سما الأحلام وخالد قاسم

تقديم
بقلم الشاعر والناقد: عاطف الجندي

للشعر سلطانه وشيطانه الذي يلازم صاحبه في أي مكان ولا يبرحه حتى يوسعه شعرا ووجعا وهموما في عشق الوطن والحبيب والحياة بصفة عامة .
وهذا هو قدر الشعراء في كل مكان وزمان ، فالشاعر هو المسجل لكل أفراح وأتراح وطنه وحتى في زمن الإنترنت والسماوات المفتوحة سيظل للشعر رونقه وللقصيدة مذاقها الخاص الذى يحملنا عبر سماوات الدهشة ويطل بنا على عالم سرمدي موشي بالقرنقل واللؤلؤ والمرجان وأضواء المشاعر .
فالله – سبحانه وتعالى – يبتلي من وهبه موهبة الشعر بمصاهرة الألق ومصادقة الوجع ومع ذلك يشعر المتوجع هذا بلذة الفرح عندما تخرج مشاعره على هيئة قصائد وخاصة عندما يكتب لها النجاح وتلاقي تقدير القراء والمستمعين و من هنا يحرص الشاعر على تجويد شعره والرجوع إليه من حين لآخر لتنقيته من الشوائب التي قد تكون علقت به لينشد الدهشة الشعرية والأثر الذي قد يتركه الشاعر فى نفوس متابعيه ولعل شهرة بعض الشعراء الأقدمين من خلال قصيدة واحدة أو بضعة أبيات هي الحافر على التواجد وأن يسجل التاريخ الشعري العربي لهم هذا المقام وهذه النوعية من الإبداع .
وشاعرنا الشاب المجيد خالد قاسم والذي يدفع بعمله هذا ( سما الأحلام ) للمطابع ، يمتلك أدواته ومن ثم هو يسير في الطريق الصحيح لتكوين عالمه الخاص و هو يقدم لنا نفسه كشاعر يحرص على النظام البيتي الخليلي و على بحور الشعر وموسيقاه وهذه من صفات الشاعر الجيد الذي يبدأ حياته الشعرية بالمحافظة على التراث ويتفاعل مع معطيات عصره و الديوان يحتوي على سبعة عشر قصيدة عمودية تشكل محاور الديوان الذي ينقسم بين العاطفي والوطني وإن طغت القصائد العاطفية على الديوان فهو يقدم لنا نفسه كأحد شعراء الغزل من مجانين الشعر الذين سطروا اسمهم بحروف من نور في جبين الشعر العربي .
وأهم ما يميز هذا الديوان هو تمكن الشاعر من قافيته التى أتت غير مجلوبة وأتت سلسة حتى أننا لا نشعر بتكلف في وضعها وأيضا تمكنه من أدواته من نحو وعروض وصرف وصور وأخيله وغيرهم من أدوات الشاعر المجيد فنجده مثلا فى قصيدته الأولى ( على ضفاف الحب ) يقول :
زرعوا القصائد فاعلاتن فاعلن
وزرعت في أرض القصيدة نبرتي
وكأنه يعرفنا تفعيلة القصيدة وتمكنه من العروض ويكمل .. ما يهمه فقط هو الصدق الفني فيقول في بيت آخر:
ما همني فى الشعر إلا صدقه
صدق المشاعر حين تخبو ومضتي
وصورة غريبة وجديدة في آخر القصيدة عندما يطلب من محبوبته بالإتيان بخدوها لتقبيلها بواسطه يده وليس فمه وهو كذلك فى العادي و المتعارف عليه ونعرف السبب في شطر البيت الآخر فهو يشتاق لتقبيل الخدود بمسحةٍ من يده وفي النهاية يعترف بعدم قسوته مهما بدت لكنها قسوة المحب التي تعادل الحنو والعطف فيقول :
هاتي خدودك كي تقبلها يدي
أشتاق تقبيل الخدود بمسحتي
دافعت عن حب عفيف طاهرٍ
يروي القلوب وتلك كل قصيتي
ما كنت يوما قاسيا فلتعلمي
لكنني أحنو عليك بقسوتي !
ونراه مصرا في قصيدة أخرى على محبوبته ومدافعا عنها ومتمسكا بها حد الدهشة في قصيدة جميلة حملت عنوانا هو ( إصرار ) ويبدأها بالتغزل في عيني محبوبته وبأنها أجمل قبلة و بسمة منها ستعينه على غزو مدن الجراح فيقول:
عيناك أول قبلة
قبلتها عند الصباح
فلتمنحيني بسمةً
أغزو بها مدن الجراح
ويدعوها للتمرد العاطفي وعدم الاستكانة إلى واقع أليم لا يعترف بالحب ولا يقدر المحبين فيقول:
" أحلى الهوى ما كان فيه
تمردٌ حد الجماح "
وفي قصيدة تحمل هما عربيا وتعاطفا مع قضية شغلت كل العرب والمسلمين والكثير من دول العالم وهي قضية فلسطين وخاصة الحرب على غزة من قتل وترويع للأمنين والشيوخ والأطفال والنساء فكتب قصيدة يتوجع فيها لما صار بها من حرب وقصف من قبل الإسرائيلين وما يقابله من صمت عربي مفزع ومع ذلك كان صمود غزة مثالا لكل متمسك بوطنه وعازم على الدفاع عنها بروحه وأعز ما يملك فعلى قافية صعبة وبحر سريع كالمتفارب جاءت القصيدة مناسبة للحالة وتحمل بين طياتها وجعا نبيلا فيقول شاعرنا:
هو الشعر يا غزة الله دمعي
ونبض الفؤاد وصوتي وسمعي
أتيت من القلب أحمل شعري
وشعري خجول يصافح منعي
وإن كنت أرى أن كلمة الشعر تكررت كثيرا في هذين البيتين وكان الأولى والأجدر تغيير الكلمة .
ويمضي الشاعر في وصف مشاعره لغزة ولمساندته لها وحلمه بالنصر لها وإدانة الصمت العربي لما يحدث بها وأن الشاعر لا يملك سوى الدعاء والرجاء لها بالبرء من داء ألم بها من قديم فيقول :
ولا نملك الآن إلا الرجاء
سلمتِ وعينيك من كل قمعِ
ومن مصر حيكت ثياب الأمانِ
لغزة من كل واد ونجعِ
تموت العروبة في كل يومٍ
فقومي لنا غزة الله وانعي !
وأخيرًا أقول: إن شاعرنا خالد قاسم قدم لنا ديوانا ليس به من أخطاء البدايات الكثير ويدل على تمرسه في الشعر وعلى خطوات سابقة له على درب الجمال ويبقى لشاعرنا المتميز أن يخط لنفسه طريقا خاصا به من خلال ما يكتبه من شعر عمودي أو تفعيلي – فهو يكتب التفعيلي أيضا – و أن يعرف أن الشعر شجرة كثيرة الأغصان بها العاطفي والوطنى والهجاء والرثاء و الفلسفي وغير ذلك من فروع الشعر وأغصانه لابد من الوقوف عليها و تذوق ثمار كل فرع و أتمنى أن يكتب تواريخ القصائد ليسهل على دارسي شعره بعد ذلك ولنقاده التعرف على خطه البياني ومناسبات ودلائل قصائده وأن يكون له خطه الشعري الواضح وأن ينشأ مدرسته الشعرية الخاصة _ وأنا أتابع مشواره الأدبي من خلال منتدى عاطف الجندي الأدبي في الإنترنت أو من خلال الفيس بوك وهو قادر على أن يتبوأ مكانا جديرا به تحت الضوء من خلال ما قدم من شعر وما تعرفت عليه من إبداعه ولولا وجوده كطائر مهاجر لسموات الخليج العربي لرأيناه محلقا في ندوات الشعر المصرية وها هو يقتحم الدرب ويقدم لنا نفسه كشاعر جدير بالقراءة والمتابعة .
مع خالص امنياتي له بالتوفيق في قابل أعماله الأدبية .
القاهرة
الجمعة 28 يونيو 2013

مقالة رائعة يا أستاذنا الحبيب ..

دمت بخير و جمال Very Happy

أشكرك أخي وشاعرنا الكبير / الأستاذ عاطف الجندي
أشكر كلماتك الرقيقة التي ربما لا أستحقها
ولي عظيم الشرف لتقديمك متواضعي هذا .
تقبل تحياتي
خالد قاسم

» إبراهيم خليل وخالد الريدى
» إبراهيم خليل وخالد الريدي وعيد البحرية
» سما الأحلام
» بلد الأحلام
» .. وطن الأحلام ..