محمود حنفى مرحبا
الدولة : عدد الرسائل : 9 نقاط : 15 تاريخ التسجيل : 09/09/2013
| موضوع: الهانم الصغيرة الأحد نوفمبر 17, 2013 11:46 am | |
| اقتربت محطة أسيوط ، وبدأ الركاب في التململ من طول الرحلة ، لفد أمضوا ساعات طويلة في ذلك القطار الذي استقلوه من القاهرة ليلا، وهاهو ذا يكاد يصل بهم إلى أسيوط في السادسة صباحا. بدأ بعض الركاب في التمطى ، بينما أخذ بعضهم في أخذ حقائبه من على الأرفف . كانت هناك شابة فاتنة تجلس في كرسيها المنعزل تتجاهل في ملل نظرات الرجال التى دأبت على تفحصها طوال الرحلة ، فجأة قامت من مقعدها وتناولت حقيبتها ، ثم سارت للأمام في اتجاه الباب الموصل لعربة القطار التالية ، تلاقت عيناها المتعبتان مع عيني شاب جالس في المقعد الأخير بالعربة ، فشمخت بأنفها في خيلاء ، ثم عبرت في ثقة للعربة التالية وعبرت معها غلالة غير مرئية من رائحة عطـر غالى الثمن تخللت أنف ذلك الجالس في المقعد الأخير فأصيب بنشوة حالمة لوهلة قبل أن تطل زوجته برأسها في مخيلته برائحة الطعام التى تلفها دوما فارتجف وارتسمت على وجهه علامات السخط الشديد .
انزلقت قدمها فى ذات اللحظة فهوت على الأرض فى الجزء الموصل بين العربتين ، كانت هناك فجوة يمكن أن تهوى من خلالها للمجهول ، تشبثت يداها بقوة فى القطار ثم قامت على الفور لاهثة الأنفاس ، لقد كانت على وشك السقوط تحت عجلات القطار ، تلفتت حولها فلم تجد أحدا ، اقشعـر جسدها حين خطر لهـا أن أحد لم يكن ليراها لو سقطت بالفعل ، تأملت الفجوة التى كانت على وشك السقوط فيهـا ثم تحسست بيديهـا شهرها القصير قبل أن تكتشف أن يداها متسختان بشدة ، أحست بغضب عـارم ،،،. استأنفت سـيرهـا لتجد مفتش القطـار فى مواجهتهـا ، قادته بغضب الى حيث سقطت ، وجهت إليه عبارات غاضبة عن استهتار الدولة بأرواح مواطنيهـا ، حاول أن يطيب خـاطرهـا فازداد غضبهـا ، أصرت على أن يبادر فورا بكتابة لوحة تحذيرية للعـابرين بأن هناك فخ يمكن أن يقودهم للآخرة ، أخبرهـا أنه لا يستطيع فعل ذلك ، اهتز جسده بعنف من جراء فرامل القطـار إيذانا بدخوله محطة أسيوط ، تلفت حوله فوجد حلقة من الركاب حوله تشاهد تلك الحسناء وهى توبخه ، تحسس شاربه الكث ، وتذكـر رجولته المقهورة في منزله فقرر أن يثأر لهـا...... وعلا صياحهمـا ...
- لو سمحتى اتفضلى انزلى بالسلامة وكفاية لحد كدة .. - مش نازلة قبل ما تكتب لوحة نحذيرية ، مش كفاية إهمالكم في قطر ديروط موت ناس أد إيه؟؟ - باقولك مش كاتب حاجة ، واتفضلى انزلى ، أنا لو سمعت كلام الركاب يبقى أروح أشوفلى شغلانة تانية أحسن .. - لأ بأة ، دانت فعلا مستهتر ، وانا حاعرف إزاى أعلمك تهتم بأرواح الناس ، والله لو ماكتبت التحذير دة حالا لاكون عاملالك محضر ، مش هاسيبك ...
