قراصنة القلوب

قراصنة القلوب

أمام أمواج البحر الثائر الزاخر بحكايات البشر ، و تحت سماء صافية تطهر قلوب كل من يتأملها ،وفوق تلك الرمال الدافئة التى ترسل حرارتها نحو القدمين لتصل الى القلب فتزيده اشتعالا ..تقف تستعيد تلك الأحداث التي جعلت منها انثى ساذجة غبية.تلقي ببصرها نحو الرمال ثم تتجه بناظريها مد البصر صوب البحر ، تتعجب بابتسامة ساخرة ( لم أكن اعرف انني بهذا القدر من السذاجة والغباء ) ، تخطو بخطوات بطيئة عبر الشاطيء ثم تقف ملقية ببصرها صوب البحر ثانية وبنبرة تحمل معاني العتاب واللوم ( كم كنت دائما حصن منيع ايها القلب ولكن هناك من البشر من يتفننون فى اختراق الحصون بطرق ملتوية ومراوغة ) .(انهم قراصنة القلوب )تأتيها تلك الكلمات من رجل لم يتجاوز الخمسين ، تتجه ببصرها اليه تجده وقد وضع كرسيا على الشاطيء يسألها ان كانت تود الجلوس ، ترتسم على شفتيها ابتسامة شكر لتجيبه ( اشكرك ولكن اسمح لي. هل كنت تنصت لحديثي مع البحر ؟ ) يطلق ضحكة تستشعر منها الحكمة والعبرة قائلا ( ومن منا لا يتحدث مع البحر اذا وقف أمامه ؟ !!. كان صوتك مسموعا ولم اقصد..) تقاطعه ولا يزال اثر الابتسامة على ملامح وجهها ( لا عليك..أعجبتنى جدا كلمة قراصنة القلوب هو بالفعل انسب معنى لمثل هؤلاء ولكن يحضرني تساؤل ) يأخذ وضعه فى الجلوس قائلا( سأجيبك قبل ان تسألي ..ايتها الأخت لقد كنت ذات يوم احد هؤلاء القراصنة قبل ان ينعم الله علي بالعودة اليه والتوبة ، كنت اجد متعتي فى التقرب والتودد الى المرأة فتاة كانت أم زوجة مسترسلا فى الكلام الجميل والغزل ..يكفيني وقتها ان احظى باهتمامهن وتعلقهن بي وان لم يحدث اظل الاحقهن الى ان ينتهى الأمر بأي حال ،يبتسم ابتسامة باهته مستطرد ( كنت دوما كثير الكذب والأدهى من ذلك كنت اقسم كذبا )يجذبها الاستماع لحديثه ، تجلس حيث تقف لتسأله ( وكيف جاءت التوبة ؟ ) ، يصمت للحظات وكأنه يود ان يلقي بتلك الذكريات المؤلمة على نفسه فى اعماق البحر وقد كست وجهه معالم الضيق والحزن ثم يجيبها ( كانت لي زوجة ..رأيت خيانتها لي بعيني ، كان درسا قاسيا وعقابا لا يحتمل ..وكانت الصحوة ) لم تستطع ان تمنع ذلك التساؤل الذي فرض نفسه عليها ( وماذا فعلت معها ؟ ) يجبها مغمض العينين ( تذكرت علاقاتي السابقة وما جنيته بيدي ولم اجد سوى ان اطلقها لأنسى الماضى اللعين ) ،يعود من عالمه الذي هو فيه الجاني الى عالمها التى هي فيه الضحية ليسألها وكأنه يريد ان يجلد نفسه مئة مرة ( اخبريني ماذا فعل بك ذلك القرصان ؟ )
يتجلى الحزن على ملامحها الهادئة لتجيبه ( لم اتوقع منه الخداع فقد بدى لي طيب القلب واظهر لي نيته الحسنه ودخل البيت من بابه ، فجأة أخبرني بظروف تعوق اتمام الخطبة والزواج وعندما طالت فترة الانتظار ادركت ان علي ان انهي الاتصال بيني وبينه حيث لا مبرر لإستمرار ذلك الاتصال دون علاقة رسمية ،وبعدما انهيت كل شيء راضية بما قسمه الله لي فوجئت بأنه كان على علاقة بأكثر من واحدة في نفس الوقت وانني لست الوحيدة فى حياته ، كان يقطع الوعد مع بعضهن ايضا بالزواج )
يتنهد ملقيا ببصره اليها (تجربة مريرة اليس كذلك ؟) تجيبه وقد بدى عليها الأسى الشديد والندم ( لا ليست مريرة.. فقط شعرت بمدى سذاجتي وغبائي ) ينفي ما تقوله متعجب ( وما ذنبك انت ؟ هو المخادع ) تختفى ملامح الاسى من على وجهها البريء وقد سكنت مكانها معالم اللاصرار ( لن اسامحه ابدا..كنت قد رسمت له صورة ملائكية ) يقاطعها وعينيه تنطق بالمواساة وقد تهيأ للرحيل (اعتقد انك تعلمتي الدرس جيدا واصبح من السهل اكتشاف اي قرصان يحاول اقتحام ذلك الحصن ..كوني دائما على حذر ) تنصرف عيناها عنه تجاه البحر ..يتقدم خطوات تجاه بوابة الشط ثم يستدير بوجهه اليها مرددا ( الملائكة لا يمشون على الأرض )..