نـزيـف

تثاقلت أقدامهم و هم يتقدمون اكثر و اكثر ... رنات المحمول المتتالية لا تجد ردا إلا إلقاء الأجهزة أرضا لترتطم محطمة ... و تتكفل الأحذية الثقيلة بالباقي ... حبيبات العرق عجزت الملابس الضيقة علي أجسادهم عن امتصاصها وحدها ...
نظرات عيونهم المصوبة في شدة و قسوة نحو طفلٍ صغيرٍ يقف وحده ...
الطفل يبتسم في وجوههم و هو يمد كفه الرقيقة نحوهم كأنه يريد احتضانهم ... لكنهم يتجاهلون دعوته ... يقتربون منه اكثر.. يعجز عن مقاومة كل هذه القسوة ... ينكمش ... يتقوقع حول نفسه ... يمزقون ملابسه بمنتهى العنف ... براءته و طهارته تجبره علي ستر جسده بأي شئ ... لا يجد غير قطعة قماش صغيرة هي ما استطاعت يده الإمساك بها ... أو ما تبقت من أيديهم... عجزٍ تامٍ عن فعل أي شئ ... بكي قهراً ...انفضوا عنه ... انصرفوا كما جاءوا ... بنفس الخطوات الرتيبة الثقيلة الجافة
...أخيرا أتوا... كنسمات رقيقة حانية يحيطون به في محاولة لمداواة جروحه... صمته التام جعلهم يهلعون... لم تكن جروحه هي السبب ... بل كان قهره و هزيمته... غابوا لحظات ثم أتوا حاملين معهم قوسا و جعبة سهام ... مد يده ليمسك سلاحه الجديد... أحس بالرعب ... ارتعشت يده و هو يضع أول سهم ... سقط من يده السلاح ... ينظرون لبعضهم البعض ... تتفق عيونهم علي اتخاذ القرار ... و بقي التنفيذ ...
دمائهم تنساب كشلالات عاتية تمتصها الأسهم بسرعة رهيبة ... و كلما زادت الدماء كلما زادت الأسهم نضارة كأن الأمر بلا نهاية...
لم ينتظر حتى يتوقفوا ... مد يده ليمسك أول سهم ... وضعه في الوتر ... حاول أن يبتسم ... لكن الذكري مازالت ترفض وداعه... جمع السهام بمرارة... و يده تمتد لقطعة القماش يربط بها عينيه مانعا نفسه من رؤية الطريق الذي ساروا فيه ...
ثم انطلق خلفهم مصوبا سهمه للأمام يبغي لحاقهم ... تاركا بقعة دم تتحول علي الأرض لصورة طفل صغير ممسكا بوترٍ و سهامٍ.
و في الأسفل توقيعا باهتا كدمعة حزينة... كيوبيد .