نطوع أحد الركاب ، وأرخى عينيه محاولا أن يبدو حالما ، ثم قال لها بصوت حاول أن يكون عميقا وخافتا في نفس الوقت " هدى نفسك ياهانم ، بلاش علشان أعصابك ، دا حيوان ، سيبك منه واتفضلى ، أنا نازل أسيوط وفيه عربية منتظرانى ، لو تسمحيلى أوصلك علشان حالتك كدة ماتطمنش " نظرت إليه شزرا " نعم ياخويا انت كمان ، عاوز ايه؟ ماتلم نفسك بدل ما ابحترك!!"
اختفى الراكب المعجب في الزحام قبل أن تنتهك كرامته أكثر بينمـا أطلق المفتش صفيرا حادا من صفارته ونزل إلى الرصيف متوجها لمكتب الأمن ، سارت وراءه دون وعى وهى تهدده ، فوجدت نفسهـا في مواجهة ضابط شرطة !!!. - لو سمحت يافندم ، الأستاذ دة المفروض إنه مسؤل عن القطـر وسيادته آخـر استهتار ، وانا كنت حاموت تحت عجلات القطار وسيادنه ولا مهتم بحاجة ، لازم أعمل له محضر اهمـال علشان يبقى عبرة لغيره !! نظر الضابط للمفتش دون أن ينيس يحرف كأنمـا يسـتحثة على الدفاع عـن نفسـه،
- لو سمحت الأستاذة دى أهانتنى قدام كل الركاب ، وأمام سيادتك شخصيا ، وعطلت القطر 7 دقايق لحد دلوقتى ، وباطلب منك اتخاذ اللازم ، ومش حاتنازل عن حقى ، وإلا القطر مش حيغادر المحطة . - نعم ؟ أهانتك؟ انت لسة شفت حاجة يا مستهتر ، والله العظيم كلمة كمان لاضربك قدام كل الناس دى !!
نظر لها الضابط في هدؤ وحزم ثم قال لهـا في لهجة آمـرة "" بطاقتك واتفضلى معايا !!!" نظرت بطرف عينهـا لمفتش القطـار فرأت وجهه يطفح بابتسامة نصر وتشف ، اهتزت ثقتهـا للحظة ، ثم تمـادت ، وفتحت حقيبتهـا في عصبية ، وألقت ببطاقتهـا على مكتب الضابط ، ثم نظرت للمفتش تدعوه أن يبرز بطاقته بدوره . نظر الضابط للمفتش في هدؤ " اتفضل انت يا أسـتاذ عبد المحسن ، وانا أوعدك إنى حاتخذ اللازم !!"
*******
- اسمك ؟ - 00000000000 - سنك ؟ - 00000000000 - عنوانك ؟ - 00000000000 - محل عملك ؟ - 0000000000 - ماهى أقوالك؟ - 000000000 - انت متهمة بالتعرض لموظف عام ، والاعتداء عليه أثناء أداء عمله الرسمى ، وبتعطيل وسيلة من وسائل النقل العـام ، وتعريض مصالح وأرواح الركاب للخطـر ، و........ - 00000000000 - هل لديك أقوال أخرى ؟؟ - 00000000000 - اتفضلى وقعى هنـا !!!
يقفل المحضر في تاريخه وساعته ، وتحول المتهمة للنيابة لاتخـاذ اللازم !!!
أحست أنهـا تحلم حلمـا سخيفـا، لم تكن متأكدة ما إذا كانت قد أجابت على الأسئلة أم لاذت بالصمت ، تحسست يدهـا فوجدتهـا تقبض على تليفونهـا المحمول ، حاولت إجراء مكالمة فوجدت بطاريته فارغة ،،، اسقط في يدهـا وانتابهـا وجوم شديد ، سارت مع الشرطى كالآلة ، فاقتادها فى سيارة حكومية إلى النيابة العـامة ، تنبهت فوجدت نفسهـا في طابور طويل أمام مكتب مغلق عليه يافطة كتب عليهـا " نيابة أمن الدولة "
اسندت راسهـا على الجدار ، واغرورقت عيناها بالدموع ، تأملت من بين دموعهـا الحائط الذى تستند عليه ، لاحظت وجود فيشة كهرباء بجوارها ، مدت يدهـا إلى حقيبتها وتحسست محتوياتها حتى ظفرت بالشاحن ، أخرجته على عجل وأوصلته بالكهرباء ، وفى لمح البصر كان تليفونهـا المحمول قد دبت فيه الحياة .
