لَوْنُ الخِضَابِ
شعر /عبد الناصر عبد المولى أحمد
عِطرُ الزمانِ على كفَّيكِ منْثورُ
والمجدُ رَقٌّ وفى عِينِيكِ منْشورُ
تفنى العُهودُ وأمَّا مجدُنَا فلهُ
عَهدُ العُلا في جَبينِ الدهرِ محفُورُ
يا ربَّةَ الحسنِ هل مَهْرٌ يُكافِؤكمْ
إلا دماءٌ لها في التُرْبِ تعطِيرُ
بمصرَ قلبٌ على عينيكِ معتكفٌ
وموئلُ النومِ في عينيهِ مَهْجُورُ
لكلِّ قلبٍ هوىَ في الحبِّ مسألةٌ
فهل لقلبٍ صَبا يا قدسُ تعبيرُ
هذا يَراعِيِ يخُطُُّ الدمعَ مُتبَّعاً
نَظمَ الحُروفِ فما للحَرْف مسرورُ!!
كأنَّ نَاياً مِنَ الزَّفْراتِ بعْثَرَنيِ
لحناً فلمَّ شَتاتَ القلبِ طنبُورُ!
طافتْ برُوقُ المدىَ في الحُلمِ تغمُرني
وكلُّ ذكرىَ لها في الحُلمِ تصويرُ
يا قدسُ قُومِي من الأحزانِ وادَّكري
كلَّ الحَكَايَا فَصمْتُ الحُزنِ تخدِيرُ
لَونُ الخِضَابِ على كفِّيكِ مُزْدَهِرٌ
والعاشقونَ أتَوْا والدهرُ مسحورُ
والعُرسُ حشرٌ وكلُّ الناس قد وقفوا
والوزنُ تبرٌ وبيتُ القدسِّ معْمورُ
هذا الزحامُ وهذا البوقُ فاطَّلعيِ
أنى طَلعتِ فصوتُ البوقِ تكْبيِرُ
توضأَ الخَلْقُ من نَبعِ السنا ودعوا
وكُلُّ داعٍ لهُ بالحقِّ تنوِيرُ
دعوا فهَدْهَدَتِ الأملاكُ أُغْنِيةً
تشدوا القلوبُ بها ,والطيرُ, والنورُ
رَكْبُ النَّبيِينَ في أقصاكِ مُجْتمعٌ
أتى عَديدُ الحصىَ والرمل جُمهُورُ
لدى الجدارِ براقٌ كان يركبهُ
من قد سعى للعُلا ,والسعيُ مشكورُ
والناسُ صفٌّ وليلُ القدسِ مؤتلقٌ
فاحَ الأريجُ فعرفُ المسكِ تعفِيرُ
صلَّى النبيُ إلى أن جاء موعِدهُ
فالأفقُ طوعٌ لهُ,جبريلُ مأمورُ
دنا مشَوقاً لآفاقِ العُلا وتدلْـ = لىَ كان قاباً ,وصوتُ الحقِّ تبشِيرُ
اشفعْ تُشفَّعْ وسَلْ ما شئِتَ من كَرمي
ولْتَدنُ منِّى فلا حُجْبٌ ولا سُورُ
خُذ الصلاةَ بها وصلٌ لمنقطعٍ
فيها العُروجُ وفيها القُربُ ميِسُورُ
بابُ السماءِ تُرى مازالَ منفتحاً؟
يا قدسُ أم قد جرى للبابِ تسْكيرُ؟
لا بل ببابِ العُلا يا قدسُ متسعٌ
كم من شهيدٍ دعتْ أنفَاسَهُ الحُورُ
فيا فتاةً طوتْ في بُردِها أُمَمَاً
وفى ثرَاها كِتابُ الكونِ منْشُورُ
لِوقعِ نعليكِ قد شاخَ الزمانُ هوىً
وما جرى لخِضابِ العُرسِ تغيِيرُ
إن لمُتِ لُوُمي على العُشَّاقِ واعترفي
لُوُمي , وبوُحي فما للِكتمِْ تبريِرُ
وذكِّريِ بعهودِ الحبِّ من هَجروا,
للعاشقينَ على الميثاقِ تقصِيرُ
لُوُمي وقولي لماذا أرخصوا جَسديِ
فريسةً صادها قِردٌ وخنزيرُ
تبكي ومن حولها الآسادُ قد رقدتْ
رُقادُهمْ ما لهُ صحوٌ وتذكيرُ
ينامُ عنِّي ملوكٌ لانََ مَضْجَعَهُمْ
- رغمَ الأنينِ- وهذا العدلُ مخمورُ
أشكو جِراحي وما في الخلقِ مستمعٌ
كأنَّ جُرحى عن الإخوانِ مستورُ
حبُّ الحياةِ أهانَ القومَ,فرَّقهم
ولوُا فراراً ؛فعَاقَ النَصرَ تأخيرُ
لكنَّ طفلي على الأمجادِ مرتقبٌ
في كفِّهِ حجرٌ ,نارٌ, وتدميرُ
الصخرُ ذابَ على إيقادِ زفرتهِ
,لانَ الحديدُ, ولا يُنبِيكَ موتُورُ
فرَّ الغزاةُ لدى تكبيرهِ فزعاً
وكم – بدبابةٍ - قد لاذَ مدحورُ
يُقدِّمُ الروحَ مسروراً يُهدْهِدُها
هذا دَمِىِ ودَمُ الأطفالِ مَهْدورُ
يا قدسُ كم دُرَّةٍ ما حازها صدفٌ
زُفَّتْ إليكِ وهذا الدُّرُ موفورُ
لُوُمي وقُولي لماذا بعتموا دُرريِ
هذي القبابُ عَلتْ أنَّاتُها:ثُوروا
حاز اليهودُ مناراتي وأطمَعهمْ
جبنُ الملوكِ ,فلا عدْلٌ ,ولا خِيْرُ
يَنسَونَ أقصى فما الأقصى بشاغِلهمْ
فشغلهمْ في الورى غِشٌ وتزويرُ
هدمٌ وحفرٌ, أبالأقصى هياكلُهم؟
لا بل هياكلُهم حقدٌ وتغريرُ
قتلٌ وحبسٌ وتشريدٌ ومذبحةٌ
هذا دَمِىِ ودَمُ الأطفالِ مَهْدورُ
ما حيلتي وأنا في أُمَّتي مِزَقٌ
فالبعضُ في غُربةٍ والبعضُ مأسورُ
صمتٌ على ألَمِي يا عُرْبُ وابتهجوا
لا يُحزنَّنكمُ قتلٌ وتَهجِيرُ
صمتٌ على ألَمِي يا عُربُ وانتظروا
لا يشغلنَّكمُ حزنٌ وتكديرُ
لا تحسبوا مَوتَتِي حانتْ فتنتحبوا
ووفِّروا الدمعَ ,إن النَصْرَ مَقْدورُ
سأجمعُ السُحْبَ أكفاناً لمن رحلوا
وأوقظُ الشمسَ كي يزهو بِها النورُ
سأغرسُ الأرضَ زيتوناً وأُشْبِعُها
فيورقُ الغصنُ كي يرتاحَ عصفورُ
سأزرعُ الأرضَ أسيافاً وأحْصُدها
للحقِّ معْركةً - ما تُربتيِ بُورُ
أَسرجْتُ خَيْلِيِ وقلبُ الصخرِ مُرتَعِدٌ
أشرعتُ فُلْكِي وموجُ البحرِ مذعورُ
أنا التي لِسِنَامِ المجدِ قد صَعَدتْ
حجَّ العُلا كعْبتيِ ,والحجُّ مبرورُ
وألفُّ عامٍ على عمرِيِ كثانيةٍ
دعوتُ قَوْمِي وما للقومِ تَبْصِيرُ
صَنعتُ- والدمعُ طوُفانٌ- لَكمْ سُفُنِي
يَجِيءُ نَصْرِيِ إذا ما فَارَ تنَّوُرُ
شعر /عبد الناصر عبد المولى أحمد