منذ عشر أعوام تقريبا كنت وقتها شاب في السابعة والعشرين من عمره , أتذكر ذلك اليوم جيدا ,ذلك هو أول يوم أغادر فيه بلدي مصر ، لأبدأ مشوار الغربة في السعودية كانت أمي رحمها الله مهتمه بتجهيز حقيبة سفري لدرجة أنها وضعت بها (معلقة وطبق ألمونيوم ) نعم عانيت قبل هذه اللحظة الكثير في أم الدنيا فلكم أن تتخيلوا شاب يبدأ حياته من عمر 27 وطبعا كان ثمن التاشيره بالدين من أخوتي وأحبابي ,ورغم أنها غربة وفراق ورغم حزن أخوتي وأمي على فراقي إلا أن الجميع أيضا كان مستبشرا وسعيدا فلربما تغير حالي وتجري الاموال في يدي , كذلك أنا كنت متحفز جدا للوصول وما كان يشغلني هو كيف هي شكل المباني في السعودية , وجائت لحظة الفراق وودعت أمي في البيت لكبرها وحضنتي أمي وبكت وانهمرت في البكاء فقلت لها يا أمي يعني أفضل هنا اشتغلت عمري كله ومنيش عارف اتجوز فقالت لي بالنص ( معلش يا ابني مش يمكن تكون آخر مره أشوفك فيها ) وكأنها كانت تعلم أنها لن تراني مرة أخرى ومالبثت غير ثلاث أشهر بعد سفري وكانت فعلا هي آخر مرة أرى فيها أمي وتراني ,
وخرجت من البيت علي آنين دعائها الطويل ( ربنا يفتح لك باب ما عليه بواب يا ابني ربنا يوقفلك ولاد الحلال ....) كانت تلك الدعوات هي بوابة عبوري في كل الصعوبات ، ،وذهبت الي مكتب حجز السوبر جيت وقد سبقني أخي إليه حاملا حقيبتي علي الدراجة وكانت كذلك أختي الكبيرة قد ذهبت هناك لتراني من بعيد لانها تعلم أني لا أحب لحظات الوداع , وودعتهم وركبت الباص ومع أول تحرك له شعرت كانني كنت امتلك جناحين وانكسرتا فجاءة مع اول احساس بامتلاكهم
وصل بنا الباص الي الاسماعيلية وتوقف ليقل بعد المسافرين ايضا وهناك ركب بجواري رجل في سن الخامسة والاربعين ظل يودعة اهله بجوار الشباك قبل تحرك الباص وقد زرفت عيناه بالدموع تعجبت جدا منه وهو كبير في السن كيف يبكي !!
وبعد سنين أدركت لماذا بكي الرجل .فمنذ يومين كنت أكلم ولدي الذي قارب الخامسة من عمره عبر الهاتف وأرسل له بعد الصور التي جمعتا في أحد الحدائق
فرآها وقال لي ( أنا عايزأكسر التلفون يا بابا ) قلت لماذا يا محمد فقال ( علشان أدخل عندك ) ثم قال لي ( أنا مش بحبك يا بابا ) تعجبت منه وحزنت رغم أني أعلم انه يحبني لكني سألته لماذا يا محمد فقال لي ( علشان أنت مش عايز تخدني معاك )
هنا علمت لماذا تبكي الرجال .