- أيوة يا محمود ، الحقنى أنا في ورطة كبيرة ، أهدا إزاى بس ؟،،، تعالى لى حالا دلوقتى ،،،، أنا مش في البيت ، أنا في النيابة،،،، ، نيابة أمن الدولة ،،،، أيوة النيابة ، هزار إيه بس ؟،،،، انت واقف منتظرنى في المحطة ؟،،،،، باقولك في النيابة ، والله العظيم في النيابة000 . بلاش تقول لبابا دلوفتى ، ولا اقولك قوله ، لا لا ماتقولوش ، تعالى انت ، لأ مابطحتش حد ،،،، ولا قتلت حد ،،، للدرجة دى شايفنى متوحشة ؟؟،،،،بلاش ماتجيش ،،،، يارب يشنقونى ، علشان ترتاح ،،،،،،،، باقولك والله باتكلم جد ،، لما تيجى حاحكيلك ،،،،،،، مش قادرة اتكلم في التليفون ،،،،،، لأ مش مجنى علية أنا متهمـة " كفاية كلام بقى ، مش عارفة أشرحلك ....
مال أحد المتهمين على زميل له ، وفال له وهو يحملق فيها " شايف بنات صعيد مصر ؟؟" كـان يرتدى بدله مزركشة ، ويبدو من لهجته أنه من أهل الشام ،، - بنات مصر جمالهم بيجنن ، سـامع إن تهمتهـا شروع في قتل مفتش الفطـار ، مايغركش شكلهـا ، دى نمرة متوحشة ، والله سـامع إنهـا عطلت القطـار ساعتين ، وجابولهـا كتيبة شرطة من شان يسيطروا عليهـا ، والله كانت بتنفعنـا في حرب الجنوب ،،،، - عمـار يامصر ، دى عاوزة سبع يسيطر عليهـا ، معلوم مايملا عينهـا حدا ، تسلملى عيونها الحلوين ، يادلى عليهـا ، قتلتنى والله عيونهـا ،،تقبرنى ،،،
ظهـر فجأة شخص يبدو شديد التوتر ، تفرس في الحاضرين بلهفة حتى وقعت عينـاه عليهـا ، توجة نحوها في الحال ، ما أن رأته حتى ارتمت على كتفه ، واجهشت في بكـاء صامت ، ربت على ظهرها لوهلة ، ثم همس في أذنهـا متسائلا " هو حصل إيه بس ؟ إيه الحكـاية ؟؟" ويصوت مرتعش أخذت تقص عليه مـاحدث ، أنصت إليهـا في صمت ثم باغتهم صوت جهورى " حنان عبد الجبار جنان !!!" تغيرت لهجة صوتهـا ، وقالت في عصبية " إيه عبد الجبار دى؟ عاوزين يقولوا إنى جبارة ؟ والله لاروح فيهم في ستين داهية !!، زيدان ياغبى ، إيه جنان دى ، كمان مابتعرفش تقرا ؟؟"
قادهـا رفيقهـا لغرفة وكيل النيابة ، وقدم نفسه على أنه محاميهـا الخاص ، بادر بالإطلاع على المحضر ، وأجاب نيابة عنهـا عن الأسئلة ، ثم أنهى مناقشته مع وكيل النيابة بطلب الإفراج عن المتهمة بكفالة مالية .
- نظرت له شذرا ثم فاجأته بهجوم كاسح ،، - " كفالة مالية !! ياخاين ياغدار ، طب فين كلامك لية كل يوم ،، أنا فداكى يانونا ، ياريتنى كنت بدالك ياروحى ،، مش عارف تطلب مبدئيا أنهم يحبسوك بدالى؟؟ دلوقتى كفالة مالية ؟ بتتخللى عنى ؟ كلكم صنف واحد مالوش أمان ،، انت إيه اللى جابك ؟ كنت فاكرة حتطلع مسدس وتخرجنى بالقوة من هنـا ، كل حاجة في نظرك تتحل بالفلوس ، هى دى الرومانسية ، والتضحية ؟
شعـر بحرج بالغ ولم يدر مايقول ، نظر إلى وكيل النيابة الذى أطرق صامتا لوهلة قبل أن يقول " جرى إيه يا أستاذ ؟ ، سيادتك المحامى ولا حبيب القلب ، أنا ممكن أضيف لها تهمة إضافية ، إزدراء النيابة "
لم يدر بماذا يرد ، أضاف وكيل النيابة " تصرف المتهمة من سراى النيابة بكفالة مالية قدرهـا ألف جنيه ، وتحدد لهـا جلسة عاجلة ""
- أشكرك جدا يافندم ، أنا حاسدد الكفالة فورا ، وآسف جدا على اللى حصل ، معلش أعصابهـا تعبانة ، ومش فاهمة قانون ، سيادتك متفهم الأمـر "
صرخت فيه " نعم نعم ، كمان بتشكره ؟، أنا مش بافهم ؟؟، انت ساكتله إزاى وهو بيهزأنى كدة ؟ ألف جنيه؟؟ أنا أطلع بكفالة ألف جنيه؟ هى دى قيمتى ؟ بقى بدل ماتبهدله وتطلب رفع الكفالة لخمسين أو ميت ألف على الأقل ، تشكره ؟ إمال لو كان بيحقق مع واحدة غيرى كان طلعهـا بكام؟ ربع جنيه ؟؟ انت إزاى تسمح بكدة ؟؟ الحمد لله إننا لسة ع البر ، ماكنتش متصورة إنك ممكن تعمل كدة أبدا ، أنا مش مصدقة ودانى "
- ياماما هو بيقول ألف جنيه شبكة؟؟ ؟ دى كفالة مالية ، ممكن تسكتى أبوس إيدك ؟ ثم استدار لوكيل النيابة " آسف جدا ، مش عارف أقولك إيه؟؟" - جرى إيه ياأستاذ؟ أنا شوية والاقى نفسى ياشتغل مأذون ؟ هو إيه اللى بيجرى دة ، اتفضلوا برة قبل ماغير رأى ، اتفضلوا !!
ردت عليه بينما رفيقهـا يسحبهـا للخارج بالقوة " مأذون؟ وحياتكم إنتوا الاتنين ما حيحصل ؟ كل اللى بيننا انتهى خلاص ، وانت بالذات حاعرف شغلى معاك ، علشان تبقى بعد كدة تحترم الهوانم اللى بيجولك ، ألف جنيه؟ دول باصرفهم عند الكوافير بتاعى ، دول ما يكفونيش بارفان في شهـر ، دول ....."........ ووجدت نفسهـا خارج الغرفة بالفوة !!!!!!!!!!!!
ما أن أغلق الباب ووجد نفسه خارجه حتى صرخ فيهـا " انتى عاوزة تتهدى كلك كدة وتتبنى من جديد ، مش عاوز أسمع نص كلمة زيادة ، اقفى هنا لحد مادفع الكفالة ، وعلى الله أسمع صوتك !!"
لدهشة الجميع لم تنطق بحرف ، وقفت ساكنة ، وزمت شفتيهـا كما لو كانت تود أن ترد ، رمقهـا بنظرة نارية فأطرقت ، نركهـا وانطلق تجاه الخزنة ، وعندما عاد متجهما ، سحبها من يدها فطأطأت رأسها وسارت معه فى استسلام بينما ارتسمت على شفتيها ابتسامة رضا ,,,,،،،،،
| |
|