هوامش أم متن ؟

هوامش أم متن ؟!
بقلم الشاعر والناقد عاطف الجندي
***
الشاعر الحق هو من يحمل هموم وطنه ، ويعبر عن مشكلاته وأفراحه وأتراحه ، ويسلط الضوء عليها من خلال منظاره الشعري آملا فى حلها إن أمكن ذلك ، وهو ليس مطالبا بتقديم حلول، ولكنه فقط المنظار الذي يشخص ويوجه الناس لاتخاذ الفعل الصواب ويحرك الهمم من أجل الرقي والجمال وأحلامه في معظم الأحيان تتجه نحو المدينة الفاضلة التي يحلم بها ويؤسسها من خياله الخصب .
وشعر العامية المصرية والذي اسميه ( نبض الشارع ) كما دونت ذلك في منتداي على الإنترنت من 2006 ( منتدى عاطف الجندي الأدبي ) لأنه خير معبر عن الشارع المصري والأقرب إلى وجدان شعب يتحدث بالعامية ويفكر بها ، حتى شعراء الفصحى وأنا واحد منهم نفكر بالعامية ونكتب بالفصحى ، ولا نتعامل بها سوى في النذر القليل كممارسة فعلية أو حين نكتب ، أو نلقي أشعارنا ، ولست هنا في محل عقد مقارنة بين الفصحى والعامية ولكن هذا تقدير واقع .
ولذا كان على شعر العامية أن يكون أكثر مواكبة للتطورات السياسية والأيدولوجية اليومية لأنه من السهولة الوصول للإنسان الأمي ، والذي قد تصعب عليه فهم بعض المفردات الفصحى .
وديوان ( هوامش من زمن المنفى ) للشاعر الجميل عصام سامي يحتفي بالوطن وبمشكلاته المعاصرة ويتألم في أحايين كثيرة لمشكلاته ويشاركه آلامه ويحلم معه بيوم قادم أكثر إشراقا .
وحقيقة لقد جاءت كل قصائد الديوان في متن الغربة الروحية التي يحياها الشاعر بين أفراد وطنه وعلى أرض وتراب هذا الوطن وهذا النفي الصعب ، فمن القسوة بمكان أن نجد أنفسنا وكأننا منعزلين في جزر نائية نفسيا رغم قربنا المكاني ، فيلجأ الشاعر إلى قلمه ليسطر ويعبر عما يجول في نفسه وفي خاطرته من آلام وآمال وطموح .
وإذا نظرنا للإهداء فنجد أنه جاء معبرا عن سوداوية المشهد وقتامة الرؤية من أول وهلة فنجد الشاعر يقول :
" لبكره الضرير ولبعده
للشمس إللي مادا ضياها
عشان تاخد إيده وتساعده
للحلم إللى عاش يتغنى
للشهداء إللى ضحوا عشانا
للقلب إللى رغم أحزانه
ما خانشي في يوم وعده "
ولكن الأمل مازال موجودا في مفردات مثل الشمس والحلم والقلب .
ومن أول قصيدة أيضا سنجد حالة الاغتراب والتشظي للذات الشاعرة ، فيسمي القصيدة الأولى بعنوان ( بتبتدي رحلة شقى ) والتي يقول فيها :
الطوفان قدام عيونا"
للأسف عمال بينذر بالهلاك
والجميع أدمن خلاص الارتباك
حتى اللى ساندك
واللي كان واقف معاك
عمره ما كان م الأولياء
ماطلعشي عنوان التعفف وارتقي
طلع الشيطان ماسك
في إيده المشنقة "

وفي هذه البداية التي تفاجئنا بهذا الطوفان وهذا الارتباك الذي يسود النفس البشرية التي تحاول الهرب منه ، فتكون لحظات إرتجالية غير مدروسة ، الكل يحاول الهرب والنجاة حتى أن من ظنناه معنا وإنه من الأولياء الصالحين ، كشفته هذه المواجهة بطبيعة الحال وظهر عكس ما يبطن لنا ففي مثل هذه المواقف تشف الروح البشرية وتتصرف بطبيعتها بدون تكلف أو مراجعة ويواصل مصارحته ، وتعاتب الذات الشاعرة نفسها في أن التمسك بالشعر ونشر القصائد لن يفيد في مثل هذه المواقف فيقول جالدا ذاته أيضا :
أكاذيب كتير متصدقة"
حتى الحقيقة تاه صداها
في العقول الضيقة
مستني إية ........
تنشر قصايدك ع الورق
كل الورق مليان
خديعة وذندقة "
وتعود الذات الشاعرة لمعاتبة نفسها ، لأنها صدَّقت ما أملاه عليها الكبار ، في المدارس أو الجرائد أو غير ذلك فتصرح وتقول :
ضحكوا عليك
بكلام عديم المنفعة
في بلاد أكيد مترقعة
قالوا القلوب من
بعدك أنت تعبانين
ف أوجاع كتير
في ليل حزين
مد إيدك
لملم قلوب متفرقة "
ويتواصل هذا العتاب حتى ينهي الشاعر قصيدته بالحث على الاعتراض والرفض لكل الزيف ومهما بح صوته فهناك الأمل في غد أفضل :
كل اللي باقي في الحكاية"
دقيقة واحدة فاعترض
صوتك مرض ....
من قبل مايقول أي
حرف في كلمته
والألم لساه بكامل صحته
بينك وبينه بتبتدي
رحلة شقى ! "

وتتواصل قصائد الدوان على هذا المنوال ، مابين حب الوطن وألم الفرقة والاغتراب الداخلي والنقد لأحوال وطباع المصريين وربما تأتي الحكمة في أماكن تقدم لنا وجهة نظر تستحق الوقوف عليها .
وجاءت عناوين قصائد الديوان قصيرة ومباغتة وكأنها طلقات رصاص مثل ( آخر الأنفاس / انهض بقى / نزيف المشاعر / سطوة / حنين / تجريف / ليه ؟! / البقاء لله / يناير / فالصو / للأسف /جفا / عك / غضب / قرب / في النهاية .... إلخ
وجاءت معظم قصائد الديوان تتجه نحو المنحى الوطني فهى تتحدث عن مصر وثورة يناير وما بعدها وتحدثت عن الزيف وتجريف الأفكار والعقول وأنه لا يمتلك سوى قلمه كشاعر يكتب به فى صور جمالية رائعة وتحديد للهدف والكتابة عنه في أقل عدد من الأسطر الشعرية وهناك قصائد تحمل معنى الحبيبة الإنسانة أو الحبيبة مصر معا مثل قصيدة رمز الطهارة والتقى والتي يقول فيها :
انتي مرسي للقا
رمز الطهارة والتقي
علي إيدك الكل اهتدى
أوقات بتبقي الملهمة
وأوقات كتير قطر الندي
إنتي التاريخ اللي إبتدا
انتى التاريخ اللي إنتهي
إنتي الأماني كلها
أحاسيس ما عشتش زيها

وأخيرا: هذه إطلالة سريعة على ديوان جميل يحمل بين طياته دفقات شعورية وطنية قدم لوحات شعرية رائعة وقدمت لنا شاعرا ينتظره الكثير من التألق في مجال شعر العامية ، شريطة الإخلاص لهذا الفن فهو لديه الموهبة والقدرة على تكوين صورة تعلق في الذاكرة .

القاهرة
19 إبريل 2015