قصة قصيرة
محمد خضر الشريف*
“السمّاك الحزين” !!
لم ينتبهوا وهم يضحكون ملء قلوبهم في رحتلهم الشبابية المتجهة للعين السخنة ،بعد أن كادت وجوههم تتشقق من كثرة الضحك..
لم يتسوقفهم إلا صوت احتكاك عجلات السيارة بالأرض فجأة، في حركة سريعة ومذهلة من سائقها؛ لكبح لجماحها ،جعلهم يرتمون على مقاعدهم والأجساد قد اصطكت ببعضها..
ماذا حدث؟ ايش اللي جرى؟
لماذا توقفت هكذا فجأة؟؟
أسئلة انبعثت متكررة من أفواه الشباب للسائق، الذي فاجأهم بأنه- لا إراديا- ضل الطريق، واتجه إلى طريق مصر اسكندرية الصحراوي!!
المفاجأة ألجمتهم جميعا .. ولم تجدِ محاولاتهم الرجوع للطريق المقصود؛ ليكملوا الرحلة التي خططوا لها ودبروا وأعدوا لها العدة..
اضطروا مكرهين لإكمال مسيرتهم عبر الطريق الآخر الذي سيفضي بهم إلى وجهة أخرى غير وجهتهم الأصلية..
أمام قرية الأسد، ضحكوا لما رأوا أنفهسم هنا..
أقبلوا يتساءلون:: ما رأيكم نبحث عن وجبة سمك هنا ؟
انطلقوا متجاوزين “الأسد وقريته”، الى حيث رائحة شي السمك أو قليه..
لم يطل بهم البحث، بعد أن قادتهم أنوفهم لرائحة الشواء فهرعوا إليه..
رجل قد أنهكه التعب وأخذت منه السنون مأخذها ، وهو واقف في لهيب الشمس وبين حر النار ودخانها يشوي لهم ماطلبوه واختاروه من أنواع الأسماك المتوفرة لديه..
استوقفتهم علامات أسى، وحزن دفين، ارتسمت على وجه الرجل الذي ناهز النصف القرن من الزمن ..
استنطقوه بعد كتمان شديد منه وتحفظ أشد، ومحاولات عديدة منهم ليحدثهم.. انفجر باكيا..
ما يبكيك ياعم؟
أبكي حزنا وفرحا!!
كيف؟
اليوم مرضت زوجتي الصالحة الطيبة، ولازمت الفراش، ولم أجد لها ثمن الدواء، وجلست من الصباح أنتظر زبائن تشتري مني السمك، لأذهب وأحضر لها الدواء.. لكن..
جفف دموعه باحدي يديه وهو لا يزال يشوي لهم أسماكهم ويواصل حديثه الشجن :
لما طال يأسي أتيتم كلكم في تلك اللحظة، لتشتروا مني السمك ،ويأتنيني الله برزقي وثمن دواء ابني، فدمعت عيني فرحا، فسبحان من لا ينسى من خلق وسمى نفسه ” الزراق” .
انقلبت ضحكاتهم ومزحاتهم الشبابية، التي صاحبتهم طوال الطريق، إلى وجوم ساد الجميع..
أخرجوا له ثمن ما اشتروه، وزادوه نقدا منها وعدا، وهم يحثونه سريعا ليقوم يشتري الدواء لزوجته.
سجد الرجل ودموع الفرح تسبق لسانه الشاكر لربه ..
سبقت دموعهم أيضا ضحكاتهم..
ترجمت قسمات وجوههم ولسان حالهم يخاطبهم :
لقد أضلكم الله طريقكم ليهديكم إلى طريق آخر كنتم فيه سببا لرزق هذا السماك الفقير !!
_____________
* من مجموعتي القصصية الثانية ” قدر ولطف”.