مـــشـــي

تاركا بصمة حذائي علي الطريق .. سرت ... كمن يظن أن التاريخ سيتذكر مروره يوما هاهنا ...
مثل كثيرين نسوا أو تناسوا أن العمر كله لا يكفى لرسم أي نقطة علي رداء هذا التاريخ بجوار أناسٍ صارت قسوتهم و جبروتهم مسحوقا قويا للغاية يمحي تماما أي هوامش ... من أمثال تلك الطفلة ...
لم اكن بحاجة فعلية لتلميع حذائي .... لكن ابتسامتها الطولية و دقاتها بالفرشاة علي صندوق خشبي أتحير كيف تستطيع حمله بجسدها الضئيل ...
و امتعاض بدلة فارهة أشاح عنها صاحبها بوجهة ناظرا للطفلة شذرا و هو يبتعد عنها ...
و رغبتي في أن أراها عن قرب... كل هذا جعلني افعل ... امتدت يدها الرقيقة و التي كاد لونها يتحول للاذرق من ضعف التغذية و أصابعها المصطبغة بلوني الورنيش تؤدي وظيفتها في سرعة و مهارة ... أعطيتها أضعاف ما تطلب ... ازدادت ابتسامتها إشراقا فألقت في قلبي سعادة جمة ...
و عادت تدق علي الصندوق بإيقاع رتيب و عيناها تعانق الأقدام السائرة بمنتهى القسوة كأنها تلطم الأرض .. وضآلة جسدها جعلتني أخال مرور الأقدام أمامها و كأنما تدهسها ... تدهس براءتها و إشراقها ...
و كأن الأقدام و حدها لا تكفي ... رجلا غليظ الملامح يتجه نحوها و ما أن رأته الطفلة حتى تغير لونها و أزداد شحوبا و عيناها تتطلع في الوجوه الرخامية تنشد أي عون ...وقف أمامها فأخفاها فأحسست أنها دفنت أو انكمشت خوفا كزهرة أذبلتها فجأة عاصفة عاتية ...
و تمتد يدها المرتجفة لتعطيه بعض المال الذي كسبت ... و رغم ذهابه عنها إلا أن الارتجافة استمرت قليلا قبل أن تتمالك نفسها و تبتسم قليلا ... وتخفيها عنى الأقدام لكن أذني تلتقط عودة دقاتها علي صندوقها الخشبي ...
لكن هذه المرة ... كانت الدقات اعلي.