خيالها ، و نظرت الى الشاب الذى معها قائلة : - ماذا حدث ؟ لماذا توقفت فجأة هكذا ؟
فنظر اليها وهو يبتسم قائلا : - ها هى قد حانت اللحظة التى نريدها يا حبيبتى ، فهيا بنا .
هى : - الى اين ؟
هو ( ضاحكا ) : - الى المكان الذى قادتنا اليه السيارة ، هيا بنا لا تضيعى الوقت .
هى ( وقد بدا عليها الارتباك ) : - ماذا تقصد ؟
هو ( بتعجب ) : - هل تمزحين؟ بالطبع اقصد شقتى.
هى : - اذن ، فهيا بنا فورا
ونزلا من السيارة وقد اكتنفته سعادة غامرة بهذه الغنيمة.
سارت " شاهندة " معه متجهة الى بوابة مبنى كبير وفجأة توقفت عن السير حيث انقبض قلبها وشعرت و كأن كوبا مليء بالمياه المثلجة قد رمى فوق رأسها وكأن يدأ تشدها قبل ان تسقط فى الهاوية .
فنظرت اليه قائلة ( باستهزاء ) : - معذرة صديقى لقد انتهت جولتنا الى هنا .
هو ( مضطربا ) : - مؤكد انك تمزحين ؟
هى ( نادمة ) : - اعذرنى لقد كنت امزح حينما استوقفتك منذ البداية
اشتعلت رأس الشاب غيظا منها فأمسك بيديها بقوة وجذبها قائلا :
- هل تظنين انك تستطيعين اللعب بى ، هل تعتقدين انى اهزوءة لهذه الدرجة ، ستصعدين معى رغما عن انفك .
حاولت "شاهندة" التخلص من يديه و قالت ( راجية باكية ) : - اتركنى لحالى وسامحنى عما فعلت معك ، انا لا ادرى كيف اقبلت على هذا العمل .
- ارجوك ان تتركنى ولا داعى للفضائح امام الناس .
هو ( وهو يقلل ضغطه على يديها بعض الشىء ) : - وهل يوجد ناس الان ، لقد اقتربنا من الفجر .
هى ( وهى تواصل البكاء ) : - انا مخطئة و اطلب من الله ان يسامحنى عما بدر منى و لنستعيذ بالله من الشيطان الرجيم .
وحيث هما فى حوارهما هذا سمعا المؤذن يؤذن الله اكبر الله اكبر ، فاضطرب الشاب و خشى من نزول الناس الى صلاة الفجر .
وواصل المؤذن الاذان قائلا " الصلاة خير من النوم " ، فشعر الشاب بوخزة شديدة فى صدره وأحس انه يسمع الاذان لاول مرة فى حياته .
فنظر الى شاهندة فوجدها حقا نادمة اشد الندم وشعر هو ايضا بالندم على ما كان ينوى ان يفعله ،وقرر ان يذهب ليصلى .
فقال لها : - انصرفى الان الى حالك .
هى ( وهى تلتقط انفاسها ) : - اشكرك
واسرعت منصرفة وسارت فى الشارع و هى تعض اناملها من شدة الضيق من نفسها لما بدر بها من جرم ،ونظرت الى السماء قائلة : - اللهم لك الحمد والشكر لانك جعلتنى لا اصر على المعصية والذنب ، لقد كانت لحظة ضعف ووسواس شيطان ، سامحنى يا رب واغفر لى ، وابدا لن اعود وابدا لن اخون