{ ... نخـْـوة ...}

تعليق على قصيدة نخوة
الشعر في التوجه إلى المتلقي نوعان :
الأول : شعر خطابي : وهو نوع من الشعر الذي يتسم بالمباشرة ووضوح الرؤية منذ بدايته
الثاني : شعر دلالي : وهو نوع من الشعر يتعمد الشاعر استخدام أخص خصائص الشعر فيه فيتعمد الإيهام وفتح دلالة المعنى لتحمل عدة وجوه للمتلقي فتجعله في حيرة من أمره يتأرجح بعقله بين عدة أمور قبل أن يستقر على مسار فكري يتبع فيه الخيط الدرامي للقصيدة

والشعر الخطابي موجود منذ نشأة الشعر العربي ولكن مع تعقد الحياة الحضارية وبلوغ الإنسان مبلغ تحقيق ما كان قديما في حيز الوهم ومع الثورة العقلية والتقنية الرهيبة بدأت عقول البشر تتعقد وتميل إلى العمق والاستخفاف بالمباشرة وعدم الالتفات إليها ومن ثم الاهتمام بكل ما هو قابل للتأويل وهذا أمر طبيعي فكان لزاما على الفنون مواكبة هذا التطور من باب أن الفن مرآة المجتمع والشعر أبو الفنون فبدأ الشعر يتجه إلى قصيدة الانفتاح الدلالي تلك القصيدة التي تفتح مدلولاتها على عدة وجوه حتى تترك للمتلقي الفرصة لإعمال الفكر للوصول إلى مبتغى الشاعر . وهنا وجب التنويه إلى أن " الإيهام الشعري " شيء و " الإبهام الشعري " شيء آخر . فالإيهام شيء حميد والإبهام شيء ذميم
والشاعر الجيد يتعمد مواراة المعنى مع وضع وميض خلال سيره في طريق دراما القصيدة يرشد به المتلقي حتى يصل به في النهاية إلى ما يريد فيكون قد ضمن جذب المتلقي معه حتى آخر العمل ولأن الفنون مفتوحة على بعضها البعض وتخدم بعضها البعض ولأن الشعر أبو الفنون ومن ثم يحق له الاقتباس منها فنجد بعض الشعراء الجيدين يتخذون أحد عناصر الرواية حتى يرسمون به تلك الشعرة ما بين [ الإيهام ] و[ الإبهام ] فيعتمدون على { لحظة التنوير } التي يلجأ إليها كتاب الرواية لإرشاد المتلقي للعمل الروائي إلى الخيط الدرامي للكاتب ... وهؤلاء الشعراء هم من يمتلكون حقا خيوط التجربة الشعرية ومهاراتها الأساسية فيتخذ هؤلاء الشعراء من ( لحظة التنوير ) الروائية - تلك - وسيلة لإرشاد المتلقي للخيط الدرامي للقصيدة عندما يتعمدون الإيهام حتى يبتعدوا عن الإبهام فنجد الشاعر يتعمد التلميح بإيماءة أو بعنصر صوتي يرد المتحير عن حيرته وكأنه يقول له أنا أقصد ( كذا ) ولا أقصد ( كذا ) بتلميح لا يفقد الإيهام خواصه فيظل القارئ منتظرا هل سيصدق حدسه في توقع ما يريد الشاعر فيقبع حتى آخر بيت

والشاعرة فوزية شاهين بما تمتلكه من حصيلة معرفية وخبرات واسعة في مجال فنون القول لعبت على هذا الوتر فاعتمدت قصيدة الانفتاح الدلالي وجرتنا وراءها منذ أول بيت إلى آخر بيت فمنذ البداية جذبتنا بذلك الإيهام الجميل فسرنا وراءها حتى بدأت كل مسافة في القصيدة تلقي لنا ببصيص ضوء يرشدنا إلى خيطها الدرامي ونحن كلما استضاء لنا الطريق يزداد نهمنا هل ما توقعناه صحيح فنتحرك معها داخل العمل حتى بلغت بنا نهاية العمل ...
وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على مدى خبرتها كلغوية متخصصة في علوم اللغة المختلفة واطلاعها على أحدث المتجهات في ( نظرية الأدب ) ومع كونها شاعرة اعتمدت هذه المعارف داخل القصيدة فوصلت بنا إلى ما هي عليه
وعلى الرغم من أن دعوة الانفتاح الدلالي دعوة غربية حديثة وفدت إلينا مع وفود الفكر الغربي مع حركة الانفتاح المعاصرة إلا أن هذا المتجه قديم قدم الشعر العربي .... ولهذا حديث آخر إن أحيانا الله سبحانه وتعالى
مع وافر الشكر للغوية الشاعرة ( فوزية شاهين ) التي استحقت عن جدارة لقب " أم القوافي "