عاطف عبدالعزيز الحناوي مشرف النقد و تحت المجهر
الدولة : عدد الرسائل : 1923 46 نقاط : 2096 تاريخ التسجيل : 17/12/2010 بطاقة الشخصية مرئى للجميع:
| موضوع: الأشباه و النظائر .. تراث لا يموت - عاطف عبد العزيز الحناوي الخميس ديسمبر 26, 2013 7:38 am | |
| الأشباه و النظائر- الخالديان ...تراث لا يموت
كتاب الأشباه و النظائر يريد أن يثبت موقفا وسطا , بين الطرفين المتمسكين بالقديم و المناصرين للمحدثين , و هما يقولان في مقدمة الكتاب:
( إنّا رأيناك بأشعار المحدثين كلفا , و عن القدماء و المخضرمين منحرفا , و هما اللذان فتحا للمحدثين باب المعاني , فدخلوه , و أنهجوا لهم طرق الإبداع , فسلكوه , " يعنيان أن الفضل للمتقدم ". و لسنا بقولنا هذا – أيّدك الله – نطعن على المحدثين و لا نبخسهم تجويدهم و إصابة تشبيههم و طريف معانيهم و صحة استعاراتهم ) .
قال ابن الجوزي في كتاب الأذكياء عن مؤلفي كتاب الأشباه و النظائر : ( كانا أخوين و اتفقا في حسن الطبع و رقّة المشاعر و كثرة الأدب و كانا يشتركان في الشعر و ينفردان . )
و هما الخالديّان , الأديبان الشاعران الموصليّان أبوبكر محمد و أبو عثمان سعيد ابنا هاشم ابن وعلة و أصلهما الخالدية " قرية من أعمال الموصل في العراق " فنسبا إليها .
و قد قال عنترة العبسيّ :
هل غادر الشعراء من متردّم ِ ؟
أي أن القدماء ما تركوا كلاما لمتكلم بعدهم...هكذا قال عنترة و غيره ممن يرون الفضل دائما للمتقدّم و الأسبق زمانا و لكنّ هذا لا يمكنه أن ينفي أو أن يمنع جودة إبداع المحدثين و طرافته كما أسلفت منذ قليل كلام الخالديين – رحمهما الله - .
و الخالديان يضمّنان كتابهما أشياء من النظائر إذا وردت و الإجازات .
( الإجازة هي إتمام مصراع غيرك من الشعراء : أي أن تأخذ شطرا لشاعر و تكمل أنت الشطر الثاني ...قمت بالإجازة ذات يوم حيث اخذت شطرا لابن الرومي و أكملت الشطر الثاني من عندي أقول : و لي وطنٌ آليت أّلا أبيعه ... و هذا عهودي يا بلادي موثقة
و أصله :
و لي وطن آليت ألا أبيعه ... و ألا أرى غيري له الدهر مالكا )
و يتكلم الخالديان كذلك عن المعاني المخترعة و المتّبعة و من ثمّ يتعرضان لقضية السرقات الأدبية .
انظروا مثلا قول المهلهل بن ربيعة :
بكُرهِ قلوبنا يا آل بكرِ ====نغاديكم بمرهفةِ النصالِ
لها لونٌ من الهامات جونٌ===و إن كانت تغادَى بالصقالِ
و نبكي , حين نراكم, عليكم ===و نقتلكم كأنّا لا نبالي
قال الخالديّان : أبيات المهلهل هذه هي الأصل في هذا المعنى ( يعني قتال الأقارب بكره القلوب)
و قال البحتريّ في نفس المعنى :
إذا احتربتْ يوما ففاضت دماؤها===تذكّرت القربى ففاضت دموعها
هنا يقول الخالديّان : بيت البحتري أطرف و أبدع من بيت المهلهل إلا أن أبيات المهلهل أرشدت البحتري إلي المعني و دلّته عليه. و أقول : للحق إن بيت البحتري أجود فإنه جعل التذكر و فيضان الدموع بعد فيضان الدم و انقضاء المعركة و هذا فيه إيحاء بالندم الشديد ( كما فعل ابن آدم بعدما قتل أخاه ) . أما أبيات المهلهل فإنه جعل التذكّر أولا ثم جاء بعده القتل بلا رحمة و بلا مبالاة و كإننا أمام حالة من التناسي و التعامي عن علاقة القربى بشكل متعمّد فقال :
و نبكي , حين نراكم, عليكم ===و نقتلكم كأنّا لا نبالي
و أعتقد أنه من البديهي أنه لو تناول كل منا نفس الموضوع فإنه سيعبّر عنه بألفاظ و تصوير مختلف , فكل منا له فكره و وجهة نظره و ينظر للأمور من زاوية مختلفة و الأمثلة علي ذلك كثيرة جدا , فلو تناول مجموعة من الشعراء نفس الموضوع فإن كلا منهم سوف يلقط بعدسته و يصور بكلماته و ريشته نفس الموقف و لكن شتان بينهم في النواحي الفنية و الألفاظ و الصور....و سبحان الخالق العظيم .
أما الآن دعوني أنقل جزءا من فصل من كتاب الأشباه و النظائر حول معنى وصف الشعراء لأشعارهم .
يقول دعبل ( شاعر هجّاء أصله من الكوفة و كان صديقا للبحتري ) :
إنّي إذا قلت بيتاً مات قائله و من يقال له , و البيت لم يمتِ
و يقول دعبل أيضاً :
يموت ردئ الشعر من قبل ربّه و جيّده يبقى و إن مات قائلهُ
و يقول محمد بن عثيمين ( شاعر من نجد و توفّي عام 1944 م ) :
و أنشد بيتا قاله بعض من مضى و ليس يموت الشعر لو مات قائله
ملحوظة : هذا المثال من خارج الأشباه و النظائر و بعض الأمثلة الأخري كذلك ...فقط أردت إثراء الموضوع بدرجة أوفى .
و يقول شاعر :
فإن أهلك فقد أبقيت بعدي قوافي ليس يلحقها الفناءُ
و يقول بن ميّادة ( شاعر من مخضرمي الدولة الأموية و الدولة العباسية ) :
فإن أهلك فقد أبقيت بعدي قوافي تعجب المتمثّلينا
و المعني واضح في الأبيات السابقة حيث دارت جميعها حول معني بقاء الشعر رغم موت صاحبه .
و حول نفس المعني قيل :
لا يفرحنّ بموتي من تركت له عارا إلى آخر الأيام معروفا
قصائدا تترك الألباب حائرة من شاعر لم يزل بالحذق موصوفا
و قال آخر :
خذوها هنيئا إنها لرقابكم قلائد عار ليس يزهى سموطها
يقول الخالديّان :
و مما يقارب هذا المعني و إن لم يكن مثله قول الشاعر :
أليس إذا ما قلت بيتا تناوحت به الريح في شرقيّها و المغارب يقصّر للسارين من ليلة السري و يغدي عليه بالقيان الضوارب
و من جيّد هذا المعني و نادره للخريمي :
من كلّ غائرة إذا وجّهتها طلعت بها الركبان كل نجادِ طورا يمثّلها الملوك و تارة بين الثُدِيّ تراض و الأكبادِ
قال الخالديّان :
ذكر أن الملوك كثيرة التمثّل بأشعاره و أن الغناء فيها أيضا كثير فهي تراض بين الثدي و الأكباد و هناك مواقع العيدان – يعني آلة العود الموسيقية .
و قال بشار بن برد :
و مثلك قد سيّرته بقصيدة فسار و لم يبرح عراص المنازلِ رميت به شرقا و غربا فأصبحت به الأرض ملأى من مقيم و راحلِ
و يقول الخالديّان :
و شبيه بما ذكرناه قول البحتريّ :
و أنا الذي أوضحتُ غير مدافع نهج القوافي و هو رسمٌ دارسُ
و شهرتُ في شرق البلاد و غربها و كأنني في كل نادٍ جالسُ
يقول الخالديّان :
و الشعر في صفة الشعر كثير , و إنما أتينا بهذا الفنّ من ههنا , و تركنا غيره لنأتي به في مواضع أُخر إن شاء الله .
و أذكر بعض عناوين الكتاب كإشارة لما به من موضوعات متعددة :
معنى نباح كلب البخيل معنى سؤال قريبي العهد بالغني معنى مكافأة المركوب بعد بلوغ المطلوب معنى التحوّل عن دار الهوان معنى اقتحام الحرب و العفة عند المغنم معنى التساؤل عن صدق صفة العاشق معنى تمنّي الفتيات للفتي هذا بعض مما في الكتاب إضافة للكثير من الأخبار و الحكايات التي كانت سببا في كتابة الأشعار.
و انظروا للحكم النقدي الذي قاله الخالديان تعليقا علي بعض الأبيات :
فما نعرف في هذا المعنى أحسن منه و لا أصح تشبيها لمن تأمله و وقف عليه و لا نعرف له نظيرا فنورده .
هذا كتاب عظيم , و جدير بأن يقرأه , كل مهتم بالأدب و اللغة ...رحمة الله علي الخالديين .
| |